الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعَلى يَد الْعَلَاء بن الحضرمى رضى الله عَنهُ
وَقد بَعثه النبى صلى الله عليه وسلم فى غزَاة بِجَيْش فحال بَينهم وَبَين الْموضع الْبَحْر فَدَعَا الله وَمَشوا على المَاء
وَمَا جَاءَ أَنه كَانَ بَين يدى
سلمَان وأبى الدَّرْدَاء
رضى الله عَنْهُمَا قَصْعَة فسبحت حَتَّى سمعا التَّسْبِيح
وَمَا اشْتهر أَن
عمرَان بن حُصَيْن
رضى الله عَنهُ كَانَ يسمع تَسْبِيح الْمَلَائِكَة حَتَّى اكتوى فانحبس ذَلِك عَنهُ ثمَّ أَعَادَهُ الله عَلَيْهِ
وَمَا اشْتهر من قصَّة
خَالِد بن الْوَلِيد رضى الله عَنهُ
وهى أَنه شرب السم وَلم يضرّهُ
فَإِن قلت مَا بَال الكرامات فى زمن الصَّحَابَة وَإِن كثرت فى نَفسهَا قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يرْوى من الكرامات الكائنة بعدهمْ على يَد الْأَوْلِيَاء
فَالْجَوَاب أَولا مَا أجَاب بِهِ الإِمَام الْجَلِيل أَحْمد ابْن حَنْبَل رضى الله عَنهُ حَيْثُ سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أُولَئِكَ كَانَ إِيمَانهم قَوِيا فَمَا احتاجوا إِلَى زِيَادَة يقوى بهَا إِيمَانهم وَغَيرهم ضَعِيف الْإِيمَان فى عصره فاحتيج إِلَى تقويته بِإِظْهَار الْكَرَامَة
وَنَظِيره قَول الشَّيْخ السهروردى رحمه الله حَيْثُ قَالَ وخرق الْعَادة إِنَّمَا يكاشف بِهِ لموْضِع ضعف يَقِين المكاشف رَحْمَة من الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْعباد ثَوابًا معجلا
وَفَوق هَؤُلَاءِ قوم ارْتَفَعت الْحجب عَن قُلُوبهم فَمَا احتاجوا إِلَى ذَلِك
وَثَانِيا أَن يُقَال مَا يظْهر على يدهم رُبمَا اسْتغنى عَنهُ اكْتِفَاء بعظيم مقدارهم ورؤيتهم طلعة الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم ولزومهم طَرِيق الاسْتقَامَة الذى هُوَ أعظم الْكَرَامَة مَعَ مَا فتح على يديهم من الدُّنْيَا وَلَا اشرأبوا لَهَا وَلَا جنحوا نَحْوهَا وَلَا استزلت وَاحِدًا فرضى الله عَنْهُم كَانَت الدُّنْيَا فى أَيْديهم أَضْعَاف مَا هى فى أيدى أهل دُنْيَانَا وَكَانَ إعراضهم عَنْهَا أَشد إِعْرَاض وَهَذَا من أعظم الكرامات وَلم يكن شوقهم إِلَّا إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى جنابه جلّ وَعلا
فَإِن قلت هَب أَنكُمْ دفعتم شبه المنكرين للكرامات فَمَا دليلكم أَنْتُم على إِثْبَاتهَا فَإِن القَوْل فى الدّين نفيا وإثباتا مُحْتَاج إِلَى الدَّلِيل
قلت إِذا انْدفع مَا اسْتدلَّ بِهِ الْخُصُوم على الْمَنْع وَبَطلَت الاستحالة لم يبْق بعْدهَا إِلَّا الْجَوَاز إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْمَنْع والاستحالة ثمَّ فِيمَا ذَكرْنَاهُ من الْوَاقِعَات على يَد الصَّحَابَة مقنع لمن لَهُ أدنى بَصِيرَة ثمَّ إِن أَبيت إِلَّا دَلِيلا خَاصّا ليَكُون أقطع للشغب وأنفى للشبه
فَنَقُول الدَّلِيل على ثُبُوت الكرامات وُجُوه
أَحدهَا وَهُوَ أوحدها مَا شاع وذاع بِحَيْثُ لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل معاند من أَنْوَاع الكرامات للْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ الجارى مجْرى شجاعة على وسخاء حَاتِم بل إِنْكَار الكرامات أعظم مباهتة فَإِنَّهُ أشهر وَأظْهر وَلَا يعاند فِيهِ إِلَّا من طمس قلبه وَالْعِيَاذ بِاللَّه
والثانى قصَّة مَرْيَم من جِهَة حبلها من غير ذكر وَحُصُول الرطب الطرى من الْجذع الْيَابِس وَحُصُول الرزق عِنْدهَا فى غَيره أَوَانه وَمن غير حُضُور أَسبَابه على مَا أخبر الله تَعَالَى بقوله {كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا رزقا قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله} وهى لم تكن نبية لَا عندنَا وَلَا عِنْد الْخُصُوم
أما عندنَا فلأدلة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة} وَمِنْهَا الْإِجْمَاع على مَا نقل بَعضهم
وَأما عِنْد الْخصم فَلِأَنَّهُ يشْتَرط أَن يكون النبى ذكرا وَنحن لَا نخالفه فى ذَلِك بل نشترط الذُّكُورَة فى الْإِمَامَة وَالْقَضَاء فضلا عَن النُّبُوَّة هَكَذَا ذكر بعض أَئِمَّتنَا فَقَالَ القاضى لم يقم عندى من أَدِلَّة السّمع فى أَمر مَرْيَم وَجه قَاطع فى نفى نبوتها أَو إِثْبَاتهَا
فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن تكون معْجزَة لزكريا أَو يكون إرهاصا لولدها عِيسَى عليهم السلام
قلت لِأَن المعجزة تجب أَن تكون بمشهد من الرَّسُول وَالْقَوْم حَتَّى يُقيم الدّلَالَة عَلَيْهِم وَمَا حكيناه من كراماتها نَحْو قَول جِبْرِيل لَهَا {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا} لم يكن بِحُضُور أحد بِدَلِيل قَوْله {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا فَقولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما} وَأَيْضًا فالمعجزة تكون بالتماس الرَّسُول وزَكَرِيا مَا كَانَ يعلم بِحُصُول ذَلِك لقَوْله {أَنى لَك هَذَا}
وَأَيْضًا فَهَذِهِ الخوارق إِنَّمَا ذكرت لتعظيم شَأْن مَرْيَم فَيمْتَنع وُقُوعهَا كَرَامَة لغَيْرهَا
وَلَا يجوز أَن تكون إرهاصا لعيسى عليه السلام لِأَن الإرهاص أَن يخْتَص الرَّسُول قبل رسَالَته بالكرامات فَأَما مَا يحصل بِهِ كَرَامَة الْغَيْر لأجل أَنه سيجىء بعد ذَلِك فَذَلِك هُوَ الْكَرَامَة الَّتِى يدعيها وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك لجَاز فى كل معْجزَة ظَهرت على يَد مدعى الرسَالَة أَن تكون إرهاصا لنبى آخر يجىء بعد ذَلِك وتجويز هَذَا يُؤدى إِلَى سد بَاب الِاسْتِدْلَال بالمعجزة على النُّبُوَّة
وَقَرِيب من قصَّة مَرْيَم قصَّة أم مُوسَى عليه السلام وَمَا كَانَ من إلهام الله تَعَالَى إِيَّاهَا حَتَّى طابت نَفسهَا بإلقاء وَلَدهَا فى اليم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا خصت بِهِ أفترى ذَلِك سدى
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلم يصر أحد من أهل التواريخ ونقلة الأقاصيص إِلَى أَنَّهَا كَانَت نبية صَاحِبَة معْجزَة
وَالثَّالِث التَّمَسُّك بِقصَّة أَصْحَاب الْكَهْف فَإِن لبثهم ثَلَاث مائَة سِنِين وأزيد نياما أَحيَاء من غير آفَة مَعَ بَقَاء الْقُوَّة العادية بِلَا غذَاء وَلَا شراب من جملَة الخوارق وَلم يَكُونُوا أَنْبيَاء فَلم تكن معْجزَة فَتعين كَونهَا كَرَامَة
وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاق الْمُسلمين على أَنهم لم يَكُونُوا أَنْبيَاء وَإِنَّمَا كَانُوا على دين ملك فى زمانهم يعبد الْأَوْثَان فَأَرَادَ الله أَن يهْدِيهم فشرح صُدُورهمْ لِلْإِسْلَامِ وَلم يكن ذَلِك عَن دَعْوَة دَاع دعاهم وَلَكنهُمْ لما وقفُوا تَفَكَّرُوا وتدبروا ونظروا فاستبان لَهُم ضلال صَاحبهمْ وَرَأَوا أَن يُؤمنُوا بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرضين ومبدع الْخَلَائق أَجْمَعِينَ
وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل ذَلِك معْجزَة لنبى آخر
أما أَولا فلأنهم أخفوه حَيْثُ قَالُوا {وَلَا يشعرن بكم أحدا} والمعجزة لَا يُمكن إِخْفَاؤُهَا
وَأما ثَانِيًا فَلِأَن المعجزة يجب الْعلم بهَا وبقاءهم هَذِه الْمدَّة لَا يُمكن علم الْخلق بِهِ لِأَن الْخلق لم يشاهدوه فَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بإخبارهم لَو صَحَّ أَنهم يعلمُونَ ذَلِك وإخبارهم بذلك إِنَّمَا يُفِيد إِذا ثَبت صدقهم بِدَلِيل آخر وَهُوَ غير حَاصِل وَأما إِثْبَات صدقهم بِهَذَا الْأَمر فدور مُمْتَنع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت هَذَا الْأَمر إِذا ثَبت صدقهم فَلَو توقف صدقهم عَلَيْهِ لدار
وَأما ثَالِثا فَإِنَّهُ لَيْسَ لذَلِك النبى ذكر وَلَا دَلِيل يدل عَلَيْهِ فإثبات المعجزة لَهُ لَا فَائِدَة فِيهِ لِأَن فَائِدَة المعجزة التَّصْدِيق وتصديق وَاحِد غير معِين محَال
الرَّابِع التَّمَسُّك بقصص شَتَّى مثل قصَّة آصف بن برخيا مَعَ سُلَيْمَان عليه السلام فى حمل عرش بلقيس إِلَيْهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْهِ طرفه على قَول أَكثر الْمُفَسّرين بِأَنَّهُ المُرَاد بالذى عِنْده علم من الْكتاب وَمَا قدمْنَاهُ عَن الصَّحَابَة وَمَا تَوَاتر عَمَّن بعدهمْ من الصَّالِحين وَخرج عَن حد الْحصْر وَلَو أَرَادَ الْمَرْء استيعابه لما كفته أوساق أحمال وَلَا أوقار جمال ومازال النَّاس فى الْأَعْصَار السَّابِقَة وهم بِحَمْد الله إِلَى الْآن فى الْأَزْمَان اللاحقة وَلَكنَّا نستدل بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فقد كَانُوا من قبل مَا نبغ النابغون وَنَشَأ الزائغون يتفاوضون
فى كرامات الصَّالِحين وينقلون مَا جرى من ذَلِك لعباد بنى إِسْرَائِيل فَمن بعدهمْ وَكَانَت الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم من أَكثر النَّاس خوضا فى ذَلِك
الْخَامِس مَا أعطَاهُ الله تَعَالَى لعلماء هَذِه الْأمة وأوليائها من الْعُلُوم حَتَّى صنفوا كتبا كَثِيرَة لَا يُمكن غَيرهم نسخهَا فى مُدَّة عمر مصنفها مَعَ التَّوْفِيق لدقائق تخرج عَن حد الْحصْر واستنباطات تطرب ذوى النهى واستخراجات لمعان شَتَّى من الْكتاب وَالسّنة تطبق طبق الأَرْض وَتَحْقِيق للحق وَإِبْطَال للباطل وَمَا صَبَرُوا عَلَيْهِ من المجاهدات والرياضات وَالدَّعْوَى إِلَى الْحق وَالصَّبْر على أَنْوَاع الْأَذَى وعزوف أنفسهم عَن لذات الدُّنْيَا مَعَ نِهَايَة عُقُولهمْ وذكائهم وفطنتهم وَمَا حبب إِلَيْهِم من الدأب فى الْعُلُوم وكد النَّفس فى تَحْصِيلهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل المتأمل مَا أَعْطَاهُم الله مِنْهُ عرف أَنه أعظم من إِعْطَائِهِ بعض عبيده كسرة خبز فى أَرض مُنْقَطِعَة وشربة مَاء فى مفازة وَنَحْوهمَا مِمَّا يعد كَرَامَة
فَإِن قلت قد أَكثرْتُم القَوْل فى الكرامات وَمَا أفصحتم بالمختار عنْدكُمْ من الْأَقْوَال المنقولات
قلت هَذَا مقَام معضل خطر والاحتجار على مواهب الله لأوليائه عَظِيم عسر والاتساع فِي التجويز آيل إِلَى فتح بَاب على المعجزات مسدود
وَالَّذِي يتَرَجَّح عِنْدِي القَوْل بتجويز الكرامات على الْإِطْلَاق إِذا لم تخرق عَادَة وبتجويز بعض خوارق العوائد دون بعض فَلَا أمنع كثيرا من الخوارق وَأَمْنَع كثيرا ولي فِي ذَلِك قدوة وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي رَحمَه الله تَعَالَى
فَإِن قلت عرفني مَا تَمنعهُ ومالا تَمنعهُ ليتبين مذهبك
قلت أمنع ولدا من غير أبوين وقلب جماد بَهِيمَة وَنَحْو ذَلِك وسيتضح لَك ذَلِك عِنْد ذكر الْأَنْوَاع الَّتِي أبديها على الْأَثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما جُمْهُور أَئِمَّتنَا فعمموا التجويز وأطلقوا القَوْل إطلاقا وَأخذ بعض الْمُتَأَخِّرين يعدد
أَنْوَاع الْوَاقِعَات من الكرامات فَجَعلهَا عشرَة وَهِي أَكثر من ذَلِك وَأَنا أذكر مَا عِنْدِي فِيهَا
النَّوْع الأول إحْيَاء الْمَوْتَى وَاسْتشْهدَ لذَلِك بِقصَّة أبي عبيد البسري فقد صَحَّ أَنه غزا وَمَعَهُ دَابَّة فَمَاتَتْ فَسَأَلَ الله أَن يُحْيِيهَا حَتَّى يرجع إِلَى بسر فَقَامَتْ الدَّابَّة تنفض أذنيها فَلَمَّا فرغ من الْغَزْوَة وَوصل إِلَى بسر أَمر خادمه أَن يَأْخُذ السرج عَن الدَّابَّة فَلَمَّا أَخذه سَقَطت ميتَة
والحكايات فى هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَمن أواخرها أَن مفرجا الدمامينى وَكَانَ من أَوْلِيَاء الله من أهل الصَّعِيد ذكر أَنه أحضرت عِنْده فراخ مشوية فَقَالَ لَهَا طيرى فطارت أَحيَاء بِإِذن الله تَعَالَى
وَأَن الشَّيْخ الأهدل كَانَت لَهُ هرة ضربهَا خادمه فَمَاتَتْ فَرمى بهَا فى خرابة فَسَأَلَ عَنْهَا الشَّيْخ بعد لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث فَقَالَ الْخَادِم لَا أدرى فَقَالَ الشَّيْخ أما تدرى ثمَّ ناداها فَجَاءَت إِلَيْهِ تجرى
وحكاية الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلانى رضى الله عَنهُ وَوَضعه يَده على عِظَام دجَاجَة كَانَ قد أكلهَا وَقَوله لَهَا قومى بِإِذن الله الذى يحيى الْعِظَام وهى رَمِيم فَقَامَتْ دجَاجَة سوية حِكَايَة مَشْهُورَة
وَذكروا أَن الشَّيْخ أَبَا يُوسُف الدهمانى مَاتَ لَهُ صَاحب فجزع عَلَيْهِ أَهله فَلَمَّا رأى الشَّيْخ شدَّة جزعهم جَاءَ إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ لَهُ قُم بِإِذن الله فَقَامَ وعاش بعد ذَلِك زَمنا طَويلا
وحكاية زين الدّين الفارقى الشافعى مدرس الشامية شهيرة وَقد سَمعتهَا من لفظ وَلَده ولى الله الشَّيْخ فتح الدّين يحيى فَحكى لنا مَا سنحكيه فى تَرْجَمَة وَالِده مِمَّا حَاصله أَنه وَقع فى دَاره طِفْل صَغِير من سطح فَمَاتَ فدعى الله فأحياه
وَلَا سَبِيل إِلَى استقصاء مَا يحْكى من هَذَا النَّوْع لكثرته وَأَنا أومن بِهِ غير أَنى أَقُول
لم يثبت عندى أَن وليا حيى لَهُ ميت مَاتَ من أزمان كَثِيرَة بَعْدَمَا صَار عظما رميما ثمَّ عَاشَ بعد مَا حيى لَهُ زَمَانا كثيرا هَذَا الْقدر لم يبلغنَا وَلَا أعتقده وَقع لأحد من الْأَوْلِيَاء وَلَا شكّ فى وُقُوع مثله للأنبياء عليهم السلام مثل هَذَا يكون معْجزَة وَلَا تنتهى إِلَيْهِ الْكَرَامَة فَيجوز أَن يجىء نبى قبل اختتام النُّبُوَّة بإحياء أُمَم انْقَضتْ قبله بدهور ثمَّ إِذا عاشوا استمروا فى قيد الْحَيَاة أزمانا وَلَا أعتقد الْآن أَن وليا يحيى لنا الشافعى وَأَبا حنيفَة حَيَاة يبقيان مَعهَا زَمَانا طَويلا كَمَا عمرا قبل الْوَفَاة بل وَلَا زَمَانا قَصِيرا يخالطان فِيهِ الْأَحْيَاء كَمَا خالطاهما قبل الْوَفَاة
النَّوْع الثانى كَلَام الْمَوْتَى وَهُوَ أَكثر من النَّوْع قبله وروى مثله عَن أَبى سعيد الخراز رضى الله عَنهُ ثمَّ عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر رضى الله عَنهُ وَعَن جمَاعَة من آخِرهم بعض مَشَايِخ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله وَلست أُسَمِّيهِ
النَّوْع الثَّالِث انفلاق الْبَحْر وجفافه والمشى على المَاء وكل ذَلِك كثير وَقد اتّفق مثله لشيخ الْإِسْلَام وَسيد الْمُتَأَخِّرين تقى الدّين بن دَقِيق العَبْد
الرَّابِع انقلاب الْأَعْيَان كَمَا حكى أَن الشَّيْخ عِيسَى الهتار الْيُمْنَى أرسل إِلَيْهِ شخص مستهزئا بِهِ إناءين ممتلئين خمرًا فصب أَحدهمَا فى الآخر وَقَالَ بِسم الله كلوا فَأَكَلُوا فَإِذا هُوَ سمن لم ير مثل لَونه وريحه وَقد أَكْثرُوا فى ذكر نَظِير هَذِه الْحِكَايَة
الْخَامِس انزواء الأَرْض لَهُم بِحَيْثُ حكوا أَن بعض الْأَوْلِيَاء كَانَ فى جَامع طرسوس فاشتاق إِلَى زِيَارَة الْحرم فَأدْخل رَأسه فى جبته ثمَّ أخرجه وَهُوَ فى الْحرم
وَالْقدر الْمُشْتَرك من الحكايات فى هَذَا النَّوْع بَالغ مبلغ التَّوَاتُر وَلَا يُنكره إِلَّا مباهت
السَّادِس كَلَام الجمادات والحيوانات وَلَا شكّ فِيهِ وفى كثرته وَمِنْه مَا حكى أَن إِبْرَاهِيم بن أدهم جلس فى طَرِيق بَيت الْمُقَدّس تَحت شَجَرَة رمان فَقَالَت لَهُ يَا أَبَا إِسْحَاق أكرمنى بِأَن تَأْكُل منى شَيْئا قَالَت ذَلِك ثَلَاثًا وَكَانَت شَجَرَة قَصِيرَة
ورمانها حامضا فَأكل مِنْهَا رمانة فطالت وحلا رمانها وحملت فى الْعَام مرَّتَيْنِ وَسميت رمانة العابدين
وَقَالَ الشبلى عقدت أَنى لَا آكل إِلَّا من حَلَال فَكنت أدور فى البرارى فَرَأَيْت شَجَرَة تين فمددت يدى لآكل مِنْهَا فنادتنى الشَّجَرَة احفظ عَلَيْك عقدك وَلَا تَأْكُل منى فإنى ليهودى فكففت يدى
السَّابِع إِبْرَاء العليل كَمَا روى عَن السرى فى حِكَايَة الرجل الذى لقِيه بِبَعْض الْجبَال يبرىء الزمنى والعميان والمرضى
وكما حكى عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه قَالَ لصبى مقْعد مفلوج أعمى مجذوم قُم بِإِذن الله فَقَامَ لَا عاهة بِهِ
االثامن طَاعَة الْحَيَوَانَات لَهُم كَمَا فى حِكَايَة الْأسد مَعَ أَبى سعيد بن أَبى الْخَيْر الميهنى وَقَبله إِبْرَاهِيم الْخَواص بل وَطَاعَة الجمادات كَمَا فى حِكَايَة سُلْطَان الْعلمَاء شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام وَقَوله فى وَاقعَة الفرنج يَا ريح خُذِيهِمْ فَأَخَذتهم
التَّاسِع طى الزَّمَان
الْعَاشِر نشر الزَّمَان وفى تَقْرِير هذَيْن الْقسمَيْنِ عسر على الأفهام وتسليمه لأَهله أولى بذى الْإِيمَان والحكايات فيهمَا كَثِيرَة
الحادى عشر استجابة الدُّعَاء وَهُوَ كثير جدا وشاهدناه من جمَاعَة
الثانى عشر إمْسَاك اللِّسَان عَن الْكَلَام وانطلاقه
الثَّالِث عشر جذب بعض الْقُلُوب فى مجْلِس كَانَت فِيهِ فى غَايَة النفرة
الرَّابِع عشر الْإِخْبَار بِبَعْض المغيبات والكشف وَهُوَ دَرَجَات تخرج عَن حد الْحصْر
الْخَامِس عشر الصَّبْر على عدم الطَّعَام وَالشرَاب الْمدَّة الطَّوِيلَة
السَّادِس عشر مقَام التصريف فقد حكى عَن جمَاعَة مِنْهُ الشئ الْكثير
وَذكر أَن بَعضهم كَانَ يَبِيع الْمَطَر وَكَانَ من الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الشاطر يَبِيع الأشغال بِالدَّرَاهِمِ وَكَثُرت الحكايات عَنهُ فى هَذَا الْبَاب بِحَيْثُ لم يبْق للذهن مساع فى إنكارها
السَّابِع عشر الْقُدْرَة على تنَاول الْكثير من الْغذَاء
الثَّامِن عشر الْحِفْظ عَن أكل الْحَرَام كَمَا حكى عَن الْحَارِث المحاسبى أَنه كَانَ يرْتَفع إِلَى أَنفه زفورة من المأكل الْحَرَام فَلَا يَأْكُلهُ وَقيل كَانَ يَتَحَرَّك لَهُ عرق وَحكى نَظِيره عَن الشَّيْخ أَبى الْعَبَّاس المرسى وَقيل إِن بعض النَّاس امتحنه وأحضر لَهُ مأكلا حَرَامًا فبمجرد مَا وَضعه بَين يَدَيْهِ قَالَ إِن كَانَ المحاسبى يَتَحَرَّك مِنْهُ عرق فَأَنا يَتَحَرَّك منى عِنْد حُضُور الْحَرَام سَبْعُونَ عرقا ونهض من سَاعَته وَانْصَرف
التَّاسِع عشر رُؤْيَة الْمَكَان الْبعيد من وَرَاء الْحجب كَمَا قيل إِن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشيرازى كَانَ يُشَاهد الْكَعْبَة وَهُوَ بِبَغْدَاد
الْعشْرُونَ الهيبة الَّتِى لبَعْضهِم بِحَيْثُ مَاتَ من شَاهده بِمُجَرَّد رُؤْيَته كصاحب أَبى يزِيد البسطامى الذى قدمنَا حكايته أَو بِحَيْثُ أفحم بَين يَدَيْهِ أَو اعْترف بِمَا لَعَلَّه كتمه عَنهُ أَو غير ذَلِك وَهُوَ كثير
الحادى وَالْعشْرُونَ كِفَايَة الله إيَّاهُم شَرّ من يُرِيد بهم سوءا وانقلابه خيرا كَمَا اتّفق للشافعى رضى الله عَنهُ مَعَ هَارُون الرشيد رحمه الله
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ التطور بأطوار مُخْتَلفَة وَهَذَا الذى تسميه الصُّوفِيَّة بعالم الْمثل ويثبتون عَالما متوسطا بَين عالمى الْأَجْسَام والأرواح سموهُ عَالم الْمِثَال وَقَالُوا هُوَ ألطف
من عَالم الْأَجْسَام وأكثف من عَالم الْأَرْوَاح وبنوا عَلَيْهِ تجسد الْأَرْوَاح وظهورها فى صور مُخْتَلفَة من عَالم الْمِثَال واستأنسوا لَهُ بقوله تَعَالَى {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَمِنْه مَا حكى عَن قضيب البان الموصلى وَكَانَ من الأبدال أَنه اتهمه بعض من لم يره يصلى بترك الصَّلَاة وشدد النكير عَلَيْهِ فتمثل لَهُ على الْفَوْر فى صور مُخْتَلفَة وَقَالَ فى أى هَذِه الصُّور رأيتنى مَا أصلى وَلَهُم من هَذَا النَّوْع حكايات كَثِيرَة
وَمِمَّا // اتّفق // لبَعض الْمُتَأَخِّرين أَنه وجد فَقِيرا شَيخا كَبِيرا يتَوَضَّأ بِالْقَاهِرَةِ فى الْمدرسَة الشرفية من غير تَرْتِيب فَقَالَ لَهُ يَا شيخ تتوضأ بِلَا تَرْتِيب فَقَالَ لَهُ مَا تَوَضَّأت إِلَّا مُرَتبا وَلَكِن أَنْت مَا تبصر لَو أَبْصرت لأبصرت هَكَذَا وَأخذ بِيَدِهِ وَأرَاهُ الْكَعْبَة ثمَّ مر بِهِ إِلَى مَكَّة فَوجدَ نَفسه فى مَكَّة وَأقَام بهَا سِنِين فى حِكَايَة يطول شرحها
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إطلاع الله إيَّاهُم على ذخائر الأَرْض كَمَا قدمْنَاهُ فى حِكَايَة أَبى تُرَاب لما ضرب بِرجلِهِ الأَرْض فَإِذا عين مَاء زلال
وَعَن بَعضهم أَنه عَطش أَيْضا فى طَرِيق الْحَج فَلم يجد مَاء عِنْد أحد فَوجدَ فَقِيرا قد ركز عكازه فى مَوضِع وَالْمَاء يَنْبع من تَحت عكازه فَمَلَأ قربته وَدلّ الحجيج عَلَيْهِ فَجَاءُوا فملأوا أوانيهم من ذَلِك المَاء
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ مَا سهل لكثير من الْعلمَاء من التصانيف فى الزَّمن الْيَسِير بِحَيْثُ وزع زمَان تصنيفهم على زمَان اشتغالهم بِالْعلمِ إِلَى أَن مَاتُوا فَوجدَ لَا يفى بِهِ نسخا فضلا عَن التصنيف وَهَذَا قسم من نشر الزَّمَان الذى قدمْنَاهُ فقد اتّفق النقلَة على أَن عمر الشافعى رحمه الله لَا يفى بِعشر مَا أبرزه من التصانيف مَعَ مَا يثبت عَنهُ من تِلَاوَة الْقُرْآن كل يَوْم ختمة بالتدبر وفى رَمَضَان كل يَوْم ختمتين كَذَلِك واشتغاله بالدرس
والفتاوى وَالذكر والفكر والأمراض الَّتِى كَانَت تعتوره بِحَيْثُ لم يخل رضى الله عَنهُ من عِلّة أَو علتين أَو أَكثر وَرُبمَا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثُونَ مَرضا
وَكَذَلِكَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المعالى الجوينى رحمه الله حسب عمره وَمَا صنفه مَعَ مَا كَانَ يلقيه على الطّلبَة وَيذكر بِهِ فى مجَالِس التَّذْكِير فَوجدَ لَا يفى بِهِ
وَقَرَأَ بَعضهم ثمانى ختمات فى الْيَوْم الْوَاحِد وأمثال هَذَا كثير
وَهَذَا الإِمَام الربانى الشَّيْخ محيى الدّين النووى رحمه الله وزع عمره على تصانيفه فَوجدَ أَنه لَو كَانَ ينسخها فَقَط لما كفاها ذَلِك الْعُمر فضلا عَن كَونه يصنفها فضلا عَمَّا كَانَ يضمه إِلَيْهَا من أَنْوَاع الْعِبَادَات وَغَيرهَا
وَهَذَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله إِذا حسب مَا كتبه من التصانيف مَعَ مَا كَانَ يواظبه من الْعِبَادَات ويمليه من الْفَوَائِد ويذكره فى الدُّرُوس من الْعُلُوم ويكتبه على الْفَتَاوَى ويتلوه من الْقُرْآن ويشتغل بِهِ من المحاكمات عرف أَن عمره قطعا لَا يفى بِثلث ذَلِك فسبحان من يُبَارك لَهُم ويطوى لَهُم وينشر
الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عدم تَأْثِير السمومات وأنواع الْمُتْلفَات فيهم كَمَا اتّفق ذَلِك للشَّيْخ الذى قَالَ لَهُ بعض الْمُلُوك إِمَّا أَن تظهر لى آيَة وَإِلَّا قتلت الْفُقَرَاء وَكَانَ بِقُرْبِهِ بعر جمال فَقَالَ انْظُر فَإِذا هى ذهب وَعِنْده كوز لَيْسَ فِيهِ مَاء فَأَخذه وَرمى بِهِ فى الْهَوَاء فَأَخذه ورده ممتلئا مَاء وَهُوَ منكس لم يخرج مِنْهُ قَطْرَة فَقَالَ الْملك هَذَا سحر وأوقد نَارا عَظِيمَة ثمَّ أَمرهم بِالسَّمَاعِ فَلَمَّا دَار فيهم الوجد دخل الشَّيْخ والفقراء فى النَّار ثمَّ خرج فخطف ابْنا صَغِيرا للْملك فَدخل بِهِ وَغَابَ سَاعَة بِحَيْثُ كَاد الْملك يَحْتَرِق على وَلَده ثمَّ خرج بِهِ وفى إِحْدَى يدى الصبى تفاحة وفى الْأُخْرَى رمانة فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَيْن كنت قَالَ فى بُسْتَان فَقَالَ جلساء الْملك هَذَا صَنْعَة لَا حَقِيقَة لَهُ فَقَالَ لَهُ الْملك إِن شربت هَذَا الْقدح من السم صدقتك فشربه وتمزقت ثِيَابه عَلَيْهِ ثمَّ ألقوا عَلَيْهِ غَيرهَا فتمزقت ثمَّ هَكَذَا