الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْمُشَاهدَة دوَام تجلى الذَّات والتجلى قد يكون مَعَه مُشَاهدَة وَهُوَ مَا إِذا دَامَ وَقد لَا يكون انْتهى
وَأَقُول إِذا تَبرأ الْقَوْم من تَفْسِير التجلى بِمَا لَا يُمكن وَلَا يجوز وصف الرب تَعَالَى بِهِ فَلَا لوم عَلَيْهِم بعد ذَلِك غير أَنهم مصرحون بِأَنَّهُ غير الْعلم والعرفان
حِكَايَة ثَانِيَة يبْحَث فِيهَا عَن الكرامات
قَالَ أَبُو على الروذبارى سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الرقى يَقُول كُنَّا مَعَ أَبى تُرَاب النخشبى فى طَرِيق مَكَّة فَعدل عَن الطَّرِيق إِلَى نَاحيَة فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه أَنا عطشان فَضرب بِرجلِهِ فَإِذا عين من مَاء زلال فَقَالَ الْفَتى أحب أَن أشربه فى قدح فَضرب بِيَدِهِ الأَرْض فَنَاوَلَهُ قدحا من زجاج أَبيض كأحسن مَا رَأَيْت فَشرب وسقانى وَمَا زَالَ الْقدح مَعنا إِلَى مَكَّة
فَقَالَ لى أَبُو تُرَاب يَوْمًا مَا يَقُول أَصْحَابك فى هَذِه الْأُمُور الَّتِى يكرم الله بهَا عباده فَقلت مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا وَهُوَ مُؤمن بهَا فَقَالَ من لايؤمن بهَا فَلَقَد كفر إِنَّمَا سَأَلتك من طَرِيق الْأَحْوَال فَقلت مَا أعرف لَهُم قولا فِيهِ فَقَالَ بلَى قد زعم أَصْحَابك أَنَّهَا خدع من الْحق وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا الخدع فى حَال السّكُون إِلَيْهَا فَأَما من لم يقترح ذَلِك فَتلك مرتبَة الربانيين
قلت قد اشْتَمَل كَلَام أَبى تُرَاب هَذَا على فصلين مهمين
أَحدهمَا أَن الكرامات والمكاشفات لسيت خدعا إِلَّا لمن يقف عِنْدهَا ويجعلها شوقه ومقصوده وَلَا شكّ فى هَذَا وَقد بَالغ قوم فى تعظيمها بِحَيْثُ سلبوا بهَا الْمَوَاهِب وَبَالغ آخَرُونَ فى امتهانها بِحَيْثُ لم يعدوها شَيْئا وَالْحق مَا ذكره تُرَاب أَبُو أَيُّوب من أَن السّكُون إِلَيْهَا نقص فَمن الْوَاضِح الجلى الذى لَا يُنكره عَارِف أَن الْعَارِف لَا يقف عِنْدهَا وَإِنَّمَا مَطْلُوبه وَرَاءَهَا وهى تقع فى طَرِيقه وَلَيْسَ للْوَاقِع فِي الطَّرِيق من الطَّرِيق
صفة وَمن وقف عِنْدهَا سقط فى مهاوى الهلكات وَمن كَانَت هى مَطْلُوبه فَهُوَ مغرور وَيبعد وُصُوله إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يصل إِلَيْهَا من لَا يَرَاهَا فَافْهَم مَا يلقى إِلَيْك
فَإِن قلت فلأى معنى يظهرها مظهروها وهى على مَا تزْعم أَشْيَاء لَا يلقون إِلَيْهَا بَالا
قلت ظُهُورهَا يَقع على أنحاء رُبمَا لم يكن بِاخْتِيَار صَاحبهَا وَهُوَ كثير بل صَار بعض الْأَئِمَّة كَمَا نقل إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى الشَّامِل إِلَى أَن الكرامات لَا تكون أبدا إِلَّا على هَذَا الْوَجْه فعلى هَذَا الْوَجْه لَا سُؤال وَلَكِن هَذَا مَذْهَب ضَعِيف غير مرضى عِنْد المحصلين وَلَا سُؤال عَلَيْهِ وَرُبمَا كَانَ هُوَ الْمظهر بهَا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لفائدة دينية من تربية أَو بِشَارَة أَو نذارة أَو غير ذَلِك حَيْثُ يُؤذن فِيهِ وَلَا يجوز إظهارها حَيْثُ لَا فَائِدَة فَذَلِك عِنْد الْقَوْم غير جَائِز لَهُ
والفصل الثانى أَن الكرامات حق وَقَول أَبى تُرَاب من لَا يُؤمن بهَا فقد كفر بَالغ فى الْحَط من منكريها وَقد تؤول لَفْظَة الْكفْر فى كَلَامه وَتحمل على أَنه لم يعن الْكفْر الْمخْرج من الْملَّة وَلكنه كفر دون كفر
وإنى لأعجب أَشد الْعجب من منكرها وأخشى عَلَيْهِ مقت الله ويزداد تعجبى عِنْد نِسْبَة إنكارها إِلَى الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى وَهُوَ من أساطين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن نِسْبَة إنكارها إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق كذب عَلَيْهِ والذى ذكره الرجل فى مصنفاته أَن الكرامات لَا تبلغ مبلغ خرق الْعَادة
قَالَ وكل مَا جَازَ تَقْدِيره معْجزَة لنبى لَا يجوز ظُهُور مثله كَرَامَة لولى
قَالَ وَإِنَّمَا بَالغ الكرامات إِجَابَة دَعْوَة أَو موافاة مَاء فى بادية فى غير موقع الْمِيَاه أَو مضاهى ذَلِك مِمَّا ينحط عَن خرق الْعَادة ثمَّ مَعَ هَذَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره من أَئِمَّتنَا هَذَا الْمَذْهَب مَتْرُوك
قلت وَلَيْسَ بَالغا فى البشاعة مبلغ مَذْهَب المنكرين للكرامات مُطلقًا بل هُوَ مَذْهَب مفصل بَين كَرَامَة وكرامة رأى أَن ذَلِك التَّفْصِيل هُوَ الْمُمَيز لَهَا من المعجزات