الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن كَلِمَات الْحَارِث والفوائد عَنهُ
أصل الطَّاعَة الْوَرع وأصل الْوَرع التَّقْوَى وأصل التَّقْوَى محاسبة النَّفس وأصل محاسبة النَّفس الْخَوْف والرجاء وأصل الْخَوْف والرجاء معرفَة الْوَعْد والوعيد وأصل معرفَة الْوَعْد والوعيد دَاء عَظِيم الْجَزَاء وأصل ذَلِك الفكرة وَالْعبْرَة وأصدق بَيت قالته الْعَرَب قَول حسان بن ثَابت الأنصارى رضى الله عَنهُ
(وَمَا حملت من نَاقَة فَوق كورها
…
أعز وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد)
قلت وَهَذَا حق وَنَظِير هَذَا الْبَيْت فى الصدْق قَول حسان أَيْضا
(وَمَا فقد الماضون مثل مُحَمَّد
…
وَلَا مثله حَتَّى الْقِيَامَة يفقد)
وَقَوله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قَالَهَا لبيد
(أَلا كل شىء مَا خلا الله بَاطِل
…
)
ذَاك أصدق كَلِمَات لبيد نَفسه فَلَا ينافى هَذَا
وَقَالَ الْحَارِث الْعلم يُورث المخافة والزهد يُورث الرَّاحَة والمعرفة تورث الْإِنَابَة وَخيَار هَذِه الْأمة الَّذين لَا تشغلهم آخرتهم عَن دنياهم وَلَا دنياهم عَن آخرتهم وَمن حسنت مُعَامَلَته فى ظَاهره مَعَ جهد بَاطِنه وَرثهُ الله الْهِدَايَة إِلَيْهِ لقَوْله عز وجل {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ}
وَقَالَ حسن الْخلق احْتِمَال الْأَذَى وَقلة الْغَضَب وَبسط الرَّحْمَة وَطيب الْكَلَام وَلكُل شىء جَوْهَر وجوهر الْإِنْسَان الْعقل وجوهر الْعقل الصَّبْر وَالْعَمَل بحركات الْقُلُوب فى مطالعات الغيوب أشرف من الْعَمَل بحركات الْجَوَارِح
وَقَالَ إِذا أَنْت لم تسمع نِدَاء الله فَكيف تجيب دَعَاهُ وَمن اسْتغنى بشىء دون الله جهل قدر الله والظالم نادم وَإِن مدحه النَّاس والمظلوم سَالم وَإِن ذمه النَّاس والقانع غنى وَإِن جَاع والحريص فَقير وَإِن ملك وَمن لم يشْكر الله تَعَالَى على النِّعْمَة فقد استدعى زَوَالهَا
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى تَعْرِيف الْعقل وَمَا حوم عَلَيْهِ أحد من عُلَمَائِنَا غير الْحَارِث المحاسبى فَإِنَّهُ قَالَ الْعقل غريزة يَتَأَتَّى بهَا دَرك الْعُلُوم وَلَيْسَت مِنْهَا انْتهى
وَقد ارتضى الإِمَام كَلَام الْحَارِث هَذَا كَمَا ترى وَقَالَ عَقِيبه إِنَّه صفة إِذا ثبتَتْ يَتَأَتَّى بهَا التَّوَصُّل إِلَى الْعُلُوم النظرية ومقدماتها من الضروريات الَّتِى هى من مُسْتَند النظريات انْتهى
وَهُوَ مِنْهُ بِنَاء على أَن الْعقل لَيْسَ بِعلم والمعزو إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى أَنه الْعلم
وَقَالَ القاضى أَبُو بكر إِنَّه بعض الْعُلُوم الضرورية
وَالْإِمَام حكى فى الشَّامِل مقَالَة الْحَارِث هَذِه الَّتِى استحسنها هُنَا وَقَالَ إِنَّا لَا نرضاها ونتهم فِيهَا النقلَة عَنهُ
ثمَّ قَالَ وَلَو صَحَّ النَّقْل عَنهُ فَمَعْنَاه أَن الْعقل لَيْسَ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَهُوَ إِذا أطلق الْمعرفَة أَرَادَ بهَا معرفَة الله فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعقل بِنَفسِهِ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَلكنه غريزة وعنى بالغريزة أَنه عَالم لأمر جبل الله عَلَيْهِ الْعَاقِل ويتوصل بِهِ إِلَى معرفَة الله انْتهى كَلَامه فى الشَّامِل
وَالْمَنْقُول عَن الْحَارِث ثَابت عَنهُ وَقد نَص عَلَيْهِ فى كتاب الرِّعَايَة وَكَأن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نظر كَلَام الْحَارِث بعد ذَلِك ثمَّ لَا حت لَهُ صِحَّته بَعْدَمَا كَانَ لَا يرضاه
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ فى ارتضاء مَذْهَب الْحَارِث واعتقاده مَا ينْتَقد وَلَا يلْزمه قَول بالطبائع وَلَا شىء من مقالات الفلاسفة كَمَا ظَنّه بعض شرَّاح كتاب الْبُرْهَان وَقد قَررنَا هَذَا