الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمُ التقاءِ الساكنينِ:
الساكنان: إما أن يلتقيا في كلمة واحدة أو في كلمتين:
فإذا التقيا في كلمة واحدة، فإما أن يكون ذلك في حالة الوقف فقط، أو في حالتي الوصل والوقف:
فالتقاؤهما في حالة الوقف يكون على حدهما، وهذا جائز، سواء كان الساكن الأول منهما حرف مد، أو حرف لين، أو ساكنًا صحيحًا.
فمثال حرف المد قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ} 1، وقوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.
ومثال حرف اللين قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} 4، وقوله:{وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} 5.
ومثال الساكن الصحيح قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} 6، وقوله:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا} 7، وقوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} 8.
فيجوز الوقف على أي كلمة من الكلمات السابقة التي اجتمع فيها الساكنان على حدهما، أما إذا وُصلت الكلمة الموقوف عليها بما بعدها فيحرَّك الساكن الثاني بحركته الأصلية؛ لأنه ساكن عارض جاء لأجل الوقف.
وأما التقاؤهما في حالتي الوصل والوقف فيكون على غير حدهما سواء كان ذلك
1 سورة الانفطار: 13.
2 سورة البقرة: 5.
3 سورة الفاتحة: 2.
4 سورة قريش: 3.
5 سورة قريش: 4.
6 سورة آل عمران: 152.
7 سورة البينة: 8.
8 سورة الإسراء: 99.
في كلمة واحدة أو في كلمتين.
ففي الكلمة الواحدة يلتقيان وصلاً ووقفًا في مثل قوله تعالى: {الصَّاخَّةُ} 1، وقوله:{أَتُحَاجُّونِّي} 2، وقوله:{آلآنَ} موضعي يونس3، وقوله:{الم} 4، وما شابه ذلك ولا بد فيه حينئذٍ من التخلص من التقاء الساكنين وذلك يكون بالمد الطويل -ست حركات- لأنه حرف مد جاء بعده ساكن لازم وصلا ووقفًا، وهذا هو المد اللازم.
وأما في الكلمتين فيلتقيان في حالة الوصل فقط، ولا بد حينئذٍ من التخلص منهما -كما تقرره قواعد اللغة العربية- وذلك إما بحذف الساكن الأول أو بتحريكه.
فالتخلص منهما بالحذف يكون في حرف المد الذي يحذف وصلاً ويثبت وقفًا وهو نوع من أنواع المد الأصلي مثل قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 5، وقوله:{وإذْ قالُوا اللَّهُمَ} 6، وقوله:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} 7، وهذا الحذف يكون في النطق حالة الوصل فقط؛ لثبوت الحرف المحذوف رسمًا غالبًا.
وقد يحذف حرف المد وصلاً ووقفًا لحذفه رسمًا وذلك في مثل قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} بالبقرة8، فإذا وقفنا على: تُحْي، نقف بإسكان الياء التي هي عين الكلمة، لأن الياء الثانية -التي هي لام الكلمة- محذوفة رسمًا لعلة التقاء الساكنين.
وأما التخلص من الساكنين بالتحريك فالقراء يختلفون فيه تارة، ويتفقون تارة أخرى.
فيختلفون فيما إذا كان الساكن الأول آخر الكلمة، والساكن الثاني في كلمة مبدوءة بهمزة وصل مضمومة في الابتداء لضم الثالث ضمًّا لازمًا، فنافع وابن كثير وابن عامر والكسائي يحركون الساكن الأول بالضم تبعًا لضم الثالث.
1 سورة عبس: 33.
2 سورة الأنعام: 80.
3 الآيتان: 51، 91.
4 سورة البقرة: 1.
5 سورة التكوير: 1.
6 سورة الأنفال: 32.
7 سورة الذاريات: 22.
8 الآية: 260.
وأما حفص ومن معه من باقي القراء السبعة فيحركون الساكن الأول بالكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، والساكن الأول هو أحد حروف "لتنود" والتنوين1.
فمثال اللام قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} بالإسراء2، فاللام من "قُلْ" ساكنة، والتَقَتْ بالدال من "ادْعُوا" وهي ساكنة أيضًا فحركت اللام بالكسر؛ للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثال التاء قوله تعالى: {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} بيوسف3، وليس غيره في القرآن فتاء التأنيث في "وَقَالَتْ" ساكنة، والتقت بالخاء من "اخْرُجْ" وهي ساكنة أيضًا فحركت التاء بالكسر؛ للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثال النون قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} بالنساء4، فالنون من "أَنْ" ساكنة، والتقت بالقاف -وهي ساكنة أيضًا- فحركت النون بالكسر؛ للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثال الواو يأتي في ثلاثة مواضع لا رابع لهم:
1-
قوله تعالى: {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} بالنساء5.
2-
قوله تعالى: {أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} بالإسراء6.
3-
قوله تعالى: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} بالمزمل7.
فالواو من "أو" ساكنة التَقَتْ بكلٍّ من الخاء والدال والنون وكلها ساكنة، فحركت الواو بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثال الدال قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} بالأنعام8، والرعد9، والأنبياء10، فالدال من "قَدِ" ساكنة التقت بالسين
1 انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص153، وشرح ابن الفاصح على الشاطبية، ص206.
2 الآية: 110.
3 الآية: 31.
4 الآية: 66.
5 الآية: 66.
6 الآية: 110.
7 الآية: 3.
8 الآية: 10.
9 الآية: 32.
10 الآية: 41.
وهي ساكنة أيضًا فحركت بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين.
ومثال التنوين قوله تعالى: {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، انظُرْ} بالنساء1، وقوله:{بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} بالأعراف2، فالتنوين هو عبارة عن نون ساكنة زائدة التقت مع النون والدال الساكنتين فحركت بالكسر؛ للتخلص من التقاء الساكنين.
ويتفق القراء فيما خالف الشروط المذكورة وذلك مثل قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} بالإسراء3، وقوله:{أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} بـ"ص"4، وقوله:{فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} بالملك5، وقوله:{فَلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} بالطارق6.
فجميع القراء متفقون على تحريك الساكن الأول بالكسر في هذه الأمثلة وما ماثلها.
فتلخص لنا أن حفصًا يقرأ كل ما ذكر وأمثاله بتحرك الساكن الأول بالكسر وذلك على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.
وقد يخرج عن هذا الأصل في بعض المواضع، فيحرك الساكن الأول بالفتح أو الضم أما التحريك بالفتح فيأتي في ثلاث صور:
الصورة الأولى في: "مِنْ" الجارة مثل قوله تعالى: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} بالأنبياء7، فمن، حرف جر مبني على السكون، ولكنه حُرك بالفتح؛ للتخلص من التقاء الساكنين دون الكسر؛ لما في الانتقال من الكسر إلى الفتح من الثقل.
الصورة الثانية في: "تاء التأنيث" إذا أضيفت إلى التثنية مثل قوله تعالى:
1 الآيتان: 49، 50.
2 الآية: 49.
3 الآية: 85.
4 الآية: 6.
5 الآية: 3.
6 الآية: 5.
7 الآية: 56.
{كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} بالتحريم1، فتاء التأنيث حرف مبني على السكون، وألف التثنية ساكنة أيضًا فحركت التاء بالفتح؛ لأن الألف لا يناسبها إلا فتح ما قبلها.
الصورة الثالثة في: {الم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أول آل عمران، فالميم حرف هجاء مبني على السكون التَقَت باللام من لفظ الجلالة وهي ساكنة بعد حذف همزة الوصل، فحركت الميم دون الكسر؛ محافظة على تفخيم لفظ الجلالة، وأما التحريك بالضم فيأتي في صورتين:
الصورة الأولى في: "واو اللِّين" التي للجمع مثل قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بالبقرة2، ومثل قوله:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} بالنساء3، فواو اللين في المثالين حرف ساكن مفتوح ما قبله، ولكنه حرِّك بالضم؛ للتخلص من التقاء الساكنين.
وأما الصورة الثانية ففي: "ميم الجمع" وذلك في مثل قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} بالنحل4، وقوله:{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} بالإسراء5 فميم الجمع حرف مبني على السكون التقت بلام التعريف الساكنة بعد حذف همزة الوصل فحركت الميم بالضم للتخلص من التقاء الساكنين؛ لأنه أصل حركتها6.
1 الآية: 10.
2 الآية: 94.
3 الآية: 42.
4 الآية: 12.
5 الآية: 6.
6 انظر: "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر"، ص124.
نموذج من الأسئلة:
1-
بَيِّنْ حكم التقاء الساكنين في كلمة واحدة حالة الوقف، وما الحروف التي يأتي فيها الساكن الأول حينئذٍ مع التمثيل؟
2-
اذكر حكم التقاء الساكنين في كلمة واحدة وصلاً ووقفًا مع التمثيل.
3-
هل يلتقي الساكنان في كلمتين؟ بِمَ يتم التخلص منهما؟ اذكر مثالاً لكل حالة من حالاته.
4-
بِمَ يتم التخلص من الساكنين فيما تحته خط من الأمثلة الآتية، مع ذكر السبب؟
{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، {الم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، انظُرْ} ، وإذ {قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} ، {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} ، {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} ، {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ، {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} ، {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} ، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} .