الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اهتمام الأمة الإسلامية بعلم التجويد
مدخل
…
اهتمامُ الأمةِ الإسلاميةِ بعلمِ التجويدِ:
لقد اهتمت الأمة الإسلامية بعلم التجويد اهتمامًا بالغاً، فقام علماء السلف رضي الله عنهم بخدمته ورعايته سواء بالتحقيق والتأليف أو القراءة والإقْرَاء.
وبذلك ظلَّ القرآن الكريم محفوظًا في الصدور مرتلا مجودًا تحقيقًا لوعد الله سبحانه وتعالى بحفظه حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
والواقع أن من حقِّ القرآن علينا -نحن المسلمين- أن نجيد تلاوته وترتيله حتى يكون عونًا لنا على تدبره، وتفهم معانيه، ولا يَتَأَتَّى ذلك إلا بالاهتمام بدراسة علم التجويد ومعرفة أحكامه وتطبيقها: إما بالاستماع إلى قارئ مجيد، أو القراءة على شيخ حافظ متقن، ومن هنا نبدأ الكلام على علم التجويد، فنقول:
1 سورة الحجر: 9.
أقسام التجويد
مدخل
…
أقسامُ التَّجويدِ:
ينقسم التجويد إلى قسمين:
1-
تجويد عَمَلي.
2-
تجويد عِلْمي.
القسم الأول: التجويد العَمَلي أي التطبيقي
والمقصود به: تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة كما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأول من وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره مبلِّغًا عن الله عز وجل حيث كان يعلِّم أصحابه القرآن الكريم فيقرأ عليهم ويستمع لهم كما سبق.
حُكْمُهُ:
تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة أمر واجب وجوبًا عينيًّا على كل من يريد أن يقرأ شيئًا من القرآن الكريم من مسلم ومسلمة.
الدليلُ على وجوبِهِ:
والدليل على وجوب تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة، قد جاء به القرآن الكريم والسنة، وإجماع الأمة.
أما دليله من القرآن:
فقوله تعالى في سورة المزمل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [الآية: 4] وقد سبق شرح الآية عند الكلام على كيفية قراءة القرآن الكريم.
كما أثنى الله تبارك وتعالى على طائفة من خلقه شرَّفهم بحفظ كتابه، وتلاوته حق التلاوة فقال:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} 1 ومن حق التلاوة حسن الأداء وجودة القراءة، وقال الشَّوْكَاني في فتح القدير: أي يقرءونه حق قراءته ولا يحرفونه ولا يبدلونه.
ومما لا شك فيه أنه يفهم من الآية ذمُّ الذين لا يحسنون تلاوة القرآن الكريم ولا يراعون أحكام التجويد عند تلاوته.
وأما دليله من السنة: فمنها ما ثبت عن يعلى بن مَمْلَك أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلاته؟ قلت: ما لكم وصلاته؟ ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا. هذه رواية
1 سورة البقرة: 121.
النسائي، ورواه الترمذي بلفظ آخر، وقال فيه حديث حسن صحيح1.
وفي هذا الحديث دليل على أن تحسين القراءة وتجويدها هي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها ما ثبت من حديث موسى بن يزيد الكندي رضي الله عنه قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يُقْرئ رجلا فقرأ الرجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 2 مرسلة، فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الرجل: وكيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أقرأنيها هكذا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 3 ومدَّها.
وهكذا أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على الرجل أن يقرأ كلمة "الفقراء" بالقصر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه إياها بالمد، فدل ذلك على وجوب تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة وهي الموافقة لأحكام التجويد.
والواقع أن الناس كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن الكريم وإقامة حدوده فهم متعبدون أيضًا بتصحيح ألفاظه، وتجويد حروفه على الصفة الْمُتَلَقَّاة من أئمة القراءة المتصل سندهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذه الصفة لا يمكن أن تؤخذ من المصحف ولا من الكتب، وإنما تؤخذ بالتلقي عن العلماء المتخصصين في ذلك؛ لأن هناك بعض الأحكام لا يمكن إتقانها إلا بالتلقي والمشافهة مثل الرَّوْم والإشْمَام والتَّسْهِيل وغير ذلك من الأحكام الدقيقة4.
1 أخرجه النسائي في باب: تزيين القرآن بالصوت، وأخرجه الترمذي في باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر: جامع الأصول "ج: 2، ح رقم 919، ص463"
2 سورة التوبة: 60.
3 قال السيوطي في الدر المنثور "ج: 3، ص250": أخرجه سعيد بن منصور والطبراني وابن مَرْدَوَيه، وذكره ابن الجزري في النشر وقال: "هذا حديث حجة ونَصٌ في باب المدِّ. وقال: رجاله ثقات، كما قال: رواه الطبراني في معجمه.
4 من كتاب "مع القرآن الكريم"، للدكتور: شعبان محمد إسماعيل، ص332 بتصرف.
ومعرفة أحكام التجويد لها فضل كبير في مساعدة قارئ القرآن الكريم على عدم الإخلال بمباني الكلمات القرآنية ومعانيها.
وبلوغ نهاية الإتقان هو رياضة اللسان على الأداء باللفظ الصحيح الْمُتَلَقَّى عن فم المحسن المجيد للقراءة.
أما دليله من الإجماع:
فلقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب تلاوة القرآن الكريم بالتجويد من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا هذا، ولم يختلف فيه منهم أحد، فلا يجوز لأي قارئ أن يقرأ القرآن بغير تجويد، وإلا كان من الذين شملهم الوعيد الشديد في قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 1.
وإلى ضرورة العمل بالتجويد يشير الإمام ابن الجزري بقوله:
والأَخْذُ بالتجويدِ حَتْمٌ لازِمُ
…
من لم يُجَوِّدِ القُرْآنَ آثِمُ
لأنه به الإلهُ أنْزَلا
…
وهكذا منهُ إلينا وَصَلا
وهو أيضًا حِلْيةُ التِّلاوة
…
وزينةُ الأداءِ والقراءة
فقد جعله واجبًا شرعيًّا يأثم الإنسان بتركه، وبه قال أكثر العلماء والفقهاء، ذلك لأن القرآن نزل مجودًا، وقرأه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على جبريل كذلك، وأقرأه الصحابة فهو سنة نبوية2.
1 سورة النساء: 115.
2 من كتاب "قواعد التجويد"، للدكتور: عبد العزيز القاري، ص25.