الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقفُ والابتداءُ:
تمهيدٌ:
القارئ للقرآن الكريم لا يستطيع أن يقرأ السورة أو القصة منه في نفس واحد، علمًا بأنه لم يَجُزْ التَّنَفُّس بين الكلمتين حالة الوصل، ولا في أثناء الكلمة.
لهذا فقد وجب اختيار وقف للتنفس والاستراحة، وتعيَّن على القارئ أن يرتضي ابتداء بعد التنفس والاستراحة، بشرط أن لا يكون ذلك مما يُخِلُّ بالمعنى أو الفَهْم حتى يظهر إعجاز القرآن.
ومن أجل هذا كله فقد حضَّ الأئمة على تعلم الوقف والابتداء ومعرفته معرفة تامَّة1.
والأصل في هذا الباب ما رواه ابن أبي مُلَيكَةَ عن أم سلمة رضي الله عنها حين سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَطِّع قراءته يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثم يقف {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم يقف، وكان يقرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 2.
وفي رواية أخرى قالت: قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . يقطْع قراءته آية آية3.
1من كتاب "النشر""ج: 1، ص316"، بتصرف.
2 أخرجه الترمذي، رقم 2924، وقال: حديث حسن صحيح.
3 أخرجه أبو داود، رقم 1466، كما أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم. انظر:"جامع الأصول في أحاديث الرسول" بتحقيق: عبد القادر الأرناءوط "ج: 2، ص463".
ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يقرئ أصحابه على مثل ذلك ويعلمه لهم، كما أن بعض الأئمة جعل تعلم الوقف واجبًا؛ لما ثبت أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن معنى الترتيل في قوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 1 فقال: الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف2.
والواقع أن معرفة الوقوف من أهم متطلبات التجويد في القراءة، ومما يدل على ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد عشنا بُرْهَةً من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما أمره وما زاجره وما ينبغي أن يقف عند يَنْثُرُه نَثْرَ الدَّقَل3.
فقد شبه رضي الله عنه عدم عنايتهم بالقراءة -حيث يرسلونها مملوءة بالأخطاء وعدم تمام الوقوف- بنثر التمر الرديء اليابس4.
ومما تقدم يتضح لنا أن الوقف والابتداء كان محل عناية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة -رضوان الله عليهم- لما يترتب عليه من إيضاح المعاني القرآنية للمستمع. وذلك لا يتأتى إلا إذا كان قارئ القرآن على دراية واسعة ومعرفة تامة بالوقوف.
وقد أدرك المتقدمون ما للوقف والابتداء من أهمية كبرى حتى إنهم أفردوه بالتآليف.
1 سورة المزمل: 4.
2 انظر: "النشر في القراءات العشر" ص316، و"نهاية القول المفيد في علم التجويد" ص7.
3 ذكره صاحب كتاب "قواعد التجويد" ص75، كما ذكره الإمام ابن الجزري في "النشر" باختلاف يسير "ج: 1، ص316" تحقيق: محمد سالم محيسن.
4 قال ابن الجزري في النشر: ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر برهان على أن تعلُّمَه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم. انظر: النشر "ج: 1، ص316".