الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتوى رقم (1423)
س: إن جماعة من طلبة العلم يزعمون حل
ذبائح من يستغيث بغير الله ويدعو غير الله
فيما لا يقدر عليه إلا الله، إذا ذكروا عليها اسم الله، مستدلين بعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1) الآية، وقوله تعالى:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} (2) ويرون: أن من يحرم ذلك من المعتدين الذين يضلون بأهوائهم بغير علم، ويقولون: إن الله فصل لنا ما حرم علينا في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (3) الآية، وقوله:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (4) الآية، إلى أمثال ذلك من الآيات التي فصلت ما حرم من الذبائح ولم يذكر فيها تحريم شيء مما ذكر اسم الله عليه، ولو كان الذابح وثنيا أو مجوسيا، ويزعمون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يأكل من ذبائح الذين يدعون زيد بن الخطاب إذا ذكروا عليها اسم الله، فهل قولهم هذا صحيح؟ وبما تجيب عما استدلوا به إن كانوا مخطئين؟ وما هو الحق في ذلك مع الدليل؟
ج: يختلف حكم الذبائح حلا وحرمة باختلاف حال الذابحين؛ فإن كان الذابح مسلما ولم يعلم عنه أنه أتى بما ينقض
(1) سورة الأنعام الآية 118
(2)
سورة الأنعام الآية 119
(3)
سورة المائدة الآية 3
(4)
سورة البقرة الآية 173
أصل إسلامه وذكر اسم الله على ذبيحته أو لم يعلم أذكر اسم الله عليها أم لا - فذبيحته حلال بإجماع المسلمين، ولعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (1){وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (2) الآية وإن كان الذابح كتابيا يهوديا أو نصرانيا وذكر اسم الله على ذبيحته فهي حلال بالإجماع، لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) وإن لم يذكر اسم الله ولا اسم غيره ففي حل ذبيحته خلاف، فمن أحلها استدل بعموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (4) ومن حرمها استدل بعموم أدلة وجوب التسمية على الذبيحة والصيد، وبالنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه في قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (5) الآية وهذا هو الظاهر، وإن ذكر الكتابي اسم غير الله عليها كأن يقول:(باسم العزير) أو (باسم المسيح) أو (الصليب) ، لم يحل الأكل منها؛ لدخولها في
(1) سورة الأنعام الآية 118
(2)
سورة الأنعام الآية 119
(3)
سورة المائدة الآية 5
(4)
سورة المائدة الآية 5
(5)
سورة الأنعام الآية 121
عموم قوله تعالى في آية ما حرم من الطعام: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) إذ هي مخصصة لعموم قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2)
وإن كان الذابح مجوسيا لم تؤكل، سواء ذكر اسم الله عليها أم لا، بلا خلاف فيما نعلم، إلا ما نقل عن أبي ثور من إباحته صيده وذبيحته؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب (3) » ولأنهم يقرون على دينهم بالجزية كأهل الكتاب فيباح صيدهم، وذبائحهم، وقد أنكر عليه العلماء ذلك، واعتبروه خلافا لإجماع من سبقه من السلف، قال ابن قدامة في (المغني) :
قال إبراهيم الحربي: خرق أبو ثور الإجماع، قال أحمد: هاهنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا، ما أعجب هذا؟ يعرض بأبي ثور. وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم: ابن مسعود وابن
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة المائدة الآية 5
(3)
رواه من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: / 50 مالك في (الموطأ) 1 / 278، والشافعي 2 / 130 بترتيب السندي، وعبد الرزاق 6 / 69، 10 / 325 برقم (10025، 19253) ، وابن أبي شيبة 3 / 224، 12 / 243، والبيهقي 9 / 189 - 190.
عباس وعلي وجابر وأبو بردة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والزهري ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. قال أحمد: ولا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة، ولأن الله تعالى قال:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) فمفهومه: تحريم طعام غيرهم من الكفار، ولأنهم لا كتاب لهم فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان. . ثم قال: وإنما أخذت منهم الجزية؛ لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم، فلما غلبت، في التحريم لدمائهم فيحب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء؛ احتياطا للتحريم في الموضعين، ولأنه إجماع، فإنه قول من سمينا، ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد، روي عنه خلافها. (2) انتهى من (المغني) .
وإن كان الذابح من المشركين عباد الأوثان ومن في حكمهم ممن سوى المجوس وأهل الكتاب - فقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائحهم، سواء ذكروا اسم الله عليها أم لا، ودل قوله تعالى:
(1) سورة المائدة الآية 5
(2)
(المغني) 13 / 296، 297 بتحقيق د. عبد الله التركي.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) بمفهومه على تحريم ذبائح غيرهم من الكفار، وإلا لما كان لتخصيصهم بالذكر في سياق الحكم بالحل فائدة.
وكذا من انتسب إلى الإسلام وهو يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويستغيث بغير الله، فذبائحهم كذبائح الكفار الوثنين والزنادقة، فلا تحل ذبائحهم كما لا تحل ذبائح أولئك الكفار لشركهم وارتدادهم عن الإسلام، وعلى هذا فالإجماع على تحريم ذبائحهم ودلالة مفهوم الآية على ذلك كلاهما مخصص لعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (2) وقوله: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (3) الآية فلا يصح الاستدلال بهاتين الآيتين وما في معناهما على حل ذبائح عباد الأوثان، ومن في حكمهم ممن ارتد عن الإسلام بإصراره على استغاثته بغير الله ودعائه إياه من الأموات ونحوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله بعد البيان له وإقامة الدليل عليه بأن ذلك شرك
(1) سورة المائدة الآية 5
(2)
سورة الأنعام الآية 118
(3)
سورة الأنعام الآية 119
كشرك الجاهلية الأولى، كما أنه لا يصح الاعتماد في حل ذبائح من استغاث بغير الله من الأموات ونحوهم، واستنجد بغيره فيما هو من اختصاص الله إذا ذكر اسم الله عليها بعدم ذكر ذبائحهم صراحة في آية:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (1) وما في معناها من الآيات التي ذكر الله فيها ما حرم على عباده من الأطعمة، فإن ذبائح هؤلاء وإن لم تذكر صراحة في نصوص الأطعمة المحرمة فهي داخلة في عموم الميتة لارتدادهم عن الإسلام من أجل ارتكابهم ما ينقض أصل إيمانهم وإصرارهم على ذلك بعد البيان.
ومن زعم أن إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان يأكل من ذبائح أهل مكة وهم يدعون زيد بن الخطاب فزعمه خرص وتخمين، ومجرد دعوى، لا يشهد لها نقل عنه رحمه الله، بل هي مخالفة لما تشهد به كتبه ومؤلفاته من الحكم على من يدعو غير الله من ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد لله صالح فيما لا يقدر عليه إلا الله - بأنه مشرك مرتد عن الإسلام، بل شركه أشد من شرك أهل الجاهلية، فالحكم فيه وفي ذبائحه كالحكم فيهم
(1) سورة البقرة الآية 173