المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

2508 -

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أربع كلهن فاسق. يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور". قال عبيد الله: فقلت للقاسم: أفرأيت الحية؟ قال: تقتل بصغر لها.

2509 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا".

2510 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب، والفأرة، والحديا، والغراب، والكلب العقور".

2511 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والغراب، والحديا، والكلب العقور".

2512 -

وعن الزهري بهذا الإسناد، قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم. ثم ذكر بمثل حديث يزيد بن زريع.

2513 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس من الدواب كلها فواسق. تقتل في الحرم: الغراب، والحدأة، والكلب العقور، والعقرب، والفأرة".

2514 -

عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "خمس لا جناح على من

ص: 138

قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة، والعقرب، والغراب والحدأة، والكلب العقور". وقال ابن أبي عمر في روايته "في الحرم والإحرام".

2515 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قالت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس من الدواب كلها فاسق لا حرج على من قتلهن: العقرب، والغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور".

2516 -

عن زيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عمر: ما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال: أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر -أو أمر- أن يقتل الفأرة، والعقرب، والحدأة، والكلب العقور، والغراب.

2517 -

عن زيد بن جبير قال سأل رجل ابن عمر: ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ قال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والحية. قال: وفي الصلاة أيضاً.

2518 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

2519 -

عن ابن جريج قال: قلت لنافع: ماذا سمعت ابن عمر يحل للحرام قتله من الدواب؟ فقال لي نافع: قال عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن، في قتلهن: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

ص: 139

2520 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم" فذكر بمثله.

2521 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس، من قتلهن وهو حرام فلا جناح عليه فيهن: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحديا".

-[المعنى العام]-

إن الأمن والأمان الذي أراده الله لمخلوقاته في الحرم والإحرام أمن وأمان على الإنسان، وأمن وأمان من الإنسان، وفي الباب السابق بسطنا التشريع الحكيم في تأمين الإنسان غيره، أمنت الشريعة السمحة الحيوان والطير، حتى الحيوان البري المتوحش، أمنته من الإنسان المحرم، كما أمنته في الحرم على اختلاف الأزمنة وفي هذه الأحاديث يأتي دور تأمين الإنسان حلالاً أو محرماً من بعض مخلوقات الله التي أراد لها أن تؤذي الإنسان، أو أن تفسد له أمتعته، أو أن تنغص عليه حياته، كما حجبت الشريعة السمحة أذاه عن غيره مكنته من الدفاع عن نفسه وصد الأذى مما يهدده بالأذى. تناسق وموازنة، وحكمة وعدالة، فكما يحرم على المحرم صيد البر وأكل لحمه إذا صيد له، يحل له بل يستحب أن يقتل ما يهدده بأذى اللسع، كالعقرب والحية والثعبان والأفعى والزنبور، حتى البعوض والذباب، وأن يقتل ما يهدده بخطف طعامه وأمتعته كالحدأة والغراب والصقر وأن يقتل ما يهدده بإفساد البيت والفراش وتخريب الثياب وقرض الأمتعة، كالفيران وأم عرس، وأن يقتل ما يهدد حياته بالعض أو الافتراس كالكلب العقور والذئب والسبع والنمر والفهد وإذا جاز للمحرم أن يؤمن نفسه، وأن يقتل ما يؤذيه، وهو صورة المسالمة وصورة السلامة جاز لغير المحرم أن يؤمن نفسه من هذه الأشياء من باب أولى.

من هنا قال صلى الله عليه وسلم: خمس من الدواب كلهن فاسق [خارج عن طبيعة المسالمة] يقتلن في الحل والحرم [في الأماكن الحلال وفي الحرم المكي الذي نزل فيه: {ومن دخله كان آمناً} [آل عمران: 97]. وفي الوقت الحلال وفي الأشهر الحرم ومن المسلم الحلال ومن المحرم بحج أو عمرة] لا حرج على من قتلهن في أي وقت وفي أي مكان، الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور.

ص: 140

-[المباحث العربية]-

(أربع) وكذا "خمس" مبتدأ، سوغ الابتداء به ملاحظة الوصف "من الدواب" الوارد في الرواية السادسة.

(كلهن فاسق) مبتدأ وخبر، والجملة خبر "أربع" وفي الرواية السادسة "كلها فاسق" قال النووي: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى:{ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50]. أي خرج، وسمي الرجل فاسقاً لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص. وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله وقيل في حل أكله، لقوله تعالى:{أو فسقاً أهل لغير الله به} [الأنعام: 145]. وقوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} [الأنعام: 121]. وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى فيما يلحق بها من الدواب، وسيأتي توضيحه في فقه الحديث.

(خمس فواسق) هذا لفظ الرواية الثانية والثالثة والرابعة. قال النووي: هو بإضافة "خمس" لا يتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين.

قال الحافظ ابن حجر: التقييد بالخمس، وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض الطرق [روايتنا الأولى] بلفظ "أربع" فأسقط العقرب، وفي بعض الطرق "ست" فأثبت العقرب، وزاد الحية، وإن كانت خالية عن لفظ العدد [وهي روايتنا العاشرة] وأغرب عياض فقال: في بعض الطرق ذكر الأفعى، فصارت سبعاً، وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية، والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة من طريق ابن عوانة عن نافع، قال: قلت لنافع، فالأفعى؟ قال: ومن يشك في الأفعى.

وجاء في رواية عند أبي داود زيادة السبع العادي، فصارت سبعاً، وعند ابن خزيمة زيادة الذئب والنمر على الخمس المشهورة، فتصير بهذا الاعتبار تسعاً، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور، ثم قال الحافظ: فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شيء من ذلك من مقال. اهـ

(من الدواب) بتشديد الباء، جمع دابة، وهي: ما دب من الحيوان، وهي تشمل الطير بدليل هذا الحديث فقد ذكر منها الحدأة والغراب، ويدل على دخول الطير أيضاً عموم قوله تعالى:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. وقوله: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} [العنكبوت: 60]. وبعضهم لا يدخل الطير في الدواب، ويستدل بقوله تعالى:{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} [الأنعام: 38]. والعطف

ص: 141

يقتضي المغايرة، ويمكن الرد عليه بأنه من قبيل عطف الخاص على العام، كقوله: {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال

} [البقرة: 98].

والدابة: تطلق على الذكر والأنثى، وقد تصرف أهل العرف فيها فخصها بعضهم بذوات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير، وخصها بعضهم بما يركب، ومنهم من خصها بالحمار، ومنهم من خصها بالفرس.

(يقتلن في الحل والحرم) في الرواية الثالثة والرابعة "يقتلن في الحرم" وإذا رخص في قتلهن في الحرم مع قدسيته وتحريم قتل غيرها فيه، رخص في قتلها في الحل من باب أولى.

وهل "يقتلن" رخصة أو ندباً؟ في الرواية الخامسة "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس" وفي التاسعة "أمر -أو أمر-" وفي العاشرة "كان يأمر" فهل الأمر للإباحة أو للندب؟ وفي السابعة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة رفع الجناح، أي رفع الإثم على من قتلهن، وفي الثامنة رفع الحرج أي رفع المؤاخذة على من قتلهن. فهل رفع الجناح ورفع الحرج يفيد الحل فقط؟ أو يشمل الندب أيضاً؟ خلاف يأتي تفصيله في فقه الحديث.

وفي الرواية السابعة "لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام" قال النووي: اختلفوا في ضبط "الحرم" هنا، فضبطه جماعة من المحققين بفتح الحاء والراء، أي الحرم المشهور، وهو حرم مكة، والثاني بضم الحاء والراء، وهو جمع حرام، كما قال تعالى {وأنتم حرم} [المائدة: 1]. قال: والمراد به المواضع المحرمة، قال: والفتح أظهر. اهـ فصار قتلها مباحاً للمحرم سواء أكان في الحل أم في الحرم، ومباحاً في الحرم سواء للمحرم أم للحلال.

(الحدأة) لم تلتزم الروايات ترتيباً معيناً، فقد ذكرت الحدأة أولاً في الرواية الأولى وآخراً في الرواية الثانية، والرابعة عشرة، وفي الوسط في بقية الروايات ولا يتعلق بترتيبها غرض.

"والحدأة" بكسر الحاء، وبعد الدال همزة، وجمعها حدأ بكسر الحاء وفتح الدال بعدها همزة كعنبة وعنب، والتاء فيها للفرق بين الواحد والجمع، وليست للتأنيث، وفي بعض الروايات "الحدأ" بلفظ الجمع، وفي رواياتنا الثانية والرابعة عشرة "الحديا" بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء بعدها ألف مقصورة، وهي لغة حجازية، وغيرهم يقول "حدية" بالتاء بدل الألف، وهي طائر معروف، قال الحافظ: ومن خواصها، أنها تقف في الطيران ويقال: إنها لا تخطف إلا من جهة اليمين.

(والغراب) كذا جاء مطلقاً في جميع روايات مسلم إلا الثانية فجاءت بلفظ "الغراب الأبقع" وهو الذي في بطنه أو ظهره بياض. قال الحافظ ابن حجر: وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث، وهو قضية حمل المطلق على المقيد ورد الآخرون بأن هذه الزيادة لم تثبت، وسيأتي توضيح لذلك في فقه الحديث.

(والفأرة) بهمزة ساكنة، ويجوز تسهيلها "فارة" واحدة الفيران، وهي أنواع: منها الجرذ بوزن

ص: 142

عمر، والخلد بضم الخاء وسكون اللام، وفأرة الإبل وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء.

(والكلب العقور) العقور والعاقر: الجارح، وفي المراد به هنا خلاف بين الفقهاء يأتي في فقه الحديث.

(تقتل بصغر لها) بضم الصاد، أي بمذلة وإهانة.

(والعقرب

والحية) العقرب: يقال للذكر والأنثى، وقد يقال: عقربة وعقرباء، قال صاحب المحكم: ويقال إن عينها في ظهرها، وأنها لا تضر ميتاً ولا نائماً حتى يتحرك، ويقال لدغته العقرب بالغين ولسعته، وقد ذكرت الحية بدلها في بعض الروايات، كروايتنا الثانية وجمع بينهما في بعض الروايات كروايتنا العاشرة.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار، وبين حكمهما معاً حيث جمع بينهما. وسيأتي مزيد بحث في الحكم في فقه الحديث.

والعقرب: دويبة من العنكبيات ذات سم معروفة، أما الحية فهي طويلة من الزواحف، ومن أنواعها الثعبان والأفعى.

(حدثتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المبهمة صرح بها في الرواية الثامنة، وهي أخته حفصة رضي الله عنهم أجمعين.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: اتفق جماهير العلماء على جواز قتل المذكورات في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن، وما يكون في معناهن، فقال الشافعي: والمعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل وكل ما لا يؤكل، ولا هو متولد من مأكول وغيره قتله جائز للمحرم، ولا فدية عليه.

وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله، وما لا فلا. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: ليس في نفي الجناح، وكذا نفي الحرج دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن لفظ "أمر"[في روايتنا التاسعة والعاشرة] ظاهره الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر، لعموم نهي المحرم عن القتل، فلا يكون للوجوب ولا للندب. اهـ

وخلاف الفقهاء في الحدأة ينحصر في تقييد جواز قتلها بأن تبتدئ بالأذى، وتقييد جواز قتلها بالكبار منها؟ أو الجواز على الإطلاق، ابتدأت بالأذى أو لم تبتدئ، صغيرة كانت أم كبيرة؟ الجمهور على الإطلاق، وهو المشهور عن المالكية، لكن بعض المالكية على التقييد.

ص: 143

أما خلافهم في الغراب فهو نتيجة لتعدد أنواع الغراب، قال الحافظ ابن حجر، بعد أن صحح رواية "الغراب الأبقع". قال ابن قدامة: ويلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل.

قال الحافظ: وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ماعداه من الغربان ملتحقاً بالأبقع.

قال: ومنها "الغداف" على الصحيح، وسماه ابن قدامة "غراب البين" والمعروف عند أهل اللغة أن غراب البين هو الأبقع، قيل: سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها، ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به، فأبطل الإسلام ذلك، وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف، والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافاً.

ويحمل على غراب الزرع ما جاء عند أبي داود -إن صح- حيث قال فيه "ويرمي الغراب ولا يقتله".

ومن أنواع الغربان: الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وحكمه حكم الأبقع، ومنها العقعق، وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، والعرب تتشائم به أيضاً، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل: حكم غراب الزرع، وقال أحمد إن أكل الجيف فكان أبقع، وإلا فلا.

وأما خلافهم في الفأرة فقد نقل ابن شاش عن المالكية خلافاً في جواز قتل الصغير منها، الذي لا يتمكن من الأذى.

وأما خلافهم في الكلب العقور فقد نقل عن سفيان بن عيينة أنه قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به الكلب، وعن أبي هريرة: الكلب العقور الأسد، وعن مالك: هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم، مثل الأسد والنمر والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب وشبههما فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه وحكي عن أبي حنيفة أن المراد به الكلب المعروف خاصة، وألحق به الذئب، وحمل "زفر" الكلب هنا على الذئب وحده وذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن المراد كل مفترس غالباً.

واختلف العلماء في الكلب غير العقور، مما لم يؤمر باقتنائه، فذهب بعض الشافعية إلى أنه محترم لا يجوز قتله، وذهب آخرون إلى أنه غير محترم، وذهب جماعة إلى كراهة قتله كراهة تنزيه.

وأما خلافهم في العقرب فقد قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع: لما قيل له فالحية؟ قال لا يختلف فيها، وفي رواية ومن يشك فيها. وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحماداً، فقالا -لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب. قال: ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض، فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام.

ص: 144

قال الحافظ وهو اعتلال لا معنى له. نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى.

وخلاصة أقوال الفقهاء في هذا الموضوع: أن المالكية يرون العلة كونها مؤذية فيلحقون بها كل مؤذ، والأذى أنواع، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم، كالحية، والزنبور وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض، كابن عرس، وبالغراب والحدأة على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر، كالأسد والفهد.

والشافعية يرون العلة كونها مما لا يؤكل، وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام:

قسم يستحب قتله كالخمس وما في معناها مما يؤذي.

وقسم يجوز قتله، كسائر ما لا يؤكل لحمه، وهو قسمان: الأول ما يحصل منه نفع وضرر، فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد، ولا يكره لما فيه من العدوان. والثاني ما ليس فيه نفع ولا ضرر، فيكره قتله ولا يحرم.

والقسم الثالث ما أبيح أكله، أو نهي عن قتله، فلا يجوز قتله، وفيه الجزاء إذا قتله المحرم.

أما الحنفية فاقتصروا على الخمس، إلا أنهم ألحقوا بها الحية، لثبوت الخبر بها والذئب لمشاركته الكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها.

بقيت أنواع اختلف الفقهاء في جواز قتلها، منها الوزغ، وهو دابة صغيرة لها قوائم تعدو في أصول الحشيش، وتعيش في الجدران والخربات، وهي ما يطلق عليها [البرص].

وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للوزغ فويسق، ولم أسمعه يأمر بقتله"، وعدم سماع عائشة لا يدل على منع قتله. قال العيني: فقد سمعه غيرها، وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعاً "أمر بقتل الأوزاغ" ثم ساق العيني مجموعة من الأحاديث في قتل الوزغ، ثم قال: ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك: لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم: وإن قتله يتصدق، لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها.

ومنها البعوض والبراغيث والذباب والقمل والبق والنمل. قال ابن المنذر قال الشافعي وأصحاب الرأي: لا شيء على المحرم في قتل البعوض والبراغيث والبق، وكذا قال عطاء في البعوض والذباب.

وقال مالك: في الذباب والقمل إذا قتلها أرى أن يتصدق بشيء من الطعام، وكان الشافعي يكره قتل النملة، ولا يرى على المحرم في قتلها شيئاً قال: فأما "الزنبور"[وهو المعروف عند العامة بالدبور] فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر بقتله، وقال عطاء وأحمد: لا جزاء فيه، وقال

ص: 145

مالك: يطعم شيئاً، وقال ابن المنذر: وأما القملة إذا قتلها المحرم فقال ابن عمر رضي الله عنهما: يتصدق بحفنة من طعام، وقال عطاء: قبضة من طعام.

-[ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

1 -

جواز القصاص في الحرم. قال النووي: وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل ما يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا، أو قتل في المحاربة، وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كل الحدود فيه سواء كان موجب القتل والحد جري في الحرم أو خارجه، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم، وهذا مذهب مالك والشافعي وآخرين.

وقال أبو حنيفة وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجه ثم لجأ إليه: إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه، فيقام عليه خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه. وحجتهم قوله تعالى:{ومن دخله كان آمناً} [آل عمران: 97]. وحجتنا عليهم: هذه الأحاديث، لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق، بل فسقه أفحش، لكونه مكلفاً، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان، فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية.

قال القاضي: ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام، وعطفه على ما قبله من الآيات، وقيل: آمن من النار، وقالت طائفة: يخرج ويقام عليه الحد.

والله أعلم

ص: 146