المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

3159 -

عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها. وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أراه فلاناً"(لعم حفصة من الرضاعة) فقالت عائشة: يا رسول الله لو كان فلان حياً (لعمها من الرضاعة) دخل علي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة".

3160 -

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة".

3161 -

عن عائشة رضي الله عنها: أنها أخبرته أن أفلح، أخا أبي القعيس، جاء يستأذن عليها. وهو عمها من الرضاعة. بعد أن أنزل الحجاب. قالت: فأبيت أن آذن له. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت. فأمرني أن آذن له علي.

3162 -

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أتاني عمي من الرضاعة، أفلح بن أبي قعيس. فذكر بمعنى حديث مالك. وزاد: قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل. قال "تربت يداك أو يمينك".

3163 -

عن عائشة رضي الله عنها: أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها. بعد ما نزل الحجاب. وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة. قالت عائشة: فقلت: والله! لا آذن لأفلح، حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني. ولكن أرضعتني امرأته. قالت عائشة: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس

ص: 605

جاءني يستأذن علي فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك. قالت: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ائذني له" قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب.

3164 -

وفي رواية: جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها. بنحو حديثهم. وفيه "فإنه عمك تربت يمينك". وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة.

3165 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي. فأبيت أن آذن له حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن عمي من الرضاعة استأذن علي فأبيت أن آذن له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فليلج عليك عمك" قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل. قال "إنه عمك. فليلج عليك".

3166 -

وفي رواية: أن أخا أبي القعيس استأذن عليها. فذكر نحوه.

-وفي رواية نحوه غير أنه قال: "استأذن عليها أبو القعيس".

3167 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن علي عمي من الرضاعة، أبو الجعد. فرددته (قال لي هشام: إنما هو أبو القعيس) فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك. قال "فهلا أذنت له؟ تربت يمينك أو يدك".

3168 -

عن عائشة رضي الله عنها: أنها أخبرته أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح. استأذن عليها فحجبته. فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لها "لا تحتجبي منه. فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب".

3169 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن علي أفلح بن قعيس. فأبيت أن

ص: 606

آذن له. فأرسل: إني عمك. أرضعتك امرأة أخي. فأبيت أن آذن له. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكرت ذلك له. فقال "ليدخل عليك، فإنه عمك".

3170 -

عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما لك تنوق في قريش وتدعنا؟ فقال "وعندكم شيء"؟ قلت: نعم. بنت حمزة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها لا تحل لي. إنها ابنة أخي من الرضاعة".

3171 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة. فقال "إنها لا تحل لي. إنها ابنة أخي من الرضاعة. ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم".

3172 -

وفي رواية نحوه غير أن حديث شعبة انتهى عند قوله "ابنة أخي من الرضاعة". وفي حديث سعيد "وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب". وفي رواية بشر بن عمر سمعت جابر بن زيد.

3173 -

عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أنت يا رسول الله؟ ! عن ابنة حمزة؟ أو قيل: ألا تخطب بنت حمزة بن عبد المطلب؟ قال "إن حمزة أخي من الرضاعة".

3174 -

عن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله

ص: 607

صلى الله عليه وسلم فقلت له: هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ فقال "أفعل ماذا؟ " قلت: تنكحها. قال "أو تحبين ذلك؟ " قلت: لست لك بمخلية. وأحب من شركني في الخير أختي. قال "فإنها لا تحل لي" قلت: فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة. قال "بنت أم سلمة؟ " قلت: نعم. قال "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي. إنها ابنة أخي من الرضاعة. أرضعتني وأباها ثويبة. فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن".

3175 -

عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله! انكح أختي عزة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتحبين ذلك" فقالت: نعم يا رسول الله! لست لك بمخلية. وأحب من شركني في خير، أختي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإن ذلك لا يحل لي". قالت: فقلت: يا رسول الله فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة. قال: "بنت أبي سلمة؟ " قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي. إنها ابنة أخي من الرضاعة. أرضعتني وأبا سلمة ثويبة. فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن".

-[المعنى العام]-

يقول الله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً} [النساء: 23].

ذكرت هذه الآية الكريمة النساء المحرم نكاحهن، ووضحت السنة وبينت محرمات النكاح بما يشبه الإضافة صورة، فحرمت الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، كما سبق قبل أبواب، وبما هو بيان لمبهم أو تفصيل لمجمل، كتحريمها من الرضاع ما يحرم من النسب، وهو موضوع حديثنا.

إن الغريزة الجنسية ترقى كلما رقت الإنسانية، وإن أبرز رقيها التعفف بها عن الحيوانية، وفي

ص: 608

هذا المجال نجد الحيوان ينكح أمه وبنته وأخته، ولا تفرق شهوته بين قريب أو بعيد، وقد بدأت حياة البشر بالتزويج بين الأخ وأخته من أبناء آدم، لعمارة الأرض، وبث الجنس الإنساني، وتدرجت الشرائع والأعراف في تحريم القرابات، وأخذت تترقى في هذا المنع تارة، وتنتكس أخرى، كما هو طبيعة التطور والقصور، وكان أرقى ما وصلت إليه الإنسانية من الرقي محرمات النكاح في الإسلام، حتى حدد المحرمات تحديداً، ورغب في نكاح البعيدات، ورغب عن نكاح القريبات مطلقاً.

إن أرقى درجات الترفع بهذه الغريزة الترفع بها عن التناكح بين من جمع بينهما رضاع قريب، أو رضاع بعيد بعد الترفع بها عن النسب المحرم، وأن يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة.

هكذا أكدت الأحاديث، فعم حفصة من الرضاع تأذن له بالدخول عليها والخلوة بها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ويقره، وعم عائشة من الرضاع يستأذن عليها، فتحتجب منه وترده، فيقول لها: أنا عمك؟ فتقول له: من أين لك هذه العمومة؟ فيقول لها: أرضعتك امرأة أخي، فصار أخي أبا لك من الرضاع، وأصبحت عمك من الرضاع كعمك من النسب فتقول له: إنما أرضعتني المرأة، زوجة أخيك، ولم يرضعني أخوك حتى يكون بيني وبينك صلة، ولا تأذن له، ثم تحكي ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لها: كان عليك أن تأذني له، إن استأذن ثانية فأذني له، إنه عمك من الرضاع، ويحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة.

ويعرض علي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنة عمه حمزة، فيقول صلى الله عليه وسلم: إنها لا تحل لي، لأن حمزة أخي من الرضاع، رضعت أنا وهو من امرأة واحدة هي ثويبة، ورضع معنا منها أبو سلمة.

وتتحدث النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتزوج بنت أم سلمة، فيقتل هذه الإشاعة بأنها لا تحل له، لأنها ربيبة في حجره، ولأنها ابنة أخيه من الرضاعة، وهكذا يرفع الإسلام الشهوة الجنسية، ويرفع الإنسان بها إلى أعلى ما تصبو إليه الإنسانية -فنعم الشرع الحكيم.

-[المباحث العربية]-

(كان عندها) أي في بيتها، وهو يجاور بيت حفصة، لا يفصل بينهما إلا حائط من قش وطين.

(وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة) أي سمعت صوت رجل يستأذن حفصة في الدخول عليها في بيتها، وكأن عائشة توقعت إذن حفصة، وإلا ما قالت ذلك. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم هذا الرجل.

(هذا رجل يستأذن في بيتك) أضافت أولاً البيت إلى حفصة باعتبارها مختصة به ساكنة فيه، وليس باعتبار الملك، ففي امتلاك أمهات المؤمنين لبيوتهن خلاف، وأضافته ثانياً إلى ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره المالك صاحب الأمر والنهي فيه، وأن الزوجة شرعاً لا تأذن في بيته إلا بإذنه، وكأنها بذلك تحركه صلى الله عليه وسلم نحو حفصة.

ص: 609

(أراه فلاناً) بضم الهمزة، أي أظنه فلاناً، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم رجل، هو عم حفصة من الرضاعة، قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه أيضاً.

(لو كان فلان حياً -لعمها من الرضاعة- دخل علي؟ ) ذكرت عائشة اسم عم لها من الرضاعة يشبه في وضعه وضع عم حفصة الذي يستأذن، كأنها بذلك تثير غيرته صلى الله عليه وسلم.

(إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) أي وتبيح ما تبيح. فهي تحرم النكاح، وتبيح الدخول. و"الرضاعة" بفتح الراء وكسرها، والرضاع أيضاً بفتح الراء وكسرها، يقال: رضع الصبي أمه -بكسر الضاد- يرضعها -بفتح الضاد، رضاعاً. قال الجوهري: ويقول أهل نجد: رضع يرضع -بفتح الضاد في الماضي وكسرها في المضارع كضرب يضرب، وامرأة مرضع، أي لها ولد ترضعه.

وفي الرواية الثانية "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" وفي الرواية الثامنة "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" فيحتمل أن إحداهما رواية بالمعنى، ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال اللفظين في وقتين مختلفين، قال الحافظ ابن حجر: والثاني هو المعتمد، فإن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي، وإنما يأتي الاحتمال الأول إذا اتحد ذلك.

(أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة)"القعيس" بضم القاف وفتح العين مصغر، وأبو القعيس -كما قال الدارقطني هو وائل بن أفلح الأشعري، وحكى هذا ابن عبد البر، ثم حكى أيضاً أن اسمه الجعد، قال الحافظ: فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه، ويحتمل أن يكون أبو القعيس نسب لجده، ويكون اسمه وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس، وأخوه أفلح بن قعيس بن أفلح أبو الجعد. اهـ

هذه المحاولة في تركيب الأسماء المبنية على احتمالات قصد بها الجمع بين الروايات التي اختلفت في اسم أو كنية أو نسب العم الذي استأذن على عائشة، والمؤكد عندنا أن أبا القعيس هو زوج المرأة التي أرضعت عائشة، فهو أبوها من الرضاعة، وأخوه عمها من الرضاع. فمن هو هذا الأخ؟ .

الرواية الثالثة والخامسة وملحقها تقول "إن أفلح أخا أبي القعيس .... وهو عمها من الرضاعة" وهي ظاهرة لا إشكال فيها، الرواية الرابعة تقول "عمي من الرضاعة أفلح بن أبي قعيس" والرواية التاسعة تقول "أفلح بن قعيس" وإشكالهما يرفع بالاحتمال الذي ذكره الحافظ، فأفلح أخو أبي القعيس زوج المرضعة، وهو في الوقت نفسه ابن أبي القعيس الجد فعرف مرة بأخيه، ومرة بنسبه إلى جده، كما نسب إلى جده أيضاً في الملحق الثاني للرواية السادسة، ولفظة "استأذن عليها أبو القعيس" أي أفلح، وليس أبا القعيس زوج المرضعة، فإن المستأذن عمها، وليس أباها.

أما الرواية السابعة، وفيها "استأذن علي عمي من الرضاعة أبو الجعد" فلا خطأ فيها لأن كنية أفلح "أبو الجعد" كما قال القرطبي ووافقه الحافظ ابن حجر.

(فأبيت أن آذن له) في الرواية السادسة "فأبيت أن آذن له حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي

ص: 610

الرواية التاسعة "فأبيت أن آذن له، فأرسل: إني عمك، أرضعتك امرأة أخي؟ فأبيت أن آذن له" وفي رواية "فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ وفي رواية لأبي داود "فقال: أتستترين مني وأنا عمك؟ قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي؟ قلت: إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل" قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بأنه دخل عليها أولاً، فاستترت ودار بينهما الكلام، فظن أنها قبلت قوله، فاستأذن، فلم تأذن له حتى تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا إشكالان:

الأول: أن عائشة رضي الله عنها قالت في الرواية الأولى "لو كان فلان حياً لعمها من الرضاعة دخل علي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وهذه الرواية في حديث الرجل الذي يستأذن على حفصة وهو سابق على استئذان أفلح أخي أبي القعيس: فكيف قالت عن عمها من الرضاعة إنه ميت، ثم قالت إنه استأذن عليها؟ قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به، ثم قدم بعد ذلك فاستأذن. اهـ وهذا الاحتمال بعيد جداً، إذ لو كان كذلك لنبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم والجواب الحسن ما ذكره بعضهم من أنهما عمان من الرضاعة.

فجاء الإشكال الثاني وهو مادامت سألت عن الأول وأجيبت، فلم توقفت في الثاني؟ وأجيب بأنه تكرر منها ذلك إما لأنها نسيت القصة الأولى، وإما لأنها جوزت تغير الحكم فأعادت السؤال، فلا استبعاد في تجويز ما ذكر من نسيان أو تجويز النسخ، وأحسن من هذا أن يقال: هما عمان من الرضاع، مختلفان في طريقة عمومتهما، فلما أجيبت عن أحدهما سألت عن الآخر في حالة مختلفة، يؤخذ هذا من كلام عياض: إن أحد العمين كان أعلى من الآخر أو أحدهما كان شقيقاً والآخر لأب فقط أو لأم فقط، أو أرضعتها زوجة أخيه بعد موته، والآخر في حياته.

كما يؤخذ أيضاً من كلام ابن المرابط أن عم حفصة أرضعته المرأة مع عمر، فالرضاعة فيهما من قبل المرأة.

وعم عائشة الذي سألت عنه في قصة عم حفصة كان نظير عم حفصة في ذلك أي في أن امرأة أرضعته وأرضعت أبا بكر، وأفلح أخ زوج المرأة التي أرضعت عائشة، فعمومته من جهة الفحل صاحب اللبن، فأخبرها الشارع أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل المرأة. اهـ

وهذا جواب حسن. والله أعلم.

(فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت) في الرواية الخامسة قالت "يا رسول الله، إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني، يستأذن علي، فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك".

(فأمرني أن آذن له) أي إذا استأذن مرة أخرى، وفي الرواية الخامسة "ائذني له" أي إذا استأذن، "فإنه عمك" وفي الرواية السادسة "فليلج عليك عمك" أي يحل له أن يدخل عليك "قالت: قلت: إنما أرضعتني المرأة" ولا علاقة له بالمرأة التي أرضعتني "ولم يرضعني الرجل" أخوه حتى يوجد رباط بيني وبينه؟ قال: إنه عمك" لأن أخاه صاحب اللبن أبوك "فليلج عليك" إذا جاء مرة

ص: 611

أخرى دون حرج، "فهلا أذنت له"؟ أي وكان ينبغي أن تأذني له حين استأذن "تربت يداك -أو يمينك" وفي الرواية السابعة "تربت يمينك -أو يدك" شك من الراوي في أي الكلمتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل: تربت يمينك التصقت بالتراب، أي افتقرت. لكنها صارت من الكلمات التي أطلقها العرب في مواطن التعجب، دون أن يقصدوا معناها الأصلي، ومثلها "لا أم لك" و"قاتلك الله" و"ثكلتك أمك" وتقال عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه: أو الذم عليه، أو استعظامه، أو الحث عليه، أو الإعجاب، والأنسب هنا الإنكار والزجر.

(مالك تنوق في قريش وتدعنا؟ )"تنوق" بتاء مفتوحة، ونون مفتوحة، وواو مشددة مفتوحة، ثم قاف، وأصله تتنوق بتاءين، حذفت إحداهما للتخفيف، يقال: تنوق الرجل في مطعمه وملبسه وأموره وتنبق، وتأنق، أي اختار الأجود، وبالغ في الاختيار، قال القاضي: وضبطه بعضهم هنا بتاءين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة بعدها واو، أي تميل. اهـ

والمعنى مالك تختار من نساء قريش زوجات لك وتدع نساء أسرتك وعائلتك؟ .

(بنت حمزة) في الرواية الحادية عشرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة""أريد" بضم الهمزة، أي عرض عليه، وطلب منه أن يريدها، وفي الرواية الثانية عشرة "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أنت يا رسول الله عن ابنة حمزة؟ أو قيل: ألا تخطب بنت حمزة بن عبد المطلب"؟ والقائل هو علي بن أبي طالب، كما صرح به في الرواية العاشرة، وعند سعيد بن منصور "ألا تتزوج بنت عمك حمزة؟ فإنها من أحسن فتاة في قريش"؟ .

قال الحافظ ابن حجر: وكأن علياً لم يكن يعلم أن حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم، أو جوز الخصوصية، أو كان ذلك قبل تقرير الحكم. قال القرطبي: وبعيد أن يقال عن علي: لم يعلم بتحريم ذلك.

وقال الحافظ: جملة ما تحصل لنا من الخلاف في اسم ابنة حمزة هذه سبعة أقوال: أمامة وعمارة، وسلمى، وعائشة، وفاطمة، وأمة الله، ويعلى.

(إنها ابنة أخي من الرضاعة) كانت ثويبة الآتي ذكرها في الرواية الثالثة عشرة والرابعة عشرة قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أرضعت حمزة، ثم أرضعت أبا سلمة.

(هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ فقال: أفعل ماذا؟ قالت: قلت: تنكحها) في الرواية الرابعة عشرة "انكح أختي عزة" قال الحافظ: وعند أبي موسى "درة بنت أبي سفيان" وجزم المنذري بأن اسمها "حمنة" كما في الطبراني، وقال عياض: لا نعلم لعزة ذكراً في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب، وقال أبو موسى: الأشهر فيها.

(أفعل ماذا؟ ) استفهام استيضاح عن مرادها في قولها: هل لك في أختي؟ أجابت عنه بقولها: تنكحها، وفيه معنى التعجب.

قال الحافظ ابن حجر: وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل على "ما" الاستفهامية، خلافاً لمن أنكره من النحاة.

ص: 612

(أو تحبين ذلك؟ ) استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها، مع ما طبع عليه النساء من الغيرة.

(لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام، اسم فاعل من أخلى يخلى أي لست لك بمنفردة، أي لم أقم بإخلائك من الضرة والزوجة الأخرى، وقال بعضهم: أخلى يستعمل متعدياً، ويستعمل لازماً بمعنى خلا يخلو، وهو المراد هنا، أي لست خالية ولا متفرغة من ضرة.

قال الحافظ: وفي بعض الروايات بفتح اللام، بلفظ اسم المفعول، أي لم يقع علي إخلاء منك، ولم تفردني بك.

(وأحب من شركني في الخير أختي)"شركني" بفتح الشين وكسر الراء، يقال: شرك فلاناً في ماله يشركه من باب علم، شركا وشركة وشركة، أي أحب من شاركني فيك وفي صحبتك، وفي الانتفاع منك بخيرات الدنيا والآخرة أختي، مما يستر أو يخفف الغيرة التي جرت بها العادة بين الزوجات، وفي رواية البخاري "وأحب من شاركني في خير أختي" وهذا منها محمول على أنها لم تكن تعلم تحريم الجمع بين الأختين.

(فإنها لا تحل لي) وبين لها صلى الله عليه وسلم أنه يحرم الجمع بين الأختين فاعترضت بقولها الآتي "فإني أخبرت" إلخ.

(فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة)"درة" بضم الدال المهملة وتشديد الراء المفتوحة. قال النووي: وهذا لا خلاف فيه، وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض رواة كتاب مسلم أنه ضبطه بفتح الذال المعجمة فتصحيف لا شك فيه. اهـ

وفي الرواية الرابعة عشرة "فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة"؟ وفي رواية البخاري "فإنا نحدث" بضم النون وفتح الحاء، مبني للمجهول، وفي رواية للبخاري أيضاً "قلت: بلغني" وعند أبي داود "فوالله لقد أخبرت" وعن مصدر هذه الإشاعة يقول الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم من أخبر بذلك، ولعله كان من المنافقين، فقد ظهر أن الخبر لا أصل له، وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل. اهـ

وكأن أم حبيبة استدلت على جواز الجمع بين الأختين -كخصوصية له صلى الله عليه وسلم بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الأولى، لأن الربيبة حرمت على التأبيد، والأخت حرمت في حالة الجمع فقط.

(بنت أم سلمة؟ ) استفهام استثبات لرفع الإشكال، أو استفهام إنكار، والمعنى إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من جهتين، من جهة كونها ابنة أخ من الرضاع، ومن جهة أنها ربيبتي في حجري. وإن كانت بنت أبي سلمة من غير أم سلمة فمن جهة واحدة.

ص: 613

(لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي. إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة) في الرواية الرابعة عشرة "أرضعتني وأبا سلمة ثويبة" والربيبة بنت الزوجة، مشتقة من الرب، وهو الإصلاح، لأنه يقوم بأمرها، وقيل: من التربية، وهو غلط فاحش من جهة الاشتقاق، فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية، ولام الكلمة -وهو الحرف الأخير- مختلف، فإن آخر "رب" باء، وآخر "ربي" ياء. قاله النووي. و"الحجر" بفتح الحاء وكسرها من الإنسان حضنه، وذكر "الحجر" في الآية وهذا الحديث خرج مخرج الغالب؟ فتحرم الربيبة وإن لم تكن في الحجر؟ أو قيد للاحتراز؟ سيأتي في فقه الحديث.

و"ثويبة" مصغر، كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرها ابن مندة في الصحابة، وقال: اختلف في إسلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد ما تزوج خديجة، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة، ماتت بعد فتح خيبر، ومات ابنها مسروح.

وكانت ثويبة قد بشرت أبا لهب بمولد محمد صلى الله عليه وسلم، فأعتقها، مكافأة لها على البشرى وارتضع منها صلى الله عليه وسلم قبل حليمة السعدية رضي الله عنها.

(فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن) إشارة إلى أخت أم حبيبة، وبنت أم سلمة و"تعرض" بفتح التاء، وسكون العين وكسر الراء وسكون الضاد، خطاب لجماعة النساء وبكسر الضاد وتشديد النون خطاب لأم حبيبة وحدها، والأول أولى وأبين.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: هذه الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها، يحرم عليه نكاحها أبداً، ويحل له النظر إليها والخلوة بها، والمسافرة بها، ولا يترتب عليه -أي على الرضاع- أحكام الأمومة من كل وجه، فلا يتوارثان، ولا يجب على كل منهما نفقة الآخر، ولا يعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها -أي ولا يدفع عنها دية تجب عليها- ولا يسقط عنها القصاص بقتله، فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام.

وأجمعوا أيضاً على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في ذلك كولدها من النسب. لهذه الأحاديث.

وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه -لكونه زوج المرأة، أو وطئها بملك أو شبهة- فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير الرضيع ولداً له، وأولاد الرجل الذكور إخوة للرضيع، والإناث أخوات للرضيع، ويصير إخوة الرجل أعماماً للرضيع -كما هو صريح أحاديث عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس -ويصير أخوات الرجل عمات للرضيع، وتكون أولاد الرضيع أولاد ابن الرجل. ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة. قال الحافظ ابن حجر: أغرب القاضي

ص: 614

عياض ومن تبعه في تخصيصهم ذلك بداود -أي أهل الظاهر- وإبراهيم بن علية، ففي لبن الفحل خلاف قديم، حكي عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية، وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم ابن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه. فلا يخصص الخلاف بأهل الظاهر وابن علية. اهـ

وتحرير موطن الخلاف. هل تنتشر الحرمة بين الرضيع وبين صاحب اللبن إلى أبناء الرجل من غير المرضعة وإلى إخوة الرجل وأخواته؟ ويتصور تحديد الخلاف في رجل له امرأتان، ترضع إحداهما صبياً والأخرى صبية، فالجمهور قالوا: يحرم على الصبي تزويج الصبية، وقال من خالفهم: يجوز.

واستدل المخالفون.

أ- بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23]. ولم يذكر البنت أو العمة، كما ذكرهما في النسب، وأجيب بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وليس في الآية نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما، كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة بصريح التحريم؟ عم حفصة، وعم عائشة، وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الرضاعة تحرم ما يحرم الولادة"؟ .

ب- وبأن اللبن لا ينفصل من الرجل، وإنما ينفصل من المرأة، فكيف تنتشر الحرمة من الرجل؟ وأجيب بأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معاً، فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به، لتعلقه بولده. وفي هذه الإجابة نظر، فالفرق بين الجد الذي يدخل منه أجزاء إلى ابنه ثم من ابنه إلى ابن ابنه، وبين الزوج الذي ترضع زوجته وليداً في عدم انفصال شيء من الزوج إلى الوليد واضح، حيث لا تدخل نطفة الرجل في لبن المرأة، فقولهم: إن الوطء يدر اللبن، فللفحل فيه نصيب، بعيد عن القبول، لأن القول بانتشار الحرمة لا يشترط فيه الوطء، والجواب المقبول أن ذلك قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه. والله أعلم.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

1 -

أن تحريم الرضاع لا يتعدى إلى أحد من قرابة الرضيع غير أبنائه، فليست أخته من الرضاعة أختاً لأخيه، ولا بنتاً لأبيه، إذ لا رضاع بينهم، وحكمة التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بين الرضيع وبين المرأة التي صارت أمه، بخلاف قرابات الرضيع إخوته وأخواته وأبوه أو عمه وعماته، لأنهم ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب.

2 -

ومن أحاديث عائشة استدل بعضهم على أن من ادعى الرضاع، وصدقه الرضيع ثبت حكم الرضاع بينهما، ولا يحتاج إلى بينة، لأن "أفلح" ادعى، وصدقته عائشة، وأذن الشارع بمجرد ذلك، وتعقب باحتمال أن يكون الشارع قد اطلع على ذلك من غير دعوى "أفلح" وتسليم عائشة.

ص: 615

3 -

واستدل به على أن قليل الرضاع يحرم، كما يحرم كثيره، لعدم الاستفصال فيه ولا حجة فيه، لأن عدم الذكر لا يدل على العدم المحض.

4 -

وفيه أن من شك في حكم يتوقف عن العمل حتى يسأل العلماء عنه.

5 -

وأن من اشتبه عليه الشيء طالب المدعي ببيانه ليرجع إليه أحدهما.

6 -

وأن العالم إذا سئل يصدق من قال الصواب قبله.

7 -

وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب.

8 -

ومشروعية استئذان المحرم على محرمه.

9 -

وأن المرأة لا تأذن في بيت الرجل إلا بإذنه.

10 -

قال القرطبي عن قوله في الرواية الثالثة عشرة والرابعة عشرة "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي" قال: فيه تعليل الحكم بعلتين، فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من الرضاعة، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفي في التحريم، فكيف وبها مانعان؟ فليس من التعليل بعلتين في شيء لأن كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل واحد منهما لو انفرد، فإما أن يتعاقبا فيضاف الحكم إلى الأول منهما، كالسببين إذا اجتمعا ومثاله: إذا أحدث ثم أحدث بغير تخلل طهارة فالحدث الثاني لم يعمل شيئاً، أو يضاف الحكم إلى الثاني، كما في اجتماع السبب والمباشرة وقد يضاف إلى أشبههما وأنسبهما، سواء كان الأول أو الثاني، فعلى كل تقدير لا يضاف إليهما جميعاً، وإن قدر أنه يوجد فالإضافة إلى المجموع، ويكون كل منهما جزء علة، لا علة مستقلة، فلا تجتمع علتان على معلول واحد.

هذا الذي يظهر. والمسألة مشهورة في الأصول، وفيها خلاف. قال القرطبي: والصحيح جوازه، لهذا الحديث وغيره.

11 -

وفي الحديث إشارة إلى أن التحريم بالربيبة أشد من التحريم بالرضاعة.

12 -

قال النووي: قوله "ربيبتي في حجري" فيه حجة لداود الظاهري أن الربيبة لا تحرم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، وهو موافق لظاهر قوله تعالى:{وربائبكم اللاتي في حجوركم} [النساء: 23]. ومذهب العلماء كافة سوى داود: أنها حرام، سواء كانت في حجره أم لا، قالوا: والتقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب لم يكن له مفهوم يعمل به، فلا يقتصر الحكم عليه، ونظيره قوله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} [الأنعام: 151]. ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضاً، لكن خرج التقييد بالإملاق لأنه الغالب وقوله تعالى:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً} [النور: 33]. ونظائره في القرآن كثيرة.

والله أعلم

ص: 616