المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

3075 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تنكح الأيم حتى تستأمر. ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت".

3076 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها. أتستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم. تستأمر" فقالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحيي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فذلك إذنها إذا هي سكتت".

3077 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها. وإذنها صماتها؟ " قال: نعم.

3078 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الثيب أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأمر. وإذنها سكوتها".

3079 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها. والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها" وربما قال "وصمتها إقرارها".

ص: 522

3080 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين. وبنى بي وأنا بنت تسع سنين. قالت: فقدمنا المدينة فوعكت شهراً. فوفى شعري جميمة. فأتتني أم رومان، وأنا على أرجوحة، ومعي صواحبي. فصرخت بي فأتيتها. وما أدري ما تريد بي. فأخذت بيدي. فأوقفتني على الباب. فقلت: هه هه. حتى ذهب نفسي. فأدخلتني بيتاً فإذا نسوة من الأنصار. فقلن: على الخير والبركة. وعلى خير طائر. فأسلمتني إليهن. فغسلن رأسي وأصلحنني. فلم يرعني إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى. فأسلمنني إليه.

3081 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين. وبنى بي وأنا بنت تسع سنين.

3082 -

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين. وزفت إليه وهي بنت تسع سنين. ولعبها معها. ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.

3083 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست. وبنى بها وهي بنت تسع. ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.

-[المعنى العام]-

كانت المرأة قبل الإسلام تعامل معاملة الحيوان عند كثير من العرب، وكان البعض يستغلها في الفاحشة حتى نزل فيهم قوله تعالى {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} [النور: 33]. وكانت عند عامة العرب تساق من بيت أبيها إلى بيت زوجها وقد لا تدري من هو؟ لا تستشار بشأنه، ولا تراه إلا وهي في بيته، وحتى لو رأته وعلمته ورفضته لا قيمة لرفضها، ولا يعبأ باعتراضها، فكانت أمام هذه المعاملة لا تعترض وهي كارهة خشية العواقب، فقد كان العضل والحبس والمنع من الزواج والضرب والإذلال أسلوب معاملة الأولياء للمرأة.

وجاء النور من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ليبدد الظلام الدامس الذي كانت تعيش فيه، وهب نسيم الحرية لتستنشق هواء العزة والكرامة والشعور بالإنسانية والشخصية في كل

ص: 523

مناحي الحياة: في العقيدة، والعبادة، والتعليم، والخروج، والميراث، والمشاركة في شئون الحياة، بل والتخطيط لمستقبل حياتها قبل خروجها من بيت أبيها إلى بيت زوجها، لتقول كلمتها، وتبدي رأيها في شريك حياتها، فلا تزوج البكر رجلاً حتى تستأذن في أمر زواجها منه، إن أذنت نفذ، وإن لم تأذن لم ينفذ، ولا ينبغي أن يحول حياؤها الذي ورثته دون أخذ رأيها، بل يعرض الأمر عليها، ويؤخذ بقرائن رضاها حين سكوتها، وبقرائن رفضها، أما الثيب فلا بد من نطقها وإعلان موافقتها قبل زواجها. نعم للأب أن يزوج ابنته الصغيرة التي لا تدرك مصلحتها حين يتقدم لها كفء مشرف، كما زوج أبو بكر ابنته عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى في مثل هذه الحالة لم يسلبها الإسلام حريتها حين تدرك، وحين لا ترضى بزوجها الذي اختاره لها أبوها، فحين اشتكت إحدى النساء ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاحها، فيا سعادة المرأة في ظل الإسلام وتعاليمه، ويا شقاءها حين تتمرد على شرائعه وتطلب السعادة في غيره.

-[المباحث العربية]-

(لا تنكح الأيم حتى تستأمر)"لا تنكح""لا" ناهية، والفعل مجزوم بالسكون، وحرك بالكسر، للتخلص من التقاء الساكنين، أو "لا" نافية، والفعل مرفوع بالضمة، والخبر أبلغ من النهي كما سبق مراراً.

و"الأيم" بفتح الهمزة والياء المشددة المكسورة تطلق على امرأة لا زوج لها، صغيرة أو كبيرة، بكراً كانت أو ثيباً، باتفاق أهل اللغة، والأيمة بسكون الياء العزوبة، ويقال: رجل أيم، وامرأة أيم. واختلف العلماء في المراد بالأيم هنا شرعاً، وسيأتي تفصيل أقوالهم.

ومعنى "تستأمر" أي يطلب أمرها، والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها، ولا يكفي أن يطلب الأمر منها، بل المراد لا يعقد عليها إلا بعد أن تأمر بذلك.

(ولا تنكح البكر حتى تستأذن) أي حتى يطلب إذنها، والمراد حتى تأذن.

(وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)"أن تسكت" مصدر، خبر مبتدأ محذوف، أي إذنها سكوتها.

وفي الرواية الرابعة "وإذنها سكوتها" وفي الرواية الثانية "قالت عائشة: فإنها تستحي" أي من أن تتكلم وتأذن "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك إذنها إذا هي سكتت" أي فاستحياؤها مع قرائن رضاها إذنها.

"إذا هي سكتت" ولم يظهر منها أي قرينة على المعارضة وعدم الرضا، وفي الرواية الثالثة "وإذنها صماتها" والصمات بضم الصاد: السكوت، وفي رواية للبخاري "رضاها صمتها" وفي إحدى الروايات "سكاتها إذنها" وفي روايتنا الخامسة "وصمتها إقرارها".

ص: 524

(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها. أتستأمر)"ينكحها" بضم الياء وسكون النون وكسر الكاف، والمراد من "أهلها" وليها، والمراد من الجارية البكر، بدليل رواية البخاري "قالت: يا رسول الله، إن البكر تستحي"؟ ومن حكم البكر ووجوب استئمارها يعلم حكم الثيب من باب أولى.

(الأيم أحق بنفسها من وليها) الظاهر أن المراد من "الأيم" هنا الثيب، وعليه علماء الحجاز وجمهور الفقهاء، لأمور ثلاثة:

الأول: أنه جاء مفسراً بالثيب في الرواية الرابعة والخامسة.

الثاني: أنها جعلت مقابلة للبكر.

الثالث: أن أكثر استعمالها في اللغة في الثيب.

وقال الكوفيون وزفر: الأيم هنا كل امرأة لا زوج لها، بكراً كانت أو ثيباً، كما هو مقتضاه في اللغة.

قالوا: فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها، وعقدها على نفسها النكاح صحيح، وبه قال الشعبي والزهري.

واختلفوا أيضاً في المراد من كلمة "أحق" هل هي أفعل تفضيل على بابها؟ تدل على أن أمرين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر في هذه الصفة؟ بمعنى أن لها في النكاح في نفسها حقاً، ولوليها حقاً؟ وحقها أوكد من حق وليها؟ فإن أراد تزويجها كفؤاً وامتنعت لم تجبر؟ ولو أرادت أن تزوج كفؤاً فامتنع الولي أجبر؟ فإن أصر زوجها القاضي؟ لما لها من حق آكد، ومن رجحان حقها؟ وفيم هي أحق؟ هل هي أحق من وليها في الإذن والموافقة؟ أو في كل شيء من عقد وغيره؟ أو أفعل التفضيل ليس على بابه؟ والمراد وأن الأيم صاحبة الحق في نفسها في النكاح، ولا حق لوليها فيه، وأن الولي ليس من أركان صحة النكاح، بل هو من تمامه وكماله؟ كما قال الكوفيون وزفر والشعبي والزهري؟ أو أن للولي حقاً، لكن لها أن تعقد على نفسها بدونه، وتتوقف صحة النكاح على إجازته؟ كما قال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد؟ .

(تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين) أي عقد عليها وهي بنت ست سنين، وفي الرواية الثامنة "سبع سنين" ويجمع بينهما بأنها كان لها ست سنين وأشهر، فمرة جبر الكسر، ومرة ألغى الكسر.

(فوعكت شهراً) بضم الواو وكسر العين وسكون الكاف، والوعك ألم الحمى.

(فوفى شعري جميمة) معطوف على محذوف، تقديره، فتساقط شعر رأسي، فشفيت، فعاد شعري، فوفى -بفتح الواو والفاء مخففة- أي كثر ونما، حتى ظهر في هيئة جميمة -تصغير "جمة" بضم الجيم وتشديد الميم، وهي الشعر النازل إلى الأذنين ونحوهما، أي صار إلى هذا الحد، بعد أن كان قد ذهب بالمرض.

ص: 525

(فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة)"أم رومان" هي أم عائشة، وهي بضم الراء على المشهور، وحكى ابن عبد البر فتح الراء وسكون الواو، ورجحه، وخالفه النووي.

والأرجوحة بضم الهمزة كانت آنذاك خشبة عرضها نحو ثلاثين سنتيمتراً، وطولها نحو ستة أمتار، يكون وسطها على مكان مرتفع، ويجلس الأطفال على طرفيها، ويحركونها، فيرتفع جانب منها، وينزل جانب.

(فصرخت بي) أي فنادتني بصوت مرتفع.

(فقلت: هه. هه. حتى ذهب نفسي)"هه. هه" بإسكان الهاء الثانية، هاء السكت، وهو تعبير عن النفس المضطرب، من شدة الشهيق والزفير من سرعة الجري، فيتتابع النفس، وقد يحدث هذا الصوت، ويعرف بالنهج بفتح الهاء، والنفس بفتح النون والفاء، أي حتى ذهب اضطرابي، وهدأ وسكن نفسي.

(فإذا نسوة) بكسر النون وضمها، لغتان، الكسر أفصح وأشهر.

(وعلى خير طائر) أصله من التيامن بالطير، ضد التشاؤم، كأنهن يقلن: على خير ما تيمنت، أي على خير حظ وخير نصيب، ويقال في الدعاء للمسافر: على الطائر الميمون، ويقال: فلان ميمون الطائر.

(فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى)"يرعني" بفتح الياء وضم الراء وسكون العين، من راعه إذا فاجأه، والاستثناء من أعم الفاعلين، أي لم يرعني شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو حذفنا النفي والاستثناء لكان الأصل: راعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، أي فاجأني دخوله علي ضحى.

(ولعبها معها) بضم اللام وفتح العين، جمع لعبة، والمراد بها اللعب المسماة بالبنات والدمى الصغار من خيل وجمال من الصلصال، كان من عادة الجواري الصغار اللعب بها، والمقصود من هذه العبارة التنبيه إلى صغر سنها عند زفافها.

(ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة) فمكثت عنده صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وتوفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين من الهجرة.

ولفظ "ثماني" في الأصل منسوب إلى الثمن، لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية، فهو ثمنها، ثم فتحوا الثاء، لأنهم يغيرون في النسب، وحذفوا إحدى ياءى النسب، وعوضوا عنها الألف، كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن، فثبتت ياؤه عند الإضافة، وتسقط مع التنوين عند الرفع والجر، وتثبت عند النصب، "وثمان عشرة" بكسر النون، لتدل الكسرة على الياء المحذوفة.

ص: 526

-[فقه الحديث]-

يمكن توزيع أحكام تزويج المرأة بإذن أو غير إذن حسب الصور الآتية:

1 -

البكر غير البالغ يزوجها أبوها. أو يزوجها وليها غير أبيها.

2 -

البكر البالغ يزوجها أبوها. أو يزوجها وليها غير أبيها.

3 -

الثيب غير البالغ يزوجها أبوها. أو يزوجها وليها غير أبيها.

4 -

الثيب البالغ يزوجها أبوها. أو يزوجها وليها غير أبيها.

5 -

المرأة تزوج نفسها بدون ولي.

وهذا هو التفصيل:

1 -

في الروايات السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة أن عائشة رضي الله عنها تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البلوغ، وكانت بكراً، والذي زوجها أبوها، ولا يظهر من الروايات أنها استؤذنت.

وظاهر الروايات الأول أن البكر تستأذن، ولم تفصل الروايات بين البكر البالغ وغير البالغ، ولا بين أن يزوجها أبوها أو ولي آخر غير أبيها، نعم في الرواية الخامسة "والبكر يستأذنها أبوها في نفسها" مما يشير إلى التفرقة بين الأب وغيره، مجرد الإشارة، وليس دليلاً، فإن عدم ذكر غيره لا يفيد عدم صلاحية غيره.

وعن هاتين الصورتين يقول النووي عند الكلام على زواج عائشة رضي الله عنها: هذا صريح في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها، لأنه لا إذن لها، والأب كالجد عندنا، وأجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة، لهذا الحديث، وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز. [وقال أهل العراق لها الخيار إذا بلغت وقال الحافظ ابن حجر أجمعوا على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر] ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ، وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه. اهـ

أما غير الأب والجد من الأولياء فلا يجوز أن يزوجها عند الشافعي والثوري ومالك وابن أبي ليلى وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد والجمهور، قالوا: فإن زوجها فلا يصح الزواج.

وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون من السلف: يجوز لجميع الأولياء، ويصح الزواج، ولها الخيار إذا بلغت، وقال أبو يوسف: يجوز لجميع الأولياء، ويصح الزواج، ولا خيار لها.

وأما الوصي الأجنبي فقد اتفق الجماهير على أنه لا يزوجها، وجوز شريح وعروة وحماد أن يزوجها، وحكاه الخطابي عن مالك أيضاً. اهـ

ص: 527

فتحصل من هذا أن البكر غير البالغ يجوز لأبيها أن يزوجها اتفاقاً، وفي تزويج جدها وبقية الأولياء والأوصياء خلاف، وفي خيارها بعد البلوغ خلاف.

هذا عن جواز التزويج، أما ما يستحب فقد قال عنه النووي: واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ، ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، قال: وهذا لا يخالف حديث عائشة، لأن استحباب ألا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن هناك مصلحة ظاهرة، يخاف فوتها بالتأخير، أما في مثل حالة عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج، لأن الأب مأمور بمصلحة ولده، فلا يفوتها. وأما عن سن الدخول والزفاف فيقول: إن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وحده مالك والشافعي وأبو حنيفة بأن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا ينضبط بسن وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة منع منه قبل التسع لمن تطيقه، ولا إذن فيه لمن لا تطيقه وهي فوق تسع سنين.

2 -

أما البكر البالغ فظاهر الروايات الخمس الأولى الاستئذان مع عموم كل بكر، وكل ولي، وأن سكوتها يكفي مطلقاً. قال النووي: وهذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا وأحمد إن كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب، ويكفي فيه سكوتها، ولو زوجها بغير استئذانها صح، لكمال شفقته، وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان، ولم يصح إنكاحها قبله، ولا بد من نطقها، لأنها تستحي من الأب والجد أكثر من غيرها، قال: والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء، لعموم الحديث، ولوجود الحياء مع كل الأولياء.

وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح.

قال الحافظ ابن حجر: والأحاديث دالة على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، لكن قال ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحق: يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ولو كانت بالغاً، ومن حجتهم مفهوم حديث الباب، لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدل على أن ولي البكر أحق بها منها. اهـ

وفي هذا الاحتجاج نظر، فإن نفي الأحقية يصدق بالمساواة في الحقوق، فلا يجبرها، ولا يزوجها بغير إذنها، ولا تجبره، ولا تتزوج بغير إذنه.

والأحاديث جعلت سكوتها دالاً على رضاها، وهذا إذا لم تظهر منها قرينة على عدم الرضا، كأن قامت من المجلس، أو غيرت مجرى الحديث، أو ظهرت منها قرينة السخط، بأن نفرت، أو بكت، أو أظهرت الكراهة ولو بضم الشفتين، وعند بعض الشافعية: لا أثر لشيء من ذلك في المنع إلا إذا قرنت مع البكاء الصياح ونحوه.

وهل يستحب إعلامها أن سكوتها إذن؟ قال ابن المنذر: يستحب ولا يشترط، وهو مذهب الشافعية والجمهور وشرطه بعض المالكية، وقال ابن شعبان من المالكية: يقال لها: إن رضيت

ص: 528

فاسكتي، وإن كرهت فانطقي (ثلاثاً) وقال بعضهم: يطيل المستأذن المقام عندها، لئلا تخجل، فيمنعها ذلك من المسارعة، ولو قالت بعد العقد: ما كنت أعلم أن سكوتي قبول وإذن، لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور، ويبطل عند بعض المالكية.

[ملحوظة] علم من جعل سكوتها في قوة إذنها وموافقتها أن موافقتها الصريحة ونطقها بذلك إذن بداهة من باب أولى، وقد أغرب بعض أهل الظاهر، فجعلوا السكوت علامة على الرضا، ولم يقبلوا النطق بالموافقة، وقوفاً عند ظاهر قوله "وإذنها أن تسكت".

3 -

أما الثيب غير البالغ فقال مالك وأبو حنيفة: يزوجها أبوها، كالبكر، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد" لا يزوجها أبوها إذا زالت البكارة بالوطء، سواء كان ذلك بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا، لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال، فلا بد من استئذانها، ولا بد من النطق بموافقتها، أما لو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث؛ فقيل: لها حكم الثيب، وقيل: لها حكم البكر.

4 -

وأما الثيب البالغ فقد قال الحافظ ابن حجر: لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها، اتفاقاً، إلا من شذ.

5 -

وأما عن الولي في النكاح فقد قال النووي: قال مالك والشافعي وأحمد، يشترط، ولا يصح نكاح إلا بولي، ولا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلاً.

وقال أبو حنيفة: لا يشترط في الثيب ولا في البكر البالغة، بل لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها.

وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها، ولا يجوز بغير إذنه.

وقال داود: يشترط الولي في تزويج البكر، دون الثيب.

واستدل المالكية والشافعية على اشتراط الولي في النكاح بما يأتي:

1 -

قوله تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232]. فقد أخرج البخاري عن معقل بن يسار أنها نزلت فيه حيث زوج رجلاً أختاً له فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقال له معقل: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها، ثم جئت تخطبها. لا. والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع، فأنزل الله هذه الآية. فالآية ظاهرة في أن العضل يتعلق بالأولياء.

وقوله تعالى {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221]. فالإنكاح خوطب به الأولياء. كذلك قوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32].

2 -

حديث البخاري في عرض عمر رضي الله عنه بنته حفصة على عثمان، ثم على أبي بكر رضي الله عنهما، ثم تزويجه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثبت به أن التزويج للأولياء.

ص: 529

3 -

حديث "لا نكاح إلا بولي" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.

4 -

حديث "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل".

5 -

أحاديث الباب "البكر تستأذن. والأيم تستأمر" جعلت الولاية هي الأصل، وللبكر والثيب الاستئذان والاستثمار.

6 -

أن الولي يصيبه العار إذا تزوجت من غير إذنه بغير كفء، فكان المختص بالتزويج ليدفع عن نفسه العار.

ورد الحنفية بأن حديث "لا نكاح إلا بولي" ليس بمتفق عليه، فلا يعارض ما اتفق عليه، ونقلوا كلام المحدثين فيه وعلى فرض صحته فمعناه لا نكاح كامل، فالمنفي الكمال لا الصحة وبأن حديث "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. فنكاحها باطل" قال الترمذي: قد تكلم بعض أهل الحديث فيه. فلا حجة فيه.

واحتجوا بحديث "والثيب أحق بنفسها من وليها".

كما احتجوا بالقياس على البيع، فإنها تستقل به، وخصوا بهذا القياس عموم الأحاديث الواردة في اشتراط الولي، فخصوها بالأمة والصغيرة، وتخصيص العموم بالقياس عمل سائغ وجائز عند كثير من علماء الأصول.

هذا وقد اختلف العلماء في الأولياء. من هم؟ فقال مالك والثوري والليث والشافعي والجمهور: الأولياء في النكاح هم العصبة. وليس للخال، ولا والد الأم، ولا الأخوة من الأم ولاية.

وعن الحنفية: هؤلاء من الأولياء.

[ملحوظة] أخرج أبو داود من حديث ابن عمر رفعه "وآمروا النساء في بناتهن" قال الشافعي: لا خلاف أنه ليس للأم أمر، لكنه على معنى استطابة النفس. اهـ

وقد ترجم البخاري بباب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاح مردود، وذكر تحته حديث خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحها.

قال الحافظ ابن حجر: رد النكاح إذا كانت ثيباً، فزوجت بغير رضاها إجماع، إلا ما نقل عن الحسن أنه أجاز إجبار الأب للثيب ولو كرهت، وعن النخعي: إن كانت في عياله جاز، وإلا رد، واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها، فقالت الحنفية: إن أجازته جاز، وعن المالكية: إن أجازته عن قرب جاز، وإلا فلا، ورده الباقون مطلقاً.

-[ويؤخذ من حديث زواج عائشة رضي الله عنها: ]-

1 -

استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين.

ص: 530

2 -

واستحباب تنظيف العروس وتزيينها لزوجها.

3 -

واستحباب اجتماع النساء لذلك، ولأنه يتضمن إعلان النكاح، ولأنهن يؤنسنها ويؤدبنها ويعلمنها آدابها حال الزفاف، وحال لقائها للزوج.

4 -

وجواز الزفاف والدخول بالعروس نهاراً. وهو جائز ليلاً ونهاراً.

5 -

وجواز اتخاذ اللعب. وإباحة لعب الجواري بهن، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك فلم ينكره.

قالوا: سببه تدريبهن لتربية الأولاد وإصلاح شأنهن وبيوتهن. قال النووي: هذا كلام القاضي، ويحتمل أن يكون مخصوصاً من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور، لما ذكره من المصلحة، ويحتمل أن يكون هذا منهياً عنه، وكانت قصة عائشة هذه ولعبها في أول الهجرة قبل تحريم الصور.

والله أعلم

ص: 531