المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

2535 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: خر رجل من بعيره، فوقص، فمات، فقال:"اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً".

2536 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته، قال أيوب فأوقصته (أو قال: فأقعصته) وقال عمرو: فوقصته. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه. (قال أيوب) فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً). وقال عمرو "فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي".

2537 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم. فذكر نحو ما ذكر حماد عن أيوب.

2538 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبل رجل حراماً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فخر من بعيره، فوقص وقصاً، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اغسلوه بماء وسدر، وألبسوه ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يأتي يوم القيامة يلبي".

2539 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبل رجل حرام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمثله. غير أنه قال "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً". وزاد: لم يسم سعيد بن جبير حيث خر.

2540 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أوقصته راحلته وهو محرم، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً".

ص: 160

2541 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماً، فوقصته ناقته، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً".

2542 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً وقصه بعيره، وهو محرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر، ولا يمس طيباً، ولا يخمر رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً.

2543 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فوقع من ناقته، فأقعصته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر، وأن يكفن في ثوبين، ولا يمس طيباً، خارج رأسه. "خارج رأسه ووجهه"، فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً.

2544 -

قال ابن عباس رضي الله عنهما وقصت رجلاً راحلته، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسلوه بماء وسدر، وأن يكشفوا وجهه -حسبته قال: ورأسه، فإنه يبعث يوم القيامة وهو يهل.

2545 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فوقصته ناقته، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اغسلوه، ولا تقربوه طيباً، ولا تغطوا وجهه، فإنه يبعث يلبي".

-[المعنى العام]-

لمن مات محرماً فضل وأجر كبير، يصوره هذا الحديث وتلك القصة، رجل من الصحابة حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف معه في عرفة، يركب ناقته كما كان الكثيرون يركبون فسقط من فوق ناقته حين نفرت به، فانكسرت رقبته، ومات وكان أول من يموت محرماً ليبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما يفعل بالمحرم إذا مات.

ص: 161

كان الحكم الشرعي أن يغسل كما يغسل من يموت دون إحرام، بماء وسدر، وأن يكفن في إزاره وردائه اللذين كان محرماً فيهما، وأن يظل بهيئة الإحرام، فلا يحنط ولا يمس بالطيب، ولا يغطى رأسه، فإن الله تعالى سيبعثه على الهيئة التي مات عليها، وستشهد له ثيابه أمام الخلائق بأنه مات محرماً أثناء عبادته ربه، شهادة تشريف وتكريم.

-[المباحث العربية]-

(خر رجل من بعيره) في الرواية الثانية "وقع من راحلته" وفي الرواية الثامنة "فوقع من ناقته" والمعنى واحد، وأن الرجل كان راكباً ناقة أو بعيراً، لم يتبين ابن عباس الذكورة أو الأنوثة، ولم يعبأ بها، لأنها لا تأثير لها في الحادثة.

(فوقص) بالبناء للمجهول، وفي الرواية الثانية "فأوقصته" أو "فأقعصته" أو "فوقصته" وفي الرواية الثالثة "فوقص وقصاً" وفي الرواية السابعة "وقصه بعيره".

قال الحافظ ابن حجر: المعروف عند أهل اللغة "وقصته" والذي بالهمز شاذ والوقص كسر العنق، وقال: ويحتمل أن يكون فاعل "وقصته" الوقعة أو الراحلة، بأن تكون أصابته بعد أن وقع. والأول أظهر. اهـ

والأظهر عندي خلاف الأظهر عنده، ففي الرواية الخامسة "أوقصته راحلته" وفي السادسة والعاشرة "فوقصته ناقته" وفي السابعة "وقصه بعيره" وفي التاسعة "وقصت رجلاً راحلته" وكلها تصرح بفاعل الوقص وأنه الناقة، فإن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فعلاً فإسناد الوقص إلى الراحلة مجاز في هذه النصوص.

وأما معنى "فأقعصته" أي قتلته في الحال، ومنه قعاص الغنم، وهو موتها بداء يأخذها، تموت فجأة، وفي رواية للبخاري "فأقصعته" بتقديم الصاد على العين أي هشمته يقال: أقصع القملة إذا هشمها.

(اغسلوه بماء وسدر) السدر: شجر النبق، وأوراقه تقوم مقام الصابون برائحة طيبة، ويوضع في ماء الغسل.

(وكفنوه في ثوبيه) وكذا في الرواية الخامسة والسادسة، وفي الرواية الثالثة "وألبسوه ثوبيه" وأما في الرواية الثانية "وكفنوه في ثوبين" وفي الثامنة "وأن يكفن في ثوبين" بدون إضافة، وفي ذلك بحث فقهي يأتي.

(ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوا رأسه بالخمار، وفي الرواية الخامسة "ولا تخمروا رأسه ولا وجهه" وفي ملحق الرواية الثامنة "خارج رأسه ووجهه" وفي الرواية التاسعة "وأن يكشفوا وجهه ورأسه" وفي الرواية العاشرة "ولا تغطوا وجهه" وسيأتي الكلام على كشف الوجه في فقه الحديث.

ص: 162

(فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) أي على الحالة التي مات عليها، وفي ملحق الرواية الثانية، وفي الرواية الثالثة، والعاشرة "يبعث يلبي" وفي التاسعة "يبعث يوم القيامة وهو يهل" لكن في الرواية السادسة والسابعة والثامنة "ملبداً" بالدال بدل الياء، والتلبيد: جمع الشعر بصمغ أو غيره ليخف شعثه، وكانت عاداتهم في الإحرام أن يفعلوا ذلك، قاله الحافظ ابن حجر، وقال: ليس قوله "ملبداً" فاسد المعنى، بل توجيهه ظاهر، وأنكر القاضي عياض هذه الرواية وقال ليس للتلبيد معنى.

(بينا رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقع) في رواية البخاري "بينما رجل واقف" وهي "بين" الظرفية، أطلقت بعدها الألف، أو زيدت عليها "ما" والعامل فيها معنى المفاجأة، والتقدير: فاجأ الوقوع رجلاً وقت وقوفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: واستدل بلفظ "واقف" على إطلاق لفظ الواقف على الراكب.

(فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره عند سقوطه فأخبر به، إذ لا يشترط في المعية القرب، فكل أهل الموقف حينئذ كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه رآه يقع، وذكر له أنه وقص ومات.

(ولا تحنطوه) الحناط بكسر الحاء، والحنوط بفتحها: كل ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة من مسك وذريرة وصندل وعنبر وكافور وغير ذلك. وفي الرواية السادسة "ولا تمسوه بطيب" بضم التاء وكسر الميم وضم السين المشددة من أمس وفي الرواية السابعة والثامنة "ولا يمس طيباً" بضم الياء وفتح الميم، وفي الرواية العاشرة "ولا تقربوه طيباً" بضم التاء وفتح القاف وكسر الراء المشددة.

(أقبل رجل حراماً) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها "حرام"[كما في روايتنا الرابعة] وهذا هو الوجه، وللأول وجه، وهو أن يكون حالاً، وقد جاءت الحال من النكرة على قلة.

(فوقص وقصاً) أي فكسر عنقه كسراً شديداً.

(خارج رأسه) من الكفن.

-[فقه الحديث]-

في أحكام هذا الحديث خلاف بين الفقهاء.

قال النووي: في هذه الروايات دلالة بينة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحق وموافقيهم في أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط، ولا تخمر رأسه، ولا يمس طيباً وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهم: يفعل به ما يفعل بالحي وهذا الحديث راد عليهم. اهـ

أما وجهة نظر كل من الفريقين فيقول المالكية ومن معهم: إن الإحرام ينقطع بالموت،

ص: 163

فيصنع بالميت ما يصنع بالحي، قال ابن دقيق العيد الشافعي: وهو مقتضى القياس لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، ويرد بعض المالكية على الحديث: بأنه واقعة حال، يتطرق الاحتمال إلى منطوقها.

ويقول بعض الحنفية: إن الحديث ليس عاماً بلفظه، لأنه في شخص معين وليس عاماً بمعناه، لأنه لم يقل: يبعث ملبياً لأنه محرم، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل، ويقول بعض هذا الفريق عن الحديث بأنه مخصوص بذلك الرجل، لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث ملبياً شهادة بأن حجه قد قبل، وذلك غير محقق لغيره.

ويرد ابن دقيق العيد على هذا: بأن هذه الصفة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعم كل محرم، وأما القبول وعدمه فأمر مغيب، وأيده ابن المنير، فقال: قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء "زملوهم بدمائهم" مع قوله: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب، فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم، وبين المجاهد والمحرم جامع، لأن كلاً منهما في سبيل الله.

ويتعلل بعض المالكية بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وليس هذا منها، فينبغي أن ينقطع عمله بالموت. وأجيب: بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده، كغسله والصلاة عليه، فلا معنى لما ذكروه.

وأورد بعضهم: أنه لو كان إحرامه باقياً لوجب أن يكمل به المناسك [بأن يحمل ويطاف به ويسعى به إلخ] ولا قائل به، وأجيب: بأن ذلك ورد على خلاف الأصل، فيقتصر به على مورد النص، ولا سيما وقد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد.

-[ويؤخذ من الحديث بعد ما تقدم: ]-

1 -

جواز الكفن في ثوبين، وأما الثلاثة أثواب الواردة في حديث عائشة فهي للاستحباب، وهو قول الجمهور، وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق.

2 -

استدل بقوله في الرواية الثانية والثامنة "ثوبين" على استبدال ثياب المحرم، وليس بشيء، فإن الرواية الأولى والثالثة والخامسة والسادسة لفظها "في ثوبيه" أي إزاره وردائه.

3 -

استدل بقوله "بماء وسدر" على استحباب السدر في غسل الميت، وأن المحرم في ذلك كغيره، قال النووي: وهذا مذهبنا، ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون.

4 -

وأن التكفين في الثياب الملبوسة جائز، قال النووي: وهو مجمع عليه.

5 -

وأن الكفن مقدم على الدين وغيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل: هل عليه دين مستغرق أم لا؟ .

6 -

وأن التكفين واجب، وهو إجماع في حق المسلم، وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه.

7 -

استدل بالنهي عن تخمير الوجه الوارد في روايتنا الخامسة وملحق الثامنة والتاسعة

ص: 164

والعاشرة على كشف وجه المحرم مع رأسه، لأللوالشافعية والمالكية والحنفية على خلافه، لأن المالكية والحنفية لا يقولون بكشف الرأس كما سبق والشافعية الذين يقولون بكشف رأس المحرم لا يقولون بحرمة تغطية وجهه ويتأول هذه الروايات بأن النهي فيها عن تغطية الوجه ليس لكونه وجهاً، وإنما هو صيانة للرأس، لأنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه. قال النووي: وفيه نظر.

8 -

واستدل به على استحباب الحنوط للميت غير المحرم، لأنه نهي عن الحنوط للمحرم، ثم علل ذلك بأنه يبعث ملبياً، فدل على أن سبب النهي أنه كان محرماً، فإذا انتفت العلة انتفى النهي. قال البيهقي: فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه.

9 -

قال ابن المنذر: وفيه إباحة أن يغتسل المحرم الحي بالسدر، خلافاً لمن كرهه له.

10 -

استدل به على ترك النيابة في الحج، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً أن يكمل عن هذا المحرم أفعال الحج. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لا يخفى. اهـ

11 -

قال ابن بطال: فيه أن من شرع في عمل طاعة، ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجى له أن يكتبه الله له في الآخرة من أهل ذلك العمل.

12 -

قال النووي: وفيه دليل على استحباب دوام التلبية في الإحرام.

13 -

وعلى استحباب التلبيد فيه.

والله أعلم

ص: 165