المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

(347) باب فرض الحج مرة في العمر

2879 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام؟ يا رسول الله! فسكت. حتى قالها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم". ثم قال "ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

-[المعنى العام]-

الحج عبادة شاقة على عامة المسلمين، تقتضي سفراً طويلاً، والسفر قطعة من العذاب، وتمنع من مباحات ومتع، بما عرف فيها من محرمات الإحرام، وفي ذلك حجر وتضييق ومشقة ليست بالهينة، وتلزم بأداء الشعائر في ظروف صعبة، في جبال وزحام، ومن ذاق عرف. من هنا كانت رحمة الله بالأمة أن فرضه في العمر مرة واحدة {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]. ومن هنا كان أجر هذه الحجة مبشراً بالكفارة "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه". "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

لكن الإنسان بطبيعته خلق عجولاً، كثير التطفل والتساؤل، فمن عصمه الله اتسم بالحلم والحكمة والتفكير في القول قبل النطق به، والحمقى يضربون بألسنتهم يميناً وشمالاً، وقد يكون في ذلك ضرر لهم ولغيرهم، ومن هذا القبيل سؤال من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل الحج واجب في كل عام أو مرة واحدة في العمر؟ إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم في أمر البقرة، وهذا الرجل ينحو نحوهم في التشديد، فنهى عن ذلك، وأعلن له ولغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة التيسير على الأمة.

-[المباحث العربية]-

(قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فرض الله الحج على الأمة بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال العيني: اللام في {ولله} لام الإيجاب، أي ولله فرض واجب على الناس حج البيت. اهـ وليس معنى الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهم آية الإيجاب، فقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه قال لما نزلت:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ .

ص: 386

فكأنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الآية، وبينها بالحديث، فذكروا إشكالهم.

(فقال رجل) قال النووي هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس، كذا جاء مبيناً في غير هذه الرواية. اهـ

وكان صلى الله عليه وسلم يسميه الأحمق المطاع وكان فيه شيء من جفاة الأعراب.

ولعل هذا السؤال كان يدور بخلد كثير من الصحابة، لذا أسند القول إلى المجموع في كثير من الروايات، فعند أحمد وابن ماجه "قالوا يا رسول الله" والباعث على هذه الشبهة أن الأمر في ذاته قد يقتضي التكرار، حتى إن بعض الأصوليين قالوا إنه يقتضي التكرار، والصحيح عند الشافعية أنه لا يقتضيه، وإن احتمله، وهناك قول ثالث بالتوقف، فالسائل سأل استظهاراً واحتياطاً. وقال الماوردي ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عند السائل من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر، فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق، لا من مطلق الأمر، وقد تعلق بوجهة النظر هذه من قال بإيجاب العمرة، وقال لما كان قوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت} يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة، لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع. اهـ فللسائل عذره، واللوم يتجه إليه من حيث الإلحاح والتكرير، وكان يكفيه سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرد عليه مرة ومرتين، وقد عودهم أن سكوته عن السؤال انصراف عنه.

(لوجبت) أي للزمت وفرضت كلمة نعم أي مضمونها، وهو الوجوب كل عام.

(ذروني ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء، ولا نهي عن شيء، أي ذروا سؤالي فيما تركته، فإنني لا أترك عن تقصير أو نسيان. زاد الدارقطني في هذا الحديث فنزلت:{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101].

(وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) عدم التقييد في النهي بالاستطاعة لأن كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: أجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع، وقد تجب زيادة، بالنذر، أو بدخول الحرم لحاجة لا تكرر، كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة.

-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-

1 -

شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، مصداقاً لقوله تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].

ص: 387

2 -

قال النووي قد يستدل بهذا الحديث من يتوقف في اقتضاء الأمر التكرار أو عدم اقتضائه، لأنه سأل فقال أكل عام؟ ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل، ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى السؤال، بل مطلقه محمول على كذا.

3 -

كما استدل بعضهم بقوله "ذروني ما تركتكم" على أن الأمر لا يقتضي التكرار.

4 -

واستدل بعضهم بقوله "ذروني ما تركتكم" على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين، لقوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [الإسراء: 15].

5 -

في قوله صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت" دليل للمذهب الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي وقيل يشترط. قال النووي وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحي إليه ذلك.

6 -

قال النووي عن قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات، أو فطرة جماعة ممن تلزمه نفقتهم، أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته، أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. وأما قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102]. ففيها مذهبان أحدهما أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} والثاني وهو الصحيح أو الصواب وبه جزم المحققون أنها ليست منسوخة، بل قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} مفسرة لها، ومبينة للمراد بها. قالوا وحق تقاته هو امتثال أمره، واجتناب نهيه، ولم يأمر سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع، قال الله تعالى لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وقال تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].

7 -

قوله: "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" ليس على إطلاقه، فقد يوجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة، أو شرب الخمر عند الإكراه، أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك. وذهب البعض إلى أنه على إطلاقه، وأن المكلف ليس منهياً عن ذلك في تلك الحال.

8 -

استدل بقوله: "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" على أن المكروه يجب اجتنابه، لعموم

ص: 388

الأمر باجتناب المنهي عنه. والتحقيق أن الأمر بالاجتناب في المحرم بدرجة، وفي المكروه بدرجة. والله أعلم.

9 -

قال الحافظ ابن حجر: يؤخذ منه النهي عن كثرة السؤال، لما فيه غالباً من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل كما حصل لبني إسرائيل في أمر ذبح البقرة. اهـ وفي البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال، وفيه بحوث قيمة، لا يتسع لها المقام.

والله أعلم

ص: 389