المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

(334) باب استحباب الرمل في الطواف

2683 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، خب ثلاثاً ومشي أربعاً. وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة. وكان ابن عمر يفعل ذلك.

2684 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة، أول ما يقدم، فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت. ثم يمشي أربعة. ثم يصلي سجدتين. ثم يطوف بين الصفا والمروة.

2685 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة، إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف حين يقدم، يخب ثلاثة أطواف من السبع.

2686 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثاً. ومشى أربعاً.

2687 -

عن نافع؛ أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر. وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله.

2688 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه. ثلاثة أطواف.

ص: 276

2689 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر.

2690 -

عن أبي الطفيل. قال: قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف، ومشي أربعة أطواف. أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: فقال: صدقوا. وكذبوا. قال: قلت: ما قولك: صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة. فقال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزل. وكانوا يحسدونه. قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثاً. ويمشوا أربعاً. قال: قلت له: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً. أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: صدقوا وكذبوا. قال قلت: وما قولك: صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس. يقولون: هذا محمد. هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه. فلما كثر عليه ركب. والمشي والسعي أفضل.

2691 -

وبهذا الإسناد، (

) نحوه. غير أنه قال: وكان أهل مكة قوم حسد. ولم يقل: "يحسدونه".

2692 -

عن أبي الطفيل. قال: قلت لابن عباس: إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت. وبين الصفا والمروة. وهي سنة. قال: صدقوا وكذبوا.

2693 -

عن أبي الطفيل. قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فصفه لي. قال: قلت: رأيته عند المروة على ناقة. وقد كثر الناس عليه. قال: فقال ابن عباس: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنهم كانوا لا يدعون عنه ولا يكهرون.

2694 -

عن ابن عباس. قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة. وقد وهنتهم

ص: 277

حمى يثرب. قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى. ولقوا منها شدة. فجلسوا مما يلي الحجر. وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط. ويمشوا ما بين الركنين. ليرى المشركون جلدهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم. هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم.

2695 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت، ليري المشركين قوته.

-[المعنى العام]-

ابتليت المدينة في أوائل الهجرة بكثرة مرض الحمى، وخرج المهاجرون من مكة تاركين أموالهم بها، وقاسموا الأنصار أموالهم، فكانت الحياة صعبة والمعيشة ضيقة، حتى بدت الأجسام هزيلة أو ضعيفة، ولكن قوة الإيمان وقوة العقيدة كانت تجعل حركتهم ونشاطهم أقوى من الأقوياء، وصدق القائل: إن قوة العزيمة أعظم وأشد من قوة العضلات وصدق الرسول الكريم إذ يقول "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" قوة العزيمة تجعل من ضعيف البدن شجاعاً مقداماً، وضعف العزيمة تجعل من قوي البدن جباناً فراراً.

لقد علم مشركوا مكة ضعف أجسام المسلمين بالمدينة، وها هم قد أذن الله لهم بالعمرة والطواف حول الكعبة، وانتظر المشركون أن يروا أناساً هزيلة حركاتهم، خائرة قواهم، يتساقطون إعياء عند طوافهم، وقعدوا لهم في حجر إسماعيل، ليهزءوا بهم ويسخروا منهم، لكن القائد الحكيم رد سهام المشركين إلى نحورهم، وأصدر تعاليمه للمسلمين بأن يرملوا ويسرعوا المشي في الطوفات الثلاث الأولى، ليرى المشركون أن المسلمين أقوياء قوة لا تخطر ببال المشركين، وأعان الله المسلمين على الرمل والطواف والسعي، وقال المشركون بعضهم لبعض: أهؤلاء الذين ظننتم أنهم ضعفاء، إن ضعيفهم أقوى من كثير منا.

وصار الرمل في الطواف في أشواطه الثلاثة الأولى والسعي والمشي السريع فيما بين الميلين في السعي بين الصفا والمروة سنة متبعة، يرى بها أعداء الإسلام قوة الإيمان.

ص: 278

-[المباحث العربية]-

(خب ثلاثاً) قال النووي: الخبب هو الرمل بفتح الميم والراء، فالرمل والخبب بمعنى واحد، وهو إسراع المشي، مع تقارب الخطا ولا يثب وثباً. اهـ وقال ابن دريد: هو شبيه بالهرولة. اهـ يقال: خب بفتح الخاء يخب بضمها مع تشديد الباء، و"ثلاثاً" و"أربعاً" بدون تاء على تقدير معدود مؤنث، قال النحاة: إذا كان المميز غير مذكور جاز في العدد التذكير والتأنيث، وفي الرواية الثانية "ثلاثة" و"أربعة" والمعدود هنا طواف وشوط وجمعها أطواف وأشواط، أو طوفة وجمعها طوفات.

(وكان يسعى ببطن المسيل) قال النووي: وهو قدر معروف، وهو من قبل وصوله إلى الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد، إلى أن يحاذي الميلين الأخضرين المتقابلين اللذين بفناء المسجد ودار العباس. اهـ وقد حدد كل طرف من طرفيها بعمودين باللون الأخضر على جانبي المسعي، والمراد من السعي بين الميلين الإسراع في المشي كالهرولة. اهـ "وبطن المسيل" المكان المنخفض من الوادي الذي بين الصفا والمروة سمي بذلك لأن السيل كان يجتمع فيه.

(ثم يمشي أربعة) من أشواط الطواف بالبيت، أي مشيه العادي دون رمل ولا خبب ولا هرولة.

(ثم يصلي سجدتين) أي ركعتين كاملتين كالصبح، من باب تسمية الكل باسم الجزء، أي إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله "عتق رقبة".

(إذا استلم الركن الأسود) الاستلام هو المسح باليد عليه، مأخوذ من السلام بفتح السين، أي التحية، أو من السلام بكسر السين، أي الحجارة.

(أول ما يطوف)"أول" منصوب على الظرفية، والعامل "استلم".

(خبب ثلاثة أطواف من السبع) هكذا "ثلاثة" بالتاء، و"السبع" بدون تاء، وقد سبق قريباً أن حذف المعدود يجيز تذكير العدد وتأنيثه.

(من الحجر إلى الحجر) في الرواية السادسة "رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه" والمقصود أن الرمل يغطي الطوفة كاملة، فلا يتوافق مع الرواية الثانية عشرة في قول ابن عباس "ويمشوا ما بين الركنين".

(رمل الثلاثة أطواف) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ المعتمدة، وفي نادر منها "الثلاثة الأطواف" وفي أندر منه "ثلاثة أطواف" فأما "ثلاثة أطواف" فلا شك في جوازه وفصاحته، وأما "الثلاثة الأطواف" بالألف واللام ففيه خلاف مشهور بين النحويين، منعه البصريون، وجوزه الكوفيون، وأما "الثلاثة أطواف" بتعريف الأول وتنكير الثاني -كما وقع في معظم النسخ- فمنعه جمهور النحويين، وهذا الحديث يدل لمن جوزه.

ص: 279

(صدقوا وكذبوا) يعني صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكذبوا في قولهم: إنه سنة مقصودة متأكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائماً على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى. هذا معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما.

(لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال) قال النووي: هو في معظم النسخ "الهزل" بضم الهاء وإسكان الزاي، قال القاضي عياض: وهو وهم، والصواب "الهزال" بضم الهاء وزيادة الألف. قال النووي: وللأول وجه وهو أن يكون بفتح الهاء، لأن الهزل بفتح الهاء مصدر هزلته هزلاً، كضربته ضرباً، وتقديره: لا يستطيعون يطوفون، لأن الله هزلهم. والله أعلم.

(حتى خرج العواتق من البيوت) جمع عاتق، وهي البكر البالغة، أو المقاربة للبلوغ، وقيل: التي تتزوج سميت بذلك لأنها عتقت من استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف التي تفعله الطفلة الصغيرة. والمقصود من العبارة المبالغة في خروج الكل، حتى من لا تخرج من النساء عادة خرجت.

(أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة أي أظنني، ولم يجزم بذلك خشية أن يكون قد رأى غيره فظنه هو من الزحام.

(إنهم كانوا لا يدعون عنه، ولا يكرهون)"لا يدعون" بضم الياء وفتح الدال وتشديد العين، أي لا يدفعون، ومنه قوله تعالى {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} [الطور: 13]. "ولا يكرهون" بضم الياء وسكون الكاف وفتح الراء، أي لا يكرههم أحد على البعد عنه، قال النووي: وفي بعض الأصول من صحيح مسلم "ولا يكهرون" بتقديم الهاء على الراء من الكهر، وهو الانتهار.

(وهنتهم) بفتح الهاء مخففة، أي أضعفتهم، يقال: وهنته الحمى، وأوهنته لغتان.

(حمى يثرب) هذا هو الاسم الذي كان للمدينة في الجاهلية، وسميت في الإسلام "المدينة" و"طيبة" و"طابة" وسيأتي بسط ذلك في آخر كتاب الحج، حيث ذكر مسلم أحاديث المدينة وتسميتها إن شاء الله تعالى.

(فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا) ضمير "جلسوا" للمشركين، وضمير "أمرهم" للمسلمين. أي فجلس المشركون بجوار حجر إسماعيل ينظرون إلى المسلمين في طوافهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يرملوا ثلاثة أشواط.

(ويمشوا ما بين الركنين) ما بين الركنين اليمانيين المقابلين لحجر إسماعيل، فلا يرملوا، بل يستريحوا من الرمل ويمشوا على عادتهم على مهل، حيث لا يراهم المشركون. وسيأتي تحقيق ذلك في فقه الحديث.

(إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة، فباء ساكنة بعدها قاف، ثم مد، أي الرفق بهم.

ص: 280

-[فقه الحديث]-

قال النووي: والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأولى من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج، واختلفوا في ذلك الطواف، وهما قولان للشافعي، أصحهما أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي، ويتصور ذلك في طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع، لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم، وفي نيته أن يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه، بل يرمل في طواف الإفاضة.

والقول الثاني أن يرمل في طواف القدوم، سواء أراد السعي بعده أم لا.

ثم قال: قال أصحابنا: فلو أخل بالرمل في الثلاث الأولى من السبع لم يأت به في الأربع الأواخر، لأن السنة في الأربع الأخيرة المشي على العادة، فلا يغيره، ولو لم يمكنه الرمل للزحمة أشار في هيئة مشيه إلى صفة الرمل، ولو لم يمكنه الرمل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها فالأولى أن يتباعد ويرمل، لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة، لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى.

ثم قال: واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء، كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة، ولو ترك الرجل الرمل حيث شرع له فهو تارك سنة، ولا شيء عليه. هذا مذهبنا، واختلف أصحاب مالك فقال بعضهم: عليه دم، وقال بعضهم: لا دم عليه، كمذهبنا.

-[ويؤخذ من الأحاديث: ]-

1 -

من الرواية الأولى من قوله "وكان يسعى ببطن المسيل" استحباب أن يكون سعيه شديداً في هذا المكان، وهو مجمع عليه.

2 -

ومن قوله في الرواية الثانية "ثم يصلي سجدتين" استحباب ركعتي الطواف، قال النووي: وهما سنة على المشهور من مذهبنا، وفي قول: واجبتان.

3 -

ومن قوله "ثم يطوف بين الصفا والمروة" وجوب الترتيب بين الطواف والسعي وأنه يشترط تقدم الطواف على السعي، فلو قدم السعي لم يصح السعي، وهذا مذهب الشافعية ومذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف لبعض السلف.

4 -

ومن الرواية الثالثة استحباب استلام الحجر الأسود في ابتداء الطواف، وهو سنة من سنن الطواف بلا خلاف.

5 -

وقد استدل بقوله "الركن" القاضي أبو الطيب من الشافعية على أنه يستحب أن يستلم الحجر الأسود، وأن يستلم معه الركن الذي هو فيه، فيجمع في استلامه بين الحجر والركن جميعاً، واقتصر جمهور الشافعية على أنه يستلم الحجر.

ص: 281

6 -

ومن قوله في الرواية الرابعة "رمل من الحجر إلى الحجر" أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر، وأما حديث ابن عباس، روايتنا الثانية عشرة، وفيها "أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين" فمنسوخ بالحديث الأول لأن حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا إظهاراً للقوة، واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين لأن المشركين كانوا جلوساً في الحجر، وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين، ويرونهم فيما سوى ذلك، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر، فوجب الأخذ بهذا المتأخر. قاله النووي.

7 -

ومن قول ابن عباس من كون الرمل ليس سنة مقصودة بيان مذهبه في ذلك وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم، فقالوا: هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع، وعن بعضهم: إذا ترك الرمل لزمه دم، ودليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع في الطوفات الثلاث الأولى، ومشى في الأربع، ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:"لتأخذوا عني مناسككم".

وقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ما لنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه" زاد في رواية "ثم رمل".

8 -

ومن قول ابن عباس في السعي راكباً جواز الركوب في السعي بين الصفا والمروة، لكن المشي أفضل منه إلا لعذر.

9 -

ومن الرواية الحادية عشرة حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وحسن معاملته لأمته.

10 -

ومن قوله في الرواية الثانية عشرة "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم" عطفه وشفقته ورأفته صلى الله عليه وسلم بأمته، وصدق الله العظيم إذ يقول {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].

11 -

ويؤخذ من دوافع بدء الرمل جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار، إرهاباً لهم، ولا يعد ذلك من الرياء.

12 -

وفيه جواز المعاريض بالفعل، كما يجوز بالقول، وربما يكون بالفعل أولى.

والله أعلم

ص: 282