المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٥

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(311) باب فضل الصيام والتطوع به

- ‌(312) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌(313) باب الاعتكاف في رمضان

- ‌(314) باب صوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج

- ‌(315) باب ما يباح وما لا يباح لبسه للمحرم بحج أو عمرة

- ‌(316) باب مواقيت الحج

- ‌(317) باب التلبية وصفتها ووقتها

- ‌(318) باب من أي مكان من الميقات يحرم الحاج القادم من المدينة

- ‌(319) باب استحباب الطيب قبل الإحرام

- ‌(320) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم

- ‌(321) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

- ‌(323) باب جواز الحجامة للمحرم

- ‌(324) باب جواز مداوة المحرم عينيه

- ‌(325) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

- ‌(326) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

- ‌(327) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر

- ‌(328) باب إحرام النفساء

- ‌(329) باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(330) باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانها

- ‌(331) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(332) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

- ‌(333) باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة

- ‌(334) باب استحباب الرمل في الطواف

- ‌(335) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود في الطواف وجواز الطواف راكباً

- ‌(336) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن وأنه لا يكرر

- ‌(337) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يوم النحر والتلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات والإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح، وتقديم دفع الضعفة

- ‌(338) باب رمي جمرة العقبة والذبح والحلق وطواف الإفاضة

- ‌(339) باب نزول المحصب يوم النفر

- ‌(340) باب المبيت بمنى أيام التشريق وفضل القيام بالسقاية

- ‌(341) باب الهدي والتصدق بلحمه وجلده، والاشتراك فيه، وكيفية نحره وبعثه إلى الحرم، وتقليده، وجواز ركوبه، وما يفعل به إذا عطب

- ‌(342) باب طواف الوداع

- ‌(343) باب دخول الكعبة والصلاة فيها

- ‌(344) باب نقض الكعبة وبنائها

- ‌(345) باب الحج عن العاجز والميت

- ‌(346) باب حج الصبي

- ‌(347) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(348) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

- ‌(349) باب الذكر عند السفر إلى الحج وعند الرجوع منه

- ‌(350) باب النزول ببطحاء ذي الحليفة

- ‌(351) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

- ‌(352) باب فضل يوم عرفة

- ‌(353) باب فضل الحج والعمرة

- ‌(354) باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

- ‌(355) باب ما يقيم المهاجر في مكة إذا فرغ من الحج والعمرة

- ‌(356) باب تحريم مكة، وتحريم صيدها، وخلاها وشجرها، ولقطتها، وحمل السلاح بها

- ‌(357) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

- ‌(358) باب فضل المدينة، وتحريم صيدها، وشجرها، والترغيب في سكناها، والصبر على لأوائها، وأنها تنفي خبثها، ومن أرادها بسوء أذابه الله

- ‌(359) باب ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم

- ‌(360) باب فضل جبل أحد

- ‌(361) باب فضل المساجد الثلاثة، ومسجد قباء

- ‌كتاب النكاح

- ‌(362) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه

- ‌(363) باب من رأى امرأة فوقعت في نفسه فليأت امرأته

- ‌(364) باب نكاح المتعة

- ‌(365) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأن تسأل المرأة طلاق أختها

- ‌(366) باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته

- ‌(367) باب تحريم الخطبة على الخطبة حتى يأذن الخاطب أو يترك

- ‌(368) باب تحريم نكاح الشغار

- ‌(369) باب الوفاء بالشرط في النكاح

- ‌(370) باب استئذان الثيب والبكر في النكاح وتزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌(371) باب استحباب التزويج في شوال

- ‌(372) باب النظر إلى المخطوبة

- ‌(373) باب الصداق وأقله

- ‌(374) باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، وزواجه صلى الله عليه وسلم بصفية رضي الله عنها

- ‌(375) باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس

- ‌(376) باب الدعوة إلى الوليمة والأمر بإجابتها

- ‌(377) باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌(378) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

- ‌(379) باب جماع امرأته في قبلها من خلفها

- ‌(380) باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها

- ‌(381) باب تحريم إفشاء سر المرأة

- ‌(382) باب حكم العزل

- ‌(383) باب تحريم وطء الحامل المسبية

- ‌(384) باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع

- ‌كتاب الرضاع

- ‌(385) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

- ‌(386) باب قدر الرضاع المحرم وسنه

- ‌(387) باب وطء المسبية

الفصل: ‌(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

(322) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

2522 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت (قال القواريري: قدر لي. وقال أبو الربيع: برمة لي) والقمل يتناثر على وجهي. فقال: "أيؤذيك هوام رأسك؟ " قال: قلت: نعم. قال: "فاحلق وصم ثلاثة أيام. أو أطعم ستة مساكين. أو انسك نسيكة". قال أيوب: فلا أدري بأي ذلك بدأ.

2523 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: في أنزلت هذه الآية: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} قال: فأتيته، فقال:"ادنه". فدنوت. فقال: "ادنه". فدنوت. فقال صلى الله عليه وسلم: "أيؤذيك هوامك؟ ". قال ابن عون: وأظنه قال: نعم. قال: فأمرني بفدية من صيام أو صدقة أو نسك. ما تيسر.

2524 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه ورأسه يتهافت قملاً، فقال:"أيؤذيك هوامك؟ " قلت: نعم. قال: "فاحلق رأسك". قال: ففي نزلت هذه الآية: {فمن كان منكم مريضاً أبو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم ثلاثة أيام. أو تصدق بفرق بين ستة مساكين. أو انسك ما تيسر".

2525 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به، وهو بالحديبية، قبل أن يدخل مكة، وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر والقمل يتهافت على وجهه، فقال:"أيؤذيك هوامك هذه؟ " قال: نعم. قال: "فاحلق رأسك، وأطعم فرقاً بين ستة مساكين. (والفرق ثلاثة آصع) أو صم ثلاثة أيام أو انسك نسيكة". قال ابن أبي نجيح "أو اذبح شاة".

ص: 147

2526 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية، فقال له:"آذاك هوام رأسك؟ " قال: نعم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "احلق رأسك. ثم اذبح شاة نسكاً. أو صم ثلاثة أيام. أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين".

2527 -

عن عبد الله بن معقل قال: قعدت إلى كعب رضي الله عنه وهو في المسجد، فسألته عن هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فقال كعب رضي الله عنه نزلت في. كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي، فقال:"ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى. أتجد شاة؟ " فقلت: لا. فنزلت هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} قال: صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعاماً لكل مسكين. قال: فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة.

2528 -

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم محرماً فقمل رأسه ولحيته. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليه. فدعا الحلاق فحلق رأسه. ثم قال له "هل عندك نسك؟ " قال: ما أقدر عليه. فأمره أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكينين صاع. فأنزل الله عز وجل فيه خاصة:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه} . ثم كانت للمسلمين عامة.

-[المعنى العام]-

إذا كان الإسلام قد شرع للحاج أن يعيش مدة إحرامه دون أن يقص أو يحلق شعره، ليكون أشعث أغبر، قليل العناية بزينة الدنيا فليس معنى ذلك أن يكلفه شططاً، أو ما لا يحتمل من أذى، وكما حرم عليه في الحج محرمات فإنه جعل له منها مندوحات، من عبادة بديلة كصيام، أو نفع للفقراء والمساكين بالفدية والكفارات.

وقد يبتلي الله الحاج ببعض الأمراض أو الحملات في رأسه وشعره، ويكون علاجه في حلقه، كما حدث للصحابي الجليل كعب بن عجرة، إذ خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة محرمين، يقصدون بيت الله الحرام لأداء النسك في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فمنعهم مشركوا مكة عند

ص: 148

الحديبية، وبدأت بين المسلمين وبينهم المفاوضات والرسل، وبينما المسلمون على أمل وطمع في أن يمكنوا من أداء النسك ابتلى الله كعب بن عجرة بالقمل في رأسه، توالد وتكاثر حتى ملأ رأسه، وجرى على شعره، حتى حاجبه وشاربه، وحتى سبح على وجهه وتساقط منه، ومر به النبي صلى الله عليه وسلم فواساه وطيب خاطره وسأله: هل يملك شاة فيذبحها كفارة وفداء ليحلق؟ فقال: لا. فذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رحله ينتظر حكم ربه، فنزل عليه قوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]. وشرح الله لنبيه مقدار الصوم الواجب والصدقة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة، وقرأ عليه الآية، وقال له: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع، ودعا الحلاق فحلق شعره، فصام كعب ثلاثة أيام، حيث لم يكن معه ما يطعمه المساكين، وصدق الله العظيم في نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].

-[المباحث العربية]-

(أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة "وقف عليه" وفي الرواية الرابعة والخامسة "مر به" وفي الرواية السابعة "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه" وفي الرواية الثانية "فأتيته" وفي الرواية السادسة "فحملت إليه" وعند الطبراني "أنه لقيه وهو عند الشجرة" قال الحافظ ابن حجر: ولا تعارض، والجمع أن يقال: مر به أولاً، فرآه على تلك الصورة فاستدعاه إليه، فخاطبه، وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر.

(زمن الحديبية) في الرواية الرابعة "وهو بالحديبية، قبل أن يدخل مكة وهو محرم" وفي رواية البخاري "وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة" وهذه الزيادة تبين أن الحلق كان لاستباحة محظور بسبب الأذى، لا لقصد التحلل بالإحصار.

(وأنا أوقد تحت قدر لي) في ملحق الرواية "تحت برمة لي" وفي رواية "وأنا أطبخ قدراً لأصحابي".

(والقمل يتناثر على وجهي) في الرواية الرابعة "والقمل يتهافت على وجهه" أي يتساقط شيئاً فشيئاً، وهو مأخوذ من الهفت بسكون الفاء، وفي المحكم: الهفت تساقط الشيء قطعة قطعة، كالثلج والرذاذ ونحوهما، وتهافت الفراش في النار: تساقطه، وتهافت القوم تساقطوا موتاً، وتهافتوا عليه تتابعوا وفي الرواية الثالثة "ورأسه يتهافت قملاً""قملاً" منصوب على التمييز، وفي الرواية السابعة "فقمل رأسه ولحيته" وعند أحمد "وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي" وفي رواية لأحمد "قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها" زاد في رواية "وكنت حسن الشعر" وفي رواية أبي داود "أصابتني هوام، حتى تخوفت على بصري" وفي رواية "وكانت لي وفرة" أي شعر وفير على الرأس يبلغ شحمة الأذنين.

ص: 149

(أيؤذيك هوام رأسك؟ ) في الرواية الثانية والثالثة والرابعة "أيؤذيك هوامك؟ " وفي رواية البخاري "لعلك آذاك هوامك؟ قال: نعم" زاد في الرواية السادسة "ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى" قال الحافظ ابن حجر: "أرى" الأولى بضم الهمزة، أي أظن، و"أرى" الثانية بفتح الهمزة من الرؤية و"الجهد" بفتح الجيم: المشقة، وقال النووي: والضم لغة في المشقة أيضاً. وقيل: بالضم الطاقة، وبالفتح المشقةأيبيب.

و"الهوام" بتشديد الميم جمع هامة، وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها، ما يلازم جسد الإنسان غالباً، إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل.

(قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة) أي شاة، كما جاء في الرواية الخامسة، وهي المرادة بقوله "ما تيسر" في الرواية الثانية والثالثة، وشرطها: أن تجزئ في الأضحية. قال الراوي: فلا أدري بأي ذلك بدأ.

في الرواية الرابعة قدم الإطعام على الصيام، وفي الرواية الخامسة قدم النسك على الصيام والإطعام، وفي رواية لأبي داود "أتجد شاة؟ قال: لا. قال فصم أو أطعم" فظاهرها أن التخيير إنما هو بين الصيام والإطعام لمن لم يجد النسك. قال الحافظ ابن حجر: لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما روي عن سعيد بن جبير، وقد جمع بينهما بأوجه، منها: أن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب، لا لإيجابه، ومنها: أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعينه، لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم، ومنها: أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح، على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد، نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام، فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام، لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه، ويوضح ذلك رواية مسلم [روايتنا السادسة] حيث قال: "أتجد شاة؟ فقلت: لا. فنزلت هذه الآية" إلخ.

{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية} هذه قطعة من آية، أولها قوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله} والمعنى: فمن كان منكم به مرض يحوجه إلى حلق شعره، "أو به أذى من رأسه" بجراحة أو قمل أو حك فعليه إذا حلق فدية.

(فأتيته، فقال: ادنه، فدنوت) الفعل "ادن" دخلت عليه هاء السكت قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر. اهـ

وأقول: الظاهر أنه بعد أن أرسل إليه وأتاه، فظل بعيداً خوفاً عليه صلى الله عليه وسلم من أن يصله منه شيء، يدل على ذلك قوله "فأتيته".

(أو تصدق بفرق بين ستة مساكين)"الفرق" بفتح الفاء والراء وقد تسكن قال الأزهري: كلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه، وهو مكيال معروف بالمدينة ويقدر بثلاثة أصع، كما

ص: 150

قدره الراوي في الرواية الرابعة وصرحت به الرواية الخامسة ولفظها "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين" والسادسة، ولفظها "أو إطعام ستة مساكين، نصف صاع طعاماً لكل مسكين" والسابعة، ولفظها "أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكينين صاع. وهذا التحديد من السنة للإطعام المطلق الوارد في الآية.

والآصع جمع صاع، وهو من باب المقلوب، لأن فاء الكلمة في آصع صاد وعينها واو، فقلبت الواو همزة، ونقلت إلى موضع الفاء، ثم قلبت الهمزة ألفاً حين اجتمعت هي وهمزة الجمع، فصار آصعاً، ووزنه عندهم أعفل. قال النووي: وأما ما ذكره ابن مكي في كتابه [تثقيف اللسان] أن قولهم في جمع الصاع: آصع، لحن من خطأ العوام، وصوابه: أصوع فغلط منه وذهول وعجب قوله هذا مع اشتهار اللفظة في كتب الحديث واللغة العربية، وأجمعوا على صحتها. اهـ

(قعدت إلى كعب بن عجرة وهو في المسجد) في رواية أحمد "قال عبد الله بن معقل: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد" زاد في رواية "يعني مسجد الكوفة".

-[فقه الحديث]-

قال النووي: هذه روايات الباب، وكلها متفقة في المعنى، ومقصودها: أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام، وعليه الفدية، قال تعالى:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام والصدقة بثلاثة آصع لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة تجزئ في الأضحية، ثم إن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا الحكم عند العلماء.

واتفقوا على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري: أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأما التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين. وهذا خلاف نصه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "ثلاثة آصع من تمر" وعن أحمد بن حنبل رواية أنه لكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره، وعن بعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين، أو صوم عشرة أيام، وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود.

-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-

1 -

أن السنة مبينة لمجمل القرآن، لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة.

2 -

وتحريم حلق الرأس على المحرم.

3 -

والرخصة له في حلقها إذا أذاه القمل أو غيره من الأوجاع.

4 -

وفيه تلطف الكبير بأصحابه، وعنايته بأحوالهم، وتفقده لهم.

ص: 151

5 -

وإذا رأى في بعض أتباعه ضرراً سأل عنه، وأرشده إلى المخرج منه.

6 -

واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن هنا قال الشافعي والجمهور: لا يتخير العامد، بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية.

7 -

واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين وقال الحسن: تتعين مكة، وقال مجاهد: النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة والصيام حيث شاء وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة: الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء، إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم.

8 -

واستدل به على أن الحج على التراخي، لأن جدل كعب دل على أن نزول قوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله} كان بالحديبية، وهي في سنة ست، وفيه بحث. كذا في فتح الباري.

9 -

استدل به على أن القياس لا يدخل الحدود، لأنه هنا جعل صوم يوم معادلاً بصاع، وفي الفطر من رمضان جعل صوم اليوم معادلاً بمد.

10 -

ومن الرواية السادسة: الجلوس في المسجد.

11 -

ومذاكرة العلم.

12 -

والاعتناء بسبب النزول، لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن.

13 -

استدل به ابن التين على أن إزالة القمل عن الرأس ممنوعة على المحرم ويجب بإزالته عن الرأس الفدية، وكذلك إزالته عن الجسد عند مالك، وقال الشافعي: إزالة القملة عن الجسد مباح، وفي إزالتها عن الرأس الفدية، لأجل ترفهه، لا لأجل القملة، وروي عن الشافعي أنه قال: من قتل قملة تصدق بلقمة، وهو على وجه الاستحباب.

والله أعلم

ص: 152