المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطريقة الصحيحة للإصلاح - فصول في الدعوة والإصلاح

[علي الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌التقدمية والرجعية

- ‌الإسلام والحياة

- ‌أساس الدعوة إلى الإسلام

- ‌أين الخلل

- ‌حقائق مؤلمة

- ‌بلا عنوان

- ‌دعوهم وما يقولون

- ‌تعليق مختصر على خبر

- ‌اتفاق الدعاة

- ‌الدِّين ثقيل والجزاء عظيم

- ‌وصية وإنذار

- ‌مشكلة

- ‌عرّفوهم بالإسلام يصيروا مسلمين

- ‌الأحاديث الدينية في الإذاعة

- ‌منهج الدعوة وواجب الدعاة

- ‌ماذا يصنع الصالحون

- ‌بيان وإنذار

- ‌الدعوة إلى الأصول قبل الفروع

- ‌رسالة بلا عنوان

- ‌خدمة الإسلام

- ‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

- ‌حصاد ربع قرنفي حقل الدعوة الإسلامية في الشام

- ‌المدرسة الدينية

- ‌في نقد المناهج الدينية

- ‌كلمة تُرضي اللهوتُغضب بعض البشر

- ‌الاختلاط في الجامعات

- ‌كلمة في الأدب

- ‌حركة طيبة في لبنان

- ‌عدوان فظيع، ودعوة صالحة

- ‌عدوان أفظع

- ‌جاء الحق وزهق الباطل

- ‌الحكم بالقوانين الشرعية

- ‌إلى علماء الشيعة

- ‌إلى أين تمشي مصر

- ‌مات شيخ الأزهر

- ‌نحن وهذه الحضارة

- ‌موقفنا من الحضارة الغربية

- ‌ردّ على أدعياء البعثية

- ‌كلمة في الاشتراكية

- ‌الدعوة إلى الوحدة

- ‌الدعوة القومية والإسلام

- ‌كلمة صغيرة

- ‌موقف الإسلام من العربية

- ‌فضل الإسلام على العربية

- ‌القومية والإسلام

الفصل: ‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

نشرت سنة 1988

لمّا قعدت لأكتب هذه المقالة خطرت لي خاطرة كثيراً ما تعاودني كلما أردت أن أهيّئ محاضرة أو أكتب مقالة، هي: ماذا أكتب، وماذا أقول؟

حينما أكتب في الأدب وللأدب يكون الجواب حاضراً، وهو أني أكتب لإمتاع الناس، ولأبقي لي أثراً لعلي أمشي به يوماً في ذيل قافلة الأدباء. ولكنني لا أكتب الآن للأدب، فلماذا أكتب؟

لأعلّم الناس؟ الناس لا ينقصهم العلم بل العمل، لا أعني العلم بتفاصيل العلوم ودقائق الأحكام، فهذا مما يحتاج أكثر الناس إلى تعلمه، ولكن أعني الحقائق الخُلُقية الكبرى: الصدق والكذب مثلاً، هل يجهل أحد أن الصدق خير وأن الكذب شر؟ هل يقول أحد إن القتل أو الزنا أو الربا أمر حسن مشروع؟ ألا يعلم الناس جميعاً أن هذا كله شر؟ شارب الخمر، هل يعوّد عليها ولده؟ بل هل يعوّد المدخِّنُ ابنَه على التدخين، يقول له: خذ يا بابا اسحب سحبة، تعلّمْ كيف تدخن؟ بل إنه إذا رأى الدَّخينة (السيكارة) في يده أخذها منه ونهاه عنها.

ص: 141

إن التدخين (وإن لم يكن في منزلة ما سردنا من المحرَّمات) يُقرّ كل مَن تَلْقاه من الناس، حتى الذين يدخنون، بأنه أمر يضر ولا ينفع. والذي يكذب لا يحتاج إلى محاضرة لإقناعه بشر الكذب، بل يحتاج إلى إرادة تحمله على ترك الكذب. ومثله شارب الخمر، ومن يتعدى على الناس بلسانه أو بيده، لو سألته: هل هذا الذي تفعله حق وعدل؟ لوجدته يقر بقلبه (وإن أنكر أحياناً بلسانه) أنه ليس عدلاً ولا حقاً

فلا فائدة إذن من أن أكتفي بالقول إن هذا العمل خير وهذا شر، فهو يعرف الشرّ ويعرف الخير.

فماذا نصنع إذن؟ وكيف نصرف الناس عن هذه الأمور التي يحكم الشرع بحرمتها ويحكم العقل بقبحها؟ أريد أن تفكروا معي حتى نصل إلى الطريقة الصحيحة للإصلاح، وأنا أعرض عليكم ما عندي:

الناس قسمان؛ منهم الصغار الذين لا يزالون على الفطرة النقية والذين لم يتعودوا بعدُ ارتكاب هذه المحرمات، ومنهم الكبار الذين تعودوها واستمرؤوا لذتها العاجلة وانغمسوا فيها. وسأبيّن بكلمة موجزة لا يتسع المجال لأكثر منها ما أقترحه لإصلاح الفريقين.

* * *

إنه لا يكفي أن أقول للكبير الذي تعوّد شرب الخمر، أو العكوف على القمار، أو إدمان المخدرات، أو الانغماس في الفواحش

لا يكفي أن أقول له ابتعد عنها واتركها؛ لأن الشرع

ص: 142

قد قال له ذلك، نهاه الله عنها وعن أمثالها في كتابه وعلى لسان نبيه. فإذا لم يسمع كلام الله فهل يسمع كلامي؟ وربما كان في هؤلاء العصاة من هو مؤمن بالله وبالجنة والنار ويريد أن يترك ما هو فيه وأن يتوب منه وينصرف عنه، ولكنْ تغلبه نفسٌ تربَّتْ على المعصية وقلبٌ تعوّد القسوة، وبيئةٌ تغلّب عليها الفسادُ وأصحابٌ من طبيعتهم الانصراف إلى الشر، فعليّ -إذن- أن أنبّه في نفسه خوف الله، وأن أليّن قلبه حتى يسمع كلام الله، وأن أدعوه إلى أن يبدل بيئته إلى بيئة مؤمنة صالحة.

وربما صارت المعصية مرضاً. فأنت حين تقول لمدمن المخدرات: "اتركها وانصرف عنها" كمَن يقول للمريض: "دع المرض وارجع إلى صحتك ثم حافظ عليها"! إن الأمر قد خرج من يده، وهو اليوم أحوج إلى العلاج.

ولا يفهَمْ أحدٌ عني أني أريد إعفاءه من العقوبة التي أوجبها الشرع، فالعقوبة هي جزء من الإصلاح، ولولاها لانتشر المرض وعم وصار البلد كله مستشفى واحداً (1) وصار أهل البلد كلهم مرضى. ولقد أحسن العلماء هنا وأصابوا ووُفِّقوا حين أفتوا بقتل من يعمل على نشر هذا السم الذي اسمه «المخدرات» وعلى ترويجه بين الناس وعلى ترغيبهم فيه. ومن توفيق الله للمملكة أنها تعجّل بعقوبة الجاني، ولو أن حكومة الكويت نفّذت حكم القتل على هؤلاء المجرمين وما أجّلته ولا أبقتهم تطعمهم وتسقيهم، لما طمع هؤلاء المجرمون الآثمون في إنقاذهم، فخطفوا الطيارة

(1) ولا تقولوا مستشفى واحدة، فالمستشفى مذكَّر.

ص: 143

وصنعوا بمن فيها هذا الذي صنعوا (1).

* * *

لقد سألتكم: ماذا نصنع إذن؟ نصنع ما نصنعه للمريض الذي يعاني من آلام النوبة التي تنتابه ويصرخ من أوجاعها: نعطيه أولاً ما يسكّن الألم، ثم نبحث عن أسباب الداء لنقطعها، ثم عن منشأ العدوى لنُبعده عنها، ثم نعطيه من المقوّيات ما يعينه على دفع المرض إذا عاوده.

فالدواء العاجل (وهو المسكّن) بيد حُماة الأمن، الذين يمنعون وقوع الجريمة أو استمرارها كما يمنع الدواء المسكِّن

(1) نسي الناس اليوم هذه الحادثة وقد مضى عليها عشرون عاماً، وهذه قصتها موجَزة: في الخامس من نيسان (أبريل) 1988 خطف جماعة من «حزب الله» ، يقودهم عماد مُغنيّة، طائرة الخطوط الجوية الكويتية «الجابرية» القادمة من بانكوك، وتوجهوا بها إلى مطار مشهد الإيراني، وهناك تزودوا بالوقود وبالأسلحة وانتقلوا إلى لارنكا في قبرص. وطالب الخاطفون حكومة الكويت بالإفراج عن بضعة عشر سجيناً متهمين بتنفيذ تفجيرات مختلفة في الكويت سنة 1983، في محطة الكهرباء الرئيسية للبلاد ومطار الكويت ومجمّعات نفطية وسكنية، وهي تفجيرات راح بسببها عدد من الضحايا البُرآء. وفي مطار لارنكا قتل مغنيّة اثنين من الركاب الكويتيين، حيث أطلق النار على رأسيهما وألقى بهما من الطائرة إلى الأرض. ثم توجهت الطائرة أخيراً إلى الجزائر، وهناك انتهت المأساة بعدما دامت خمسة عشر يوماً، وخُلّي سبيل الرهائن مقابل إطلاق سراح الخاطفين ونقلهم إلى إيران (مجاهد).

ص: 144

استمرارَ النَّوبة الموجعة.

أما البحث عن أسباب الداء وعن منشأ العدوى فمن عمل علماء الاجتماع وأرباب الأقلام، يدرسون أحوال هؤلاء المنحرفين ويبحثون عن العوامل التي عملت على انحرافهم، والعوامل التي تعيدهم إلى الجادة وتبعدهم عن هذا الانحراف.

ولنا من تجارب الأمم الأخرى صور تنير لنا الطريق، لا يمنع الشرع من أخذها بل يحثّنا على الاستفادة منها، لأن الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها حيثما وجدها. فقد أُسِّست عندهم معاهد لمعالجة الانحراف وأقيمت مؤسسات، ورُصدت لذلك أموال طائلة وعَملت له عقول مفكرة، واستُخدم لذلك العلاجُ المادي: أدوية ومستحضرات للخلاص من إدمان المخدرات والخمور وأمثالها، والعلاج النفسي لتقويم الميول المنحرفة وحل العقد النفسية.

أما الأدوية المقوّية التي يكون بها الجسم المتين الذي يقاوم المرض، فمن عمل الوُعّاظ والخطباء والمدرّسين، والكُتّاب في الصحف والمُحدّثين في الإذاعات.

إن هذا الوعظ لا بد منه، ولكن بشرطين. الأول: أن يكون بأسلوب العصر الذي يفهمه أهل العصر، فإنّ لكل عصر أسلوباً يفهم به أهله. ولست أدعو إلى تبديل حقائق الدين، فحقائق الدين لا تبدَّل، وتبديلها كفر بها ومُجانَبة لها، ولكن أدعو إلى تبديل أسلوب عرض هذه الحقائق. فقد يكون أسلوب منها صالحاً من مئة سنة ولكنه لم يعد يصلح الآن، ولو بعثت مبشراً بالإسلام

ص: 145

إلى أميركا -مثلاً- فكلمهم بالعربية لما فهموا عنه، فلا بد إذن أن تكلمهم بلسانهم، وأن تنقل لهم حقائق الدين كما هي بذلك اللسان

هذا الذي أردته من الدعوة إلى استعمال لغة العصر وأسلوبه.

الثاني: أن نتأسّى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجعل الوعظ باللين واللطف لا بالشدة والعنف، وأن نسوق كلاماً عاماً يكون فيه تلميح وتلويح، لا أن نسوقه صريحاً واضحاً يتألم منه السامع فيثير في نفسه الرغبة في المقاومة والإعراض عن الموعظة. وخير المواعظ ما جاء عَرَضاً، ولقد كنت أشاهد في المحكمة في قضايا الجرائم أن الطعنة التي تصيب الرجل على حين غفلة منه تدخل فيها السكين معشارين أو ثلاثة أو أكثر (1)، فإذا كان متنبهاً لها مترقباً وقوعها لم تدخل نصف معشار.

والله أمرنا أن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة؛ ذلك لأن الموعظة قد تكون سيئة، سيئة في أسلوبها لا في أصلها. والموعظة الحسنة هي التي يكون معها الدليل، فلا نأمر بما لم يأمر به الله ولا رسوله، ولا نزيد عليه ما ليس منه. والتي تكون خالصة لله تخرج من قلب قائلها فتقع في قلب سامعها. ومن سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: ما بال أقوام يفعلون؟ لا يقول للمخاطَبين: ما بالكم تفعلون؟ أي أنه يذكر الفعل ولا يصرّح بذكر الفاعل.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام،

(1) المعشار هو السنتيمتر.

ص: 146

ولكنه صعب لا يستطيعه كل من أراده، لأن عليه أن يجمع بين بيان حكم الله الذي لا يجوز كتمانه، وبين حفظ كرامة المخاطَبين، وأن لا نتعدى على ما منحهم الشارع من حرية في تصرفاتهم.

* * *

هذا كله يصلح للكبار، أما الصغار فأمرهم مختلف.

إن من أكبر أسباب الانحراف التي وجدتها خلال اشتغالي بالقضاء واطلاعي على الآلاف المؤلفة من القضايا، ومما رأيت وما سمعت من أحوال الناس، من أكبر هذه الأسباب غياب الأب عن أولاده أكثر النهار؛ ينهض صباحاً فيجدهم قد ذهبوا إلى مدارسهم، ويعود في الليل بعدما ناموا، فلا يكاد يراهم أو يرونه إلا يوم الجمعة. ومن الناس من يضطره عمله إلى هذا الغياب، ومنهم من يُؤْثر مجالسة أصحابه في المقهى أو في النادي على الإشراف على بيته.

وأنا لا أقول إن على الأب أن يبقى دائماً في الدار، لا يصاحب أحداً ولا يزور صديقاً، لأن من حقه أن يأنس بأصحابه، ومن حق الأم أن يكون لها صاحبات تأنس بهن ويزُرْنَها وتزورهن. ولكن يخرج الأب إلى أصحابه ساعتين أو ثلاثاً في اليومين أو الثلاثة، وتخرج الأم ساعتين في الأسبوع أو الأسبوعين، ثم يبقى كلاهما بعد ذلك مشرفاً على الأولاد: يَعلمان أين يذهبون، ومَن يصاحبون، وإن تأخر الولد في المدرسة ساعة سأل أبوه عنه، وإن صاحَبَ أحداً توثّق من خُلُقه ودينه قبل أن يأذن له بمصاحبته، ثم لا يدعه يذهب معه أو ينفرد وحده بزيارته إلا إن غدا شاباً.

ص: 147

بقي أن نسأل: ماذا يصنع الأولاد في الدار؟ وماذا يصنع الأب وهو معهم؟ هل يُلزمهم أن يقعدوا طول السهرة جالسين على ركبهم وأعينهم إلى الأرض كأنهم في مأتم، هَيبةً لأبيهم واحتراماً له؟ أو يجبرهم على أن يقرؤوا ويكتبوا ويراجعوا دروسهم ولا يَدَعوا الكتاب والقلم ساعة من ليل أو نهار؟ والمرأة ماذا تصنع؟ تطبخ وتكنس وتخيط فقط؟

لا؛ إن من حق المرأة أن تتسلى، ومن حق الأولاد أن يلعبوا. ومَن أراد أن يحفظ أولاده من الانحراف وأن يبقيهم معه في البيت، فليجعل البيت مستوفياً وسائلَ التسلية الجائزة شرعاً، ولتكن هذه الوسائل بإشرافه، على أن يكون إشرافه من بعيد لا يُشعر به زوجته ولا أولاده. وينبغي أن ينزل أحياناً إلى مستوى أولاده فيشاركهم أفكارهم وألعابهم ولهوهم، كما يعاونهم على دروسهم. وإذا كان في البيت الرادّ والرائي (أي الراديو والتلفزيون) فينبغي أن يتعوّد أهل البيت أن لا يسمعوا إلا ما لا ضرر من سماعه في الرادّ، ولا يروا إلا ما لا ضرر من رؤيته في الرائي، وأن يتركوا ما وراء ذلك راضين مقتنعين لا مكرَهين ولا مجبرين.

وإذا كان لدى الأولاد عمل مدرسي أو كان عندهم امتحان يعوّدهم أبوهم تقديم الجِدّ على التسلية والواجب على اللذة، ويربّيهم على ذلك حتى يصير كأنه طبع لهم. وإذا كان في البلد متنزّهات أو مشاهد غير محرَّمة فليأخذ أهله إليها في أيام العطلات، لأن تبديل لون الحياة لا بد منه، والتزام لون واحد يبعث على الملل؛ ولو كان الأولاد يعيشون في قصر فيه أفخم الفرش ويقدَّم فيه أطيب الطعام وفيه أنواع اللعب ولهم على بابه

ص: 148

أغلى السيارات، لو أنهم لبثوا في هذا القصر شهراً لا يخرجون منه لملّوا منه واشتهوا أن يذهبوا يوماً إلى سفح الجبل أو ساحل البحر، يمشون على أرجلهم ويقعدون على التراب ويشعلون الفحم ويشوون عليه اللحم ويأكلونه بأيديهم.

وإن من أكبر العوامل في فتور العواطف الزوجية وركود أذهان الأولاد وضعف أجسامهم هذه الحياة الرتيبة المتشابهة؛ ولذلك أقترح -جادّاً- أن تترك الأسرة دارها وتذهب مرة في الشهر أو الشهرين فتتغدى في المطعم، أو تذهب في الصيف فتقضي ليالي تحت الخيام، أو تبدل ترتيب الدار فتجعل غرفة الاستقبال للقعود وغرفة القعود للاستقبال، وتغيّر وضع الأثاث، لا كل أسبوعين أو ثلاثة بل مرة في السنة والسنتين.

والقصد من هذا كله أن يجد الرجل في الدار ما يغنيه عن ارتياد المقاهي وإغفال الأسرة، وأن تجد المرأة ما يغنيها عن الخروج في كل يوم لزيارة الصديقات وحضور الاستقبالات وإضاعة الأولاد، وأن يجد الأولاد في الدار ما يسلّيهم ويمتعهم ويمنعهم من اللعب في الطرقات ومصاحبة الأشرار

على أن هذا كله لا قيمة له إن لم يكن بين الزوجين حب وتفاهم وتعاون حقيقي، فإن كان هذا الحب موجوداً وهذا التفاهم قائماً كان البيت جنة، ولو أنه كان غرفتين مهدَّمتين ليس فيهما ماء ولا كهرباء. إن هذا الحب يجعل الغرفتين المهدَّمتين قصراً عظيماً، وفَقد الحب والتفاهم بين الزوجين والشِّقاق الدائم بينهما يجعل القصر العظيم جحيماً مُستَعِراً وسجناً مطبقاً.

على أن لا يكون في ذلك كله ما يغضب الله ولا ما يحرّمه

ص: 149

الدين، وإن في المباحات لَمَنجى من الوقوع في الحرام، والله ما حرّمَ شيئاً إلا أحلَّ شيئاً يقوم مقامه ويسد مسده ويغني عنه.

* * *

ص: 150