المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أين الخلل ؟ حديث أذيع سنة 1971   يا أيها الإخوة الذين يستمعون إليّ - فصول في الدعوة والإصلاح

[علي الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌التقدمية والرجعية

- ‌الإسلام والحياة

- ‌أساس الدعوة إلى الإسلام

- ‌أين الخلل

- ‌حقائق مؤلمة

- ‌بلا عنوان

- ‌دعوهم وما يقولون

- ‌تعليق مختصر على خبر

- ‌اتفاق الدعاة

- ‌الدِّين ثقيل والجزاء عظيم

- ‌وصية وإنذار

- ‌مشكلة

- ‌عرّفوهم بالإسلام يصيروا مسلمين

- ‌الأحاديث الدينية في الإذاعة

- ‌منهج الدعوة وواجب الدعاة

- ‌ماذا يصنع الصالحون

- ‌بيان وإنذار

- ‌الدعوة إلى الأصول قبل الفروع

- ‌رسالة بلا عنوان

- ‌خدمة الإسلام

- ‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

- ‌حصاد ربع قرنفي حقل الدعوة الإسلامية في الشام

- ‌المدرسة الدينية

- ‌في نقد المناهج الدينية

- ‌كلمة تُرضي اللهوتُغضب بعض البشر

- ‌الاختلاط في الجامعات

- ‌كلمة في الأدب

- ‌حركة طيبة في لبنان

- ‌عدوان فظيع، ودعوة صالحة

- ‌عدوان أفظع

- ‌جاء الحق وزهق الباطل

- ‌الحكم بالقوانين الشرعية

- ‌إلى علماء الشيعة

- ‌إلى أين تمشي مصر

- ‌مات شيخ الأزهر

- ‌نحن وهذه الحضارة

- ‌موقفنا من الحضارة الغربية

- ‌ردّ على أدعياء البعثية

- ‌كلمة في الاشتراكية

- ‌الدعوة إلى الوحدة

- ‌الدعوة القومية والإسلام

- ‌كلمة صغيرة

- ‌موقف الإسلام من العربية

- ‌فضل الإسلام على العربية

- ‌القومية والإسلام

الفصل: ‌ ‌أين الخلل ؟ حديث أذيع سنة 1971   يا أيها الإخوة الذين يستمعون إليّ

‌أين الخلل

؟

حديث أذيع سنة 1971

يا أيها الإخوة الذين يستمعون إليّ الآن، ويا أيتها الأخوات، أرجو أن تكونوا معي اليوم خاصة لا بآذانكم وحدها، بل بآذانكم وبقلوبكم. أرجو أن تَمُنّوا عليّ فتسمعوا كل كلمة أقولها في هذا الحديث. أرجو أن تمنحوني هذه الدقائق العشر اليوم كاملة، فيؤجّل المتحدث حديثه وتؤخر السيدة عملها، وتُقبلوا عليّ جميعاً، لأني أشرح مشكلة أرجو أن تشاركوني في حلّها.

لقد مضى نصف رمضان، ومرّ منه خمسة عشر يوماً سمعتم فيها كل يوم حديثاً، وسمعتم من غيري، ممن هم أعلم وأفضل، أحاديث تُعَدّ إذا عُدَّت بالعشرات، أحاديث مختلفة الأساليب والموضوعات من محدّثين مختلفي الشخصيات مختلفي الإنشاء والإلقاء، ولكنها كلها تريد هدفاً واحداً وتسعى إلى غاية واحدة، هي الدعوة إلى الإسلام.

فخبّروني: ماذا استفدتم منها؟

التلميذ عنده في كل شهر امتحان يُسأَل فيه عما بقي لديه مما أُلقِي عليه، والتاجر له في كل سنة أشهُر موازنة يحسب فيها ما

ص: 31

ربحه وما خسره، والذي يصعد الجبل يقف ليلتفت وراءه فيرى كم قطع من الطريق، وينظر أمامه ليرى كم بقي عليه حتى يصل.

فاقعدوا وفكروا: ما هي حصيلة هذه الأحاديث؟

لا أشك أنها أثارت في أنفسكم لمّا سمعتموها الشعور بالإيمان، ولا أشك أنكم تعلمتم منها طائفة من المسائل المتفرقة، ولكني لست أسأل عن هذا، بل أسأل عن أمر آخر. أسأل: هل كان لها أثر في حياتكم؟ هل كانت لها نتيجة عملية ظهرت في أعمالكم أو في بيوتكم أو في أسواقكم؟ هل بدّلت شيئاً من أسلوب معيشتكم أو طريقة تفكيركم؟

* * *

يا سادة، نحن نقول ونعيد ونكرر أن الإسلام دين ودنيا، الإسلام عقيدة وشريعة، الإسلام علم وسلوك، الإسلام يرافق المسلم في كل حين، فيبيّن له ما يَحِلّ له وما يَحرُم عليه، وما يُندَب له وما يُكرَه، يرافقه دائماً، إذا كان وحده، أو كان مع زوجته، أو كان مع أولاده، أو كان في تجارته في سوقه، أو وراء مكتبه في ديوانه، أو على مقعده في مدرسته، وفي العرس وفي المأتم، وفي السلم وفي الحرب.

نقول هذا ونعيده ونكرّره حتى صار من الكلام المألوف، بل لقد صار من الحديث المُعاد المَمْلول. فتعالوا ننظر في حياتنا التي نعيشها في بيوتنا، في أسواقنا، وانظروا إلى أزيائنا وأزياء نسائنا، وسلوكنا وسلوك أبنائنا، ومعاملاتنا المالية وأوضاعنا الاجتماعية

هل هي موافقة كلها للإسلام؟

ص: 32

أنا أسأل نفسي، أنا الذي يعظ مع الواعظين ويحدّث مع المتحدثين، والمفروض فيّ أن أكون عاملاً بما أقول؛ أسأل نفسي: هل أنا في حياتي كلها أطبق أحكام الإسلام وأمشي على طريقه تماماً وأحكّمه في أموري كلها؟ والجواب (مع الخجل ومع الأسف): لا. وليس معنى هذا الجواب أنني أرتكب الكبائر وأقطع السابلة وأشهد الزور وأعمل الفحشاء، بل معناه أن أسلوب حياتي، وأساليب حيواتكم، ووضع المجتمعات الإسلامية اليوم، ليس الأسلوب الذي حدده الإسلام تماماً ولا الوضع الذي يرتضيه. إن الطابع العام لحياتنا هو طابع الإفرنج وغير المسلمين، لا طابع السلف الصالح.

تقولون: أتريد أن نركب الجمل بدلاً من الطيارة، ونوقد السراج عوضاً عن الكهرباء لنعيش مثل حياة السلف؟ لا، لا أريد هذا ولا الإسلام يريده. الإسلام يجعل الحكمة ضالّة المؤمن، ويأمرنا أن نأخذ النافع المفيد، وأن نكون أعلم الأمم وأقوى الأمم.

ما هذا الذي أريد، ولكن أريد أن أسأل عن الدين، عن الخلق، عن المعاملة: هل نحن فيها أقرب إلى السلف الصالح أم إلى غير المسلمين؟ هل نهتم بالدين مثلما نهتم بالصحة أو بالمال؟ هل نتبع العادات الموروثة والمستورَدة ونتمسك بها، أم نَزِنها بميزان الإسلام ونقيسها بمقاييسه؟ هل نربّي أولادنا على ما يريد الشرع أو ما يطلبه المجتمع العصري؟

* * *

ص: 33

يا سادة، إن أخطر ما يتعرض له الإسلام أن يصير دين مسجد فقط، أن يظن واحد منكم أنه إذا صلى الصلوات الخمس مع الجماعة، وصام رمضان وحجّ، وقرأ كل يوم جزءاً من القرآن ولو بلا فهم، فقد صار من الصالحين، ولا عليه بعد ذلك أن يُلبس امرأته وبناته وفق الموضة مهما كان وضع هذه الموضة، وأن تكون معاملاته وفق العُرف التجاري مهما كان هذا العرف، وأن يفعل في ساعات فراغه كما يفعل الناس، مهما كان فِعْل الناس، لا ينظر في شيء من ذلك إلى حكم الشرع ولا يأخذ نفسه بتطبيقه.

هذا أخطر ما يتعرض له الإسلام، وقد بدأ بعض المسلمين يفهمون الإسلام بهذا المعنى الخطير.

أليس هذا صحيحاً؟ ألا تجدون المساجد ممتلئة بالمصلّين تمتدّ صفوفها يوم الجمعة إلى الشوارع، في أكثر بلاد الإسلام، بل في كل بلد من بلاد الإسلام؟ أوَليس من بين هؤلاء المصلين القاضي الذي يحكم بالقانون الوضعي المخالف لحكم الله، والتاجر الذي يأكل الربا الذي حرّمه الله، والذي يغشّ والذي يكذب، والذي يرتكب في بيته وفي عمله مجموعة من المحرَّمات؟

عفواً، أنا لا أقول إنكم جميعاً من هؤلاء، بل أقول إنه ليس بيننا إلا قليل ممّن عصم الله، يسير في حياته كلها في ضوء أحكام الشرع. لذلك سألت: ما الذي استفدناه من هذه الأحاديث؟

كم أُلقي عليكم من هذه الأحاديث من يوم أُنشئت إلى الآن؟ مئات ومئات ومئات، فما هو الأثر العملي لها؟ أكاد أقول بأسف: إنه ليس لها أثر في حياتنا العملية! حتى أنا الذي يعظ ويحدّث،

ص: 34

أسجّل الحديث ثم أسمعه، ثم أعود إلى أسلوب حياتي الذي رسمَته العادات الموروثة والمستورَدة وأعرافُ الناس وأوضاعُ المجتمع!

ففكروا معي وقولوا لي: هل هذا الذي قلته صحيح أم لا؟

أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظ السلف بدّلت الدنيا وغيّرت الأرض، وهدمت وبَنَت وصنعت دنيا جديدة، دنيا خير وبِرّ، فلماذا لا تفيد أحاديثنا ومواعظنا؟ لماذا لا يكون لها تأثير في حياتنا العملية؟ لماذا لم تبدل سلوكنا في الحياة؟

وإذا صح أنها لا تبدل سلوكنا ولا تؤثر فينا، فهل نتركها ونستريح من إعدادها ونريح السامعين من الإصغاء إليها، أم يمكن تبديل أسلوبها وطريقتها حتى تكون مؤثرة؟ هل العلة في أسلوب الأحاديث، أم في إعراض السامعين، أم في كثرة عوامل الهدم وقوّتها، أم في موت القلوب أو في قسوتها؟

وحيثما كانت العلة، فهل لها دواء؟ وما دواؤها؟

* * *

يا سادة، لقد رجوتكم في مطلع هذا الحديث أن تكونوا معي بآذانكم وعقولكم، وأن تفتحوا له أذهانكم وقلوبكم لتفكروا معي في هذه المشكلة، ولتقولوا لي: لماذا تُلقى المواعظ ويسمعها الناس ولا يكون لها أثر؟ لماذا؟ ما السبب؟

* * *

ص: 35