الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القومية والإسلام
كتبت سنة 1987 ولم تُنشَر (1)
في هذه الجريدة، عدد 23 كانون الأول (ديسمبر) 1987، مقالة عنوانها «كتاب مفتوح إلى الأخ هشام علي حافظ» بقلم نصري سلهب. قرأتها فوجدت أن الرسالة لم توجَّه إليّ ليُطلَب مني الجواب عليها، وليس في المكتوبة إليه ضعف لأسنده أو عجز عن الرد لأرشده، وقلت: أجوز بها لا أقف عليها.
وكدت أمضي في طريقي، لولا أنّي وجدت في الرسالة ما يجاوز الرسائل الإخوانية إلى أمور هي من الدين مالَ فيها الكاتب عن سبيل الصواب، ولا بدّ لها ممّن يقوِّم مَيْلها ويصحح خطأها،
(1) أرسل علي الطنطاوي هذه المقالة إلى جريدة «الشرق الأوسط» لتُنشَر في سلسلة «صور وخواطر» ، التي بدأ بنشرها بعدما فرغ من نشر ذكرياته فيها أواخر تلك السنة، وهي الحلقة الثانية عشرة في هذه السلسلة الجديدة. وكأنه قد توجس أن تستثقل الجريدة نشرها كما كتبها فتهذّب شيئاً من ألفاظها أو تحذف بعضاً من كلماتها، فكتب في أعلاها بخط يده:"لا يُبدَّل فيها حرف واحد إلا بموافقتي". لكن الجريدة اعتذرت عن نشرها فلم تُنشَر قط، فهذه أول مرة يطّلع عليها الناس (مجاهد).
لأن الله أخذ على مَنْ عَلِمَ الحق أن يبيّنه للناس وأن لا يكتمه، وإن كتمه كان شيطاناً أخرس. وأنا لا أحب أن أكون شيطاناً مُبيناً ناطقاً بأفصح لسان، فهل أكون شيطاناً وأكون أخرس؟
ثم إنني لا أعرض للكاتب بمدح ولا قدح، وما لي في شخصه أرب، وإنما أصحح فكرة يوجب ديني عليّ تصحيحها.
في هذه المقالة إثارة للغبار في ميدان طالما نزلت إليه وصُلْتُ فيه منذ ظهرت فينا بدعة القومية، وكنا لا نعرف قبلها إلا رابطة الإسلام، وكان عندنا مدرّسون من العرب ومن الترك ومن الأكراد ومن الشركس، فكنا لا نفرق بين أحد منهم وكنا نجلّهم جميعاً ونحبهم.
كنا أمة واحدة هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي كانت (ولا تزال وستبقى) فيها من كل جنس وكل لون، لأن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يُبعَث إلى العرب وحدهم بل إلى كل أبيض وأسود، بُعث إلى الناس كافة، فالناس في الإسلام سواء، من آمن منهم بالله وبالقرآن.
* * *
قال صاحب الكتاب المفتوح إن أميراً عربياً سأل الأستاذ أمين الريحاني عن دينه: هل هو نصراني أم هو مسلم؟ فقال له: يا طويل العمر، أنا عربي. وحَسِب الكاتب أن هذه الكلمة كانت فصل الخطاب وكان فيها الجواب كل الجواب. يقول إنه عربي، فما معنى أنه عربي؟ ومن هو العربي؟ نحن عندما نذكر المسلم نستطيع -على أهون سبيل- أن نجد له تعريفاً يجمع الأفراد
ويُخرج الأضداد. فمن هو العربي؟ إن دعاة القومية لم يتفقوا إلى الآن على جواب هذا السؤال (1).
هل العربي عربي النسب؟ وأين إذن سلسلة نسب الريحاني إلى العرب؟ ومن أي القبائل العربية هو؟ بل مَن منّا -نحن عرب الأمصار في مصر والشام وأكثر البلدان- يستطيع أن يعدّ من أجداده إلى أبعد من الجد الرابع أو الخامس؟ وإذا أخذنا هذا المقياس ألا نُخرج طائفة من أعلام العربية في الأدب وفي التاريخ من عروبتهم؟ ألا يكون بشّار شاعراً فارسياً، وابن الرومي يونانياً؟ بل لو أخذ الفرنسيون بهذا المقياس ألا يجدون أن جان جاك روسو سويسري؟ ولو قبله الإنكليز ألا يرون أن ملوكهم ألمان جرمانيون ليسوا أصلاً من الإنكليز؟
قد تقولون إن هذه عرقية (راسيزم) لا قومية، فمَن هو العربي في شرع القومية؟ إن قلتم إنه الذي يتكلم العربية ويعرف تاريخها وعاداتها، عددت لكم من غير العرب من يجمع هذا كله وهو فرنسي أو إنكليزي، كالمستشرق كرينكو مثلاً، أو لورنس أو غلوب. فيقولون: لا بد أن يشعر بشعور العرب، فنقول: إن المقاييس الاجتماعية والشروط القانونية لا تعتمد على الخفايا وعلى ما يُكِنّ الضمير، بل على حدود ظاهرة، فمن أين نعرف ما يشعر به المرء وما يضمره في نفسه إن لم ينطق به بلسانه أو يكشفه بعمله؟
* * *
(1) انظر مقالة «من هو العربي؟» ، وهي في كتاب «فصول في الثقافة والأدب» الذي صدر من وقت قريب (مجاهد).
إن الدين عقيدة ومنهاج، والعروبة جنسية؛ فقد يكون المرء عربياً وهو مسلم، أو عربياً وهو كافر، وقد يكون المسلم عربياً أو يكون تركياً أو فارسياً. فالريحاني -بهذا الجواب- كطالب الجامعة، يُسأَل عن الكلية التي يدرس فيها فيجيب أن طوله 170 معشاراً (1)! ما شأن طولك وأنت تُسأَل عن كليتك؟ فإذا كنت عربياً فلا فضل لك في ذلك، وما أنت صنعته ولا تُسأَل عنه، إنما تُسأَل عن دينك الذي اتّبعتَه لأن في استطاعتك تبديله، ولا تستطيع تبديل أصلك الذي انبثقت منه.
أو هل يظن صاحب الكتاب المفتوح أن الأمر بأيدينا وأننا نملك الحكم فيه؟ إنه أمر قضى فيه الشرع، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم. وقد قال صاحب الكتاب المفتوح إن على كل واحد أن يحافظ على دينه، وهذه مسألة من ديننا.
إن للناس آراء شتى في الرِّباط الذي يربط الأفراد حتى تكون منهم أمة، منهم من يجعله اللغة، ومنهم من يجعله النَّسَب، وذهب رينان (في محاضرته التي ألقاها في السوربون سنة 1882) إلى أن هذه الرابطة هي «الإرادة المشتركة» ، فكل مجموعة من الأفراد يربطها بالماضي شعور واحد ولها في المستقبل أمل واحد، وتكون إرادتها واحدة في العيش للجميع، يكون منها أمة.
هذه آراء الناس، ولكن القرآن الذي أنزله الله على محمد
(1) المِعشار هو السنتيمتر.
عليه الصلاة والسلام، والذي لم يجرؤ أحدٌ من ألدّ الأعداء على القول بأنه حُرِّف أو صُحِّف كما حُرِّفت الكتب من قبله (اللهمّ إلا جماعة الخميني، وما الخميني وجماعته من أمة القرآن!)، هذا القرآن قرّر فيه الله أن هذا الرباط هو الإيمان، هو العقيدة، لا رباط الدم ولا اللسان ولا الإرادة المشتركة
…
فمَن كان من المسلمين كان منا، من أمتنا، ومن لم يكن منهم فليس منا. {إنَّمَا المُؤْمِنونَ إخْوَة} ، ما قال «إنما العرب» ولا الفرس ولا الترك.
فلفظ «إنما» -عند من يعرف لسان العرب- يفيد الحَصْر والقَصْر، فالأُخُوّة أخوّة الإيمان. إنه نص قرآني، فمن عدل عنه أو بدّله خالف القرآن، ومن خالف القرآن لم يكن مسلماً. أفيغني المرءَ -بعد هذا- أنه عربي عن أن يعرّف بدينه، وعن أن يكون على دين الحق؟ إن الدين عند الله الإسلام.
أوَكل عربي هو منا؟ أهو أعرق في العروبة ممّن كان منها في الذروة وفي السنام، من أبي لهب القُرَشي الهاشمي عم النبي؟ إننا نتبرأ منه ونسبّه في صلاتنا. أفنَسُبّ عمّ النبي ونخرجه من أمتنا، وندخل قسطنطين وميشيل والريحاني؟
لا، ولا كرامة!
أفيريدون منا أن نخرج من ديننا لنجاملهم ونرضيهم، ثم لا يَرضون -بعدُ- عنا؟ {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ اليَهودُ وَلا النّصَارى حتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} . وأنا من مطلع شبابي، من يوم أكملت دراستي وشرعت أكتب وأخطب وأؤلف، أجادل في هذه القومية. كتبت في ذلك مئات، مئات حقاً، من المقالات، وخطبت مئات من
الخطب، ومَن قرأ ذكرياتي عرف كيف وقفت أنا واثنان من رفاقي المدرّسين في العراق، هما عبد المنعم خلاف المصري، رفيقي في دار العلوم في مصر سنة 1347هـ، وأحمد مظهر العظمة، الوزير السوري رحمه الله، وقفنا في وجه هذه الدعوة الجامحة التي تبنَّتْها وزارة المعارف في تلك الأيام، وكنا مدرّسين فيها تابعين لها، وكيف عاقبونا فنقلونا إلى شمالي العراق، إلى المناطق الكردية، أنا إلى كركوك وعبد المنعم إلى السليمانية وأحمد مظهر إلى أربيل، فاستقال عبد المنعم ورجع، وبقيت أنا شهوراً ثم رجعت، وانتظر أخونا أحمد حتى أعلنت الحرب العامة الثانية (1).
وأنا لا أريد هنا العودة إلى هذا الجدال ولا لتكرار ما قلت وكتبت، فما كتبتُ مطبوع موجود وما قلته قد يذكره الذاكرون من الناس، ولكن أحب أن أقرر أن دعوتنا إلى التمسك بالإسلام ليست دعوة إلى التبرؤ من العربية. ولقد طالما ساءلت نفسي: ما علاقة العربية بالإسلام؟
قد تكون العلاقة بين شيئين أنهما متطابقان بحيث إذا ذُكر أحدهما ذكر كلاهما، كاللفظين المترادفين الدالَّين على معنى واحد. فهل العربية والإسلام متطابقان؟ هل كل عربي مسلم بالضرورة، وهل كل مسلم عربي بالضرورة؟ الجواب: لا.
وقد تكون علاقة عموم وخصوص، كالذي بين لفظ النجدي
(1) انظر خبر هذه الواقعة في الحلقة 111 من الذكريات، وهي في الجزء الرابع (مجاهد).
أو الحجازي ولفظ السعودي، بحيث يكون كل حجازي وكل نجدي سعودياً وليس كل سعودي نجدياً أو حجازياً. فهل بين العربية والإسلام عموم وخصوص؟
وقد تكون علاقة تضاد، فهل بينهما تضاد؟ المتضادّان لا يجتمعان ولكن قد ينعدمان، كالبياض والسواد، لا تجد ثوباً هو أبيض وأسود ولكن تجد أصفر، فلا هو أبيض ولا أسود. فهل العربية والإسلام من هذا الباب؟ هل بينهما تناقض فلا يجتمعان معاً، ولا ينعدمان معاً؟ كالوجود والعدم والموت والحياة، هل يمكن أن يكون في الدنيا شيء لا هو موجود ولا هو معدوم؟ فكيف إذن يكون شيئاً؟
الرابطة بين العروبة والإسلام ليست شيئاً مما سبق، فما هي هذه العلاقة؟ إنها التي يسميها أهل المنطق «عموم وخصوص من وجه» .
لتَضِحَ لكم هذه الرابطة ارسموا على صفحة أمامكم دائرتين متداخلتين، دائرة كبيرة ودائرة صغيرة، تجدوا أمامكم ثلاثة أقسام: قسم كله من الدائرة الكبيرة وليس فيه من الصغيرة شيء، وقسم كله من الدائرة الصغيرة ليس فيه من الكبيرة شيء، وقسم تلتقي فيه الدائرتان فهو من هذه ومن تلك. وهذا مثال العربي المسلم؛ فمن كان عربياً مسلماً لا صلة له بهذه المشكلة التي نتكلم عنها، لأنه إن دُعي باسم الإسلام كان من المدعوّين، وإن دُعي باسم العروبة كان من المدعوّين. ولكن الخلاف في القسمين الباقيين، في العربي غير المسلم، وفي المسلم غير العربي: أيّهما أقرب إلينا؟
أذكّركم أولاً أن الجواب ليس متروكاً لنا، لآرائنا وأهوائنا، بل هو شيء قرّره كتاب ربنا، فمَن عَدَل عنه أو عدَّل فيه خرج من الدين. الأخوّة في القرآن أخوّة الإيمان، ليس عندنا شيء اسمه أخوة العروبة كما كان يقول مذيع صوت العرب، لأن رابطة الإيمان أقوى عندنا من رابطة النسب والدم.
وأنتم تعرفون أن الله وعد نوحاً أن ينجّي له أهله، فلما دعا ولده ليركب معه في سفينته مع القوم المؤمنين أبى وأعرض، وظن أنه يجد جبلاً يأوي إليه يعصمه من الماء، فلما كان من المُهلَكين قال نوح:{رَبِّ إنّ ابْنِي مِنْ أهْلي وإنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ} ، فقال له الله رب العالمين:{يا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ، إنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالح} . فهل تكون الرابطة بيننا وبين صاحب الكتاب المفتوح أقوى من رابطة الأخوّة والبُنُوّة بين نوح وولده؟ فإذا رفض الله هذه الرابطة وأباها على نوح، الأب الثاني للبشر، فهل يقرّنا عليها؟
* * *
إن هذه ليست مناقشة في مذهب أدبي ولا في قضية اجتماعية، ولا هي رأي لنا نتبنّاه أو نتبرأ منه؛ إنها مسألة دين. ونحن نجامل نصارى العرب الذين لم يقاتلونا في ديننا ولم يُخرجونا من ديارنا ولم يُظاهروا علينا، ونبرّهم ونقسط إليهم، ولكننا لا نرضى أن نبذل في هذه المجاملة ذرة من ديننا أو من عقيدتنا، فنبوء بغضب الله وعذاب الدهر كله، وندخل جهنم إكراماً لخواطرهم وحباً بعيونهم
…
لا والله، ولا كرامة! إن بذل الدنيا وما فيها من مال ومتاع يُعَدّ كرماً، ولكن بذل الدين حماقة
وجنون، ونحن لا نريد أن نكون حمقى ولا مغفلين.
يقول صاحب الكتاب المفتوح: "إن قسمة العالم إلى مسيحيين ومسلمين لم تعد واردة -كما نعلم ذلك جيداً- لا في أوربا ولا في أميركا جميعها، شمالاً ووسطاً وجنوباً، ولا في الصين ولا في اليابان ولا حتى في الهند، إن هذه القسمة قد انقضت منذ زمن".
أفادك الله يا صاحب الكتاب المفتوح، فقد أريتنا ما لم نكن نراه، دللتنا على أمر لا وجود له. فهل أنت جادّ فيما تقول؟ أم أنت تهزل في موضع الجِدّ؟ أم أنك تعيش في مثل جمهورية أفلاطون أو في المدينة الفاضلة للفارابي، بعيداً عن الدنيا وما فيها، تسامر أحلامك حتى تتصورها حقيقة واقعة، وما هي بالحقيقة ولا بالواقعة؟
ولمّا نَزلْنا منزلاً طَلَّهُ النَّدَى
…
أَنيقاً وبُستاناً من النَّوْرِ حالِيَا
أَجَدَّ لنا طِيبُ المكانِ وحُسْنُهُ
…
مُنَىً، فتمنّينا فكنتَ الأَمانِيَا
والأمانيّ لا تلد وحدها واقعاً: {لَيسَ بِأمَانِيِّكُمْ وَلا أمَانِيِّ أهْلِ الكِتابِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه} . لقد ذكّرني هذا القول بقصة كنا نقرؤها في كتاب المطالعة في المدرسة الابتدائية قبل سبعين سنة، هي أن صياداً كان يصيد العصافير في يوم بارد ويبكي من شدة البرد، فقال عصفور لصاحبه: ألا ترى رقّة قلبه وسَيَلان دمعه؟ فقال له صاحبه: ويحك، لا تنظر إلى الدمع في عينيه، بل انظر ما تصنع يداه.
كيف بَطَلَ تقسيم الناس إلى مسلمين ونصارى؟ خبّروني إن
كنتم تعلمون. هل أسلم النصارى جميعاً فلم يبقَ منهم أحد، أم كفر المسلمون جميعاً وصاروا نصارى؟ فكيف بطل هذا التقسيم وهو قائم مشاهَد موجود؟ أهذا كلام؟
وأنبّه إلى أنني لا أريد إثارة النزاع بين المسلمين والنصارى ولا أنا الذي بدأ الكلام فيه، وما أكتب الآن إلا جواباً على كتاب، ما أرسله صاحبه بالبريد مغلقاً بل نشره في الجريدة الكبرى مفتوحاً، ولا بد للكتاب المفتوح من جواب مفتوح. يقول إنها لم تعد هناك حروب بين النصرانية والإسلام. فما الذي يقع إذن في لبنان؟ هل المسلمون هم الذين أعلنوا هذه الحرب وحشدوا لها، وأعدوا لها هذا السلاح كله، ومزّقوا حكومتهم من أجلها؟ وهل المسلمون هم الذين جعلوا البلد بلدين والعرب عربَين، فكانت بيروت الشرقية بلداً والغربية بلداً، وبينهما برزخ لا يبغيان؟ إن المسلمين، أي الذين هم على مذهب أهل السنة والجماعة، على سنن رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام لا على مذهب الخميني وابن سبأ، هم وحدهم الذين لم يؤلّفوا شبه حكومة، ولا ساقوا جيشاً، ولا أعدّوا سلاحاً، ولا كانت لهم فرق من المليشيات.
فكيف إذن انتهت الحروب؟ وهل الحرب هي التي فيها المدافع والبارود فقط؟ أليس من الحرب ما هو أشد من حرب الحديد والنار، ما هو حرب العقائد وحرب المبادئ؟ فإذا كانت هذه الحروب قد انتهت، فماذا يصنعون في أندونيسيا وفي إفريقيا؟ ما بال المنصّرين المكفّرين (الذين يدعونهم بالمبشرين)، ما بالهم يسهرون الليل ويصلونه بالنهار، يُعدّون العُدَد ويرسمون الخطط
وينفقون الأموال لإخراج أبناء المسلمين من دينهم؟ يقنعون بذلك بعد أن عجزوا عن إدخالهم في دينهم هم (1).
* * *
وبعد، فأعيد القول إني لا أريد التفريق بين الناس ولا أريد العدوان على أحد، ولكن ربنا علّمَنا فقال لنا: من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. فأنا هنا إنما أردّ عدواناً وأصحح خطأ، وأعلن حقاً أبلج لا مرية فيه، وأنا أجامل النصارى من العرب ولا أسوؤهم ولا أعتدي عليهم، ولكنني لا أبذل لهم ذرة من ديني لأن ديني أغلى عندي من الدنيا ومن فيها.
* * *
(1) ثم شاء الله أن تتم فصول الرواية لتزول الغشاوة عن أعين ناس منا لم تقنعهم كلمات الشيخ هذه يومئذ، فانتزع الصليبيون جزءاً من أندونيسيا وجعلوه دولة نصرانية اسمها تيمور، وفي السودان يسعون سعياً حثيثاً إلى مثل ذلك في دارفور، وقد لا يصل هذا الكتاب إلى الناس (في طبعته الأولى هذه أو في طبعة لاحقة) إلا وقد تحقق لهم هذا الأمر لا قدّر الله. أما هذه الحرب في لبنان، التي دفع فيها المسلمون الثمن الأكبر، فلم تعد إلا نادرة تُروى في جنب الكارثة الكبرى التي نزلت بالمسلمين في البوسنة، بعدما نشر جدي رحمه الله مقالته هذه ببضع سنين، ورأينا فيها من الفظائع والأهوال ما جعل هولاكو في أعيننا من أرحم الرُّحَماء! ولم نكد ننسى ذلك كله أو نكاد حتى أعلن بوش حربه الصليبية الجديدة، وجيّش الجيوش من أمم العالَم النصراني كله لمحاربة المسلمين في العراق وفي أفغانستان. ثم ماذا بعد؟ الجواب في رَحِم الأيام، فانتظروا الجواب (مجاهد).
من آثار المؤلف
1 ـ أبو بكر الصديق 1935
2 ـ قصص من التاريخ 1957
3 ـ رجال من التاريخ 1958
4 ـ صور وخواطر 1958
5 ـ قصص من الحياة 1959
6 ـ في سبيل الإصلاح 1959
7 ـ دمشق 1959
8 ـ أخبار عمر 1959
9 ـ مقالات في كلمات 1959
10ـ من نفحات الحرم 1960
11ـ سلسلة حكايات من التاريخ (1 ـ 7) 1960
12ـ هتاف المجد 1960
13ـ من حديث النفس 1960
14ـ الجامع الأموي 1960
15ـ في أندونيسيا 1960
16ـ فصول إسلامية 1960
17ـ صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق وتعليق) 1960
18ـ فِكَر ومباحث 1960
19ـ مع الناس 1960
20ـ بغداد: مشاهدات وذكريات 1960
21ـ سلسلة أعلام التاريخ (1ـ 5) 1960
22ـ تعريف عام بدين الإسلام 1970
23ـ فتاوى علي الطنطاوي 1985
24ـ ذكريات علي الطنطاوي (1ـ 8) 1985ـ 1989
25ـ مقالات في كلمات (الجزء الثاني) 2000
26ـ فتاوى علي الطنطاوي (الجزء الثاني) 2001
27ـ فصول اجتماعية 2002
28ـ سيّد رجال التاريخ (محمد صلى الله عليه وسلم 2002
29ـ نور وهداية 2006
30ـ فصول في الثقافة والأدب 2007
31ـ فصول في الدعوة والإصلاح 2008
* * *