المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌التقدمية والرجعية

- ‌الإسلام والحياة

- ‌أساس الدعوة إلى الإسلام

- ‌أين الخلل

- ‌حقائق مؤلمة

- ‌بلا عنوان

- ‌دعوهم وما يقولون

- ‌تعليق مختصر على خبر

- ‌اتفاق الدعاة

- ‌الدِّين ثقيل والجزاء عظيم

- ‌وصية وإنذار

- ‌مشكلة

- ‌عرّفوهم بالإسلام يصيروا مسلمين

- ‌الأحاديث الدينية في الإذاعة

- ‌منهج الدعوة وواجب الدعاة

- ‌ماذا يصنع الصالحون

- ‌بيان وإنذار

- ‌الدعوة إلى الأصول قبل الفروع

- ‌رسالة بلا عنوان

- ‌خدمة الإسلام

- ‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

- ‌حصاد ربع قرنفي حقل الدعوة الإسلامية في الشام

- ‌المدرسة الدينية

- ‌في نقد المناهج الدينية

- ‌كلمة تُرضي اللهوتُغضب بعض البشر

- ‌الاختلاط في الجامعات

- ‌كلمة في الأدب

- ‌حركة طيبة في لبنان

- ‌عدوان فظيع، ودعوة صالحة

- ‌عدوان أفظع

- ‌جاء الحق وزهق الباطل

- ‌الحكم بالقوانين الشرعية

- ‌إلى علماء الشيعة

- ‌إلى أين تمشي مصر

- ‌مات شيخ الأزهر

- ‌نحن وهذه الحضارة

- ‌موقفنا من الحضارة الغربية

- ‌ردّ على أدعياء البعثية

- ‌كلمة في الاشتراكية

- ‌الدعوة إلى الوحدة

- ‌الدعوة القومية والإسلام

- ‌كلمة صغيرة

- ‌موقف الإسلام من العربية

- ‌فضل الإسلام على العربية

- ‌القومية والإسلام

الفصل: ‌مات شيخ الأزهر

‌مات شيخ الأزهر

!

نشرت سنة 1954

إن مات شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن تاج فليس أول شيخ يموت، ولقد مضى من قبله أئمة فحول كانوا مصابيح الهدى وكانوا بحار العلم، وكانوا في ثباتهم على الحق جبالاً لا تزول حتى تزول عن مطارحها الجبال

ولكنه أول شيخ للأزهر يموت ونفسه «حيَّة» تسعى!

إن مَن قبله مات ودُفن، وهذا عاش ولُعن، فما مات فيه جسده الفاني، ولكن مات قلبه ومات ضميره ومات إيمانه، وباع الآجلة بالعاجلة، وآثر الدنيا على الآخرة، وفضّل رضا جمال عبد الناصر على رضا الربّ الناصر لأوليائه، القاهر فوق أعدائه، الجبار الذي لا يشاركه كبرياءه أحدٌ إلا قصمه

فحكم (جازاه الله) بتكفير صفوة المؤمنين في هذا العصر، الإخوان المسلمين (1):

(1) تولى الشيخ عبد الرحمن تاج مشيخة الأزهر بقرار من رئيس الجمهورية، جمال عبد الناصر، في بداية سنة 1954، وهو نموذج للعالِم الذي يبيع دينه بدنيا غيره (وإن هذه لأخسر صفقة في الدنيا، نعوذ بالله أن نقع في مثلها)؛ عُرف أولاً بفتواه الشهيرة في "التجريد من شرف المواطَنة (الجنسية) " التي أعان بها على ضرب اللواء=

ص: 247

الشباب الذين نشؤوا في طاعة الله، وبشّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ممّن يظلهم عرش الله يوم لا ظل إلا ظله. شباب عرفوا الإسلام وتمسكوا به، أمّوا المساجد على حين يؤم أترابهم الملاهي والمراقص، وصفّوا أقدامهم في هدآت الليل على حين يسهر أولئك في الخزي والعار، وناجَوا ربهم في خلوات الأسحار على حين ينام أولئك نوم العَجْماوات، وحملوا في سبيل الله من ظلم الظالمين ما تنطحن تحته الرواسي، فما لانوا ولا استكانوا، ولا كفروا بالله مذ آمنوا به، ولا ضاقوا بمحن الأيام منذ استعذبوا لذائذ الطاعات.

وجاء في بيانه (الذي أذاعته محطة مصر) بالآيات محرَّفات عن مواضعها، والأحاديث مَسوقة غير مساقها، ليوهم عامة المصريين أنه يدافع عن الدين ويتكلم بلسان العلم، فلم يسعني والله السكوت وأنا أعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن على المسلم أن يقول الحق ولو على نفسه أو صديقه أو زميله، وخفت إن سكتنا جميعاً ولم نَرُدّ على هذا الدعيّ المفتري أن يعمّنا الله بعذاب من عنده.

= محمد نجيب، أول رئيس لمصر في العهد الجمهوري، ثم صار سيفاً في يد جمال عبد الناصر في حربه الهمجية الظالمة على الإخوان، فأصدر في أعقاب حادثة المنشية (تلك التمثيلية المشهورة) بياناً شرساً هاجم فيه الإخوان وحرّض عليهم باعتبارهم "جماعة تعمل على تشويه الدين وحقائقه"، وفي هذا البيان، وعنوانه «مؤامرة الإخوان» ، وصف الإخوان بأنهم "خوارج لا تُقبَل منهم توبة ولا شفاعة"! (مجاهد).

ص: 248

ولا أدري من هو الذي خدع شيخ الأزهر والنّفَرَ من علماء السوء الذين شاركوه خزيه، فأخبرهم أن في الإسلام «إكليروس» ، وأن شيخ الأزهر كالبابا في القرون الوسطى، يُدخل الجنة ويحرم منها ويبيعها قراريط وأمتاراً، ولم يعلم أن الإسلام ليس فيه رجال دين، وأن كل مسلم هو رجل الدين، وأن امرأة عجوزاً ردّت على عمر

وما نافق عمر ولا زوّر، ولكن اجتهد فأخطأ. فلماذا لا يردّ مثلي على شيخ الأزهر، وهو لا يقاس بعمر ولا يدانيه ولا يوزن بشِراك نعله، وهو قد غيّر وبدل وكذب ونافق، وألزم نفسه قاعدة «من كفّرَ مسلماً فقد كفر» ، فكيف بمن يكفّر الملايين من صفوة المسلمين؟

ولو فرضنا (وهو فرض لا يلزم ولا يثبت حقاً) أن الاشتراك في السعي لقلب الحكم في مصر كفر، فكيف حكم بالتكفير قبل صدور الحكم من هذه المحكمة العجيبة، وكيف عمّمه على الإخوان المسلمين جميعاً في آفاق الأرض وهم ملايين وملايين، من كل شاب رجله خير من رأس الشيخ المنافق، وقفاه أفضل من وجهه، وساعة منه في طاعته وعبادته خير من عُمْر في النفاق؟!

وأين شيخ الأزهر؟ وما له خرس عن إنكار المنكرات في مصر، عن الفجور المعلَن، عن الفسق البادي، عن الخمور والشرور، عمّا أحدثه هؤلاء الحاكمون من ألوان المعاصي، من إبعاد الصالحين وإدناء الراقصات والراقصين؟ ما له لم يجد هو وصحبه هيئة كبار العلماء، ما يثير غضبهم إلا أن يكون في الدنيا هؤلاء الملايين من الشباب المؤمنين الصالحين المصلحين؟

* * *

ص: 249

أنا أعرف مصر من خمس وعشرين سنة، وأعرفها الآن، وأشهد أن ليس فيها من خير جَدَّ إلا كان مصدره دعوة الإخوان. وهل كان فيها من قبلُ شبابٌ يملؤون المساجد، وطلابٌ يقومون الليل ويتلون القرآن، ويتزاحمون على الطاعات تزاحم غيرهم على الراقصات والسينمات؟ وهذا السيل من الكتب الإسلامية الذي ينبع من المطابع العصرية حتى يصل إلى أقصى الأرض التي تقرأ العربية، فيخلّف وراءه حيثما سار خصباً ونباتاً وزهراً وثمراً؟ لقد جرف كل فكر، حتى أفكار هؤلاء المؤلفين الذين صاروا يكتبون في الإسلام ورجاله (وما كانوا منه قبل دعوة الإخوان في قليل ولا كثير): العقّاد وهيكل وطه والحكيم، وكثير غيرهم يعرفهم الناس. وكل دار للنشر، حتى الدور التي ما فتئت تحارب الإسلام حرباً منظَّمة بنشر الصور العارية والأخبار الداعرة حتى غدت ماخوراً سَيّاراً، كدار الهلال ودار أخبار اليوم، صارت هي الأخرى تنشر الكتب الإسلامية لأن السوق اليوم -بفضل دعوة الإخوان- سوقها.

وما أنا من الإخوان في قيود السجلات، ولكني منهم في العقيدة والدين. وقد عوّدني الله أن لا أقول إلا الحق، وأن أجهر به إن خرس عنه ضِعاف الإيمان أو صرّح علماء السوء بغيره، كهؤلاء الذين كتبوا هذا البيان. هؤلاء الذين اغترّوا حين سَمّاهم الحاكمون «هيئة كبار العلماء» ، وعطس إبليس في مناخرهم وزيّنَ لهم الجاه والمنصب، فبذلوا في سبيله كل شيء، حتى الدين، فجعلوا علمهم مطيّة يصلون به إلى قلب كل حاكم.

قرروا بالأمس أن فاروق من أشراف المسلمين وأنه من

ص: 250

نسل الرسول صلوات الله عليه، ذلك لمّا كان فاروق هو الملك الذي يعطي المناصب والرتب، فلما زال لم يستحوا أن يجعلوه شيطاناً مَريداً، بعد أن جعلوه الملك الصالح المصلح والشريف الحسيب النسيب! وهم اليوم يقررون كفر الإخوان (أستغفر الله من رواية هذا الهذر)، ولئن عاد الإخوان غداً وصار لهم الأمر عادوا يتزلفون إليهم ويجعلونهم الهادين المهديين، وسترَون.

شِنْشِنة عرفناها من أَخْزَم وخُلُق في الصَّغار ألفناه وعرفناه. أما الإخوان فقد أثبتت الأيام أنهم صفوة المسلمين في هذا العصر، وأنهم كالذهب المصفَّى لا تزيده النار إلا صفاء. فيا أيها الإخوان، اصبروا واثبتوا، فإنه إن كان شيخ الأزهر عليكم فإن الأمة الإسلامية كلها معكم، والله معكم، ومن كان مع الله فلا يبالِ أحداً.

اصبروا آل عمّار، موعدكم الجنة!

* * *

وبعد، فهذه تعزية بشيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء. لقد ماتوا، فلا تذكروا بعد اليوم شيخ الأزهر ولا هيئة كبار العلماء! ولو أنهم ماتوا ودُفنوا لكان خيراً لهم، ولكن ماتت ضمائرهم وماتت قلوبهم، فنطقت ألسنتهم بهذا البيان الذي رضي عنه عبد الناصر وصحبه، وغضب عليهم من أجله الناس جميعاً والملائكة، وغضب عليهم الله المنتقم الجبار.

وبعد (مرة ثانية)، فما لشيخ الأزهر هذا وأمور الدين؟ أين هو من الدين لمّا كان يتحدث إلى الصحف عن باريز وليالي

ص: 251

باريز، ويَحِنّ إليها كما يحن المؤمن إلى زمزم والحطيم، ويترحم على لياليها ويدعوها «الجنة» ؟ هذه أحاديثه في المجلات، وهذه صورته وسيكارته في يده، وفمه مفتوح وأنظاره ضائعة في الماضي، ماضيه في باريس (1)، جنّته التي خرج منها آسفاً عليها متشوقاً إليها!

هذا هو -يا أيها المسلمون- شيخ الإسلام في هذا العصر: كعبته باريس، وتشوّقه إلى ملاهيها، وعلمه سلّم للدنيا ومطيّة للوصول إلى رضا الحاكمين. هذا الذي أصدر الحكم بتكفير الإخوان المسلمين!

إلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* * *

(1) حصل الشيخ عبد الرحمن تاج على شهادة الدكتوراة في الفلسفة وتاريخ الأديان من جامعة السوربون في فرنسا عام 1943 (مجاهد).

ص: 252