المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفنا من الحضارة الغربية - فصول في الدعوة والإصلاح

[علي الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌التقدمية والرجعية

- ‌الإسلام والحياة

- ‌أساس الدعوة إلى الإسلام

- ‌أين الخلل

- ‌حقائق مؤلمة

- ‌بلا عنوان

- ‌دعوهم وما يقولون

- ‌تعليق مختصر على خبر

- ‌اتفاق الدعاة

- ‌الدِّين ثقيل والجزاء عظيم

- ‌وصية وإنذار

- ‌مشكلة

- ‌عرّفوهم بالإسلام يصيروا مسلمين

- ‌الأحاديث الدينية في الإذاعة

- ‌منهج الدعوة وواجب الدعاة

- ‌ماذا يصنع الصالحون

- ‌بيان وإنذار

- ‌الدعوة إلى الأصول قبل الفروع

- ‌رسالة بلا عنوان

- ‌خدمة الإسلام

- ‌الطريقة الصحيحة للإصلاح

- ‌حصاد ربع قرنفي حقل الدعوة الإسلامية في الشام

- ‌المدرسة الدينية

- ‌في نقد المناهج الدينية

- ‌كلمة تُرضي اللهوتُغضب بعض البشر

- ‌الاختلاط في الجامعات

- ‌كلمة في الأدب

- ‌حركة طيبة في لبنان

- ‌عدوان فظيع، ودعوة صالحة

- ‌عدوان أفظع

- ‌جاء الحق وزهق الباطل

- ‌الحكم بالقوانين الشرعية

- ‌إلى علماء الشيعة

- ‌إلى أين تمشي مصر

- ‌مات شيخ الأزهر

- ‌نحن وهذه الحضارة

- ‌موقفنا من الحضارة الغربية

- ‌ردّ على أدعياء البعثية

- ‌كلمة في الاشتراكية

- ‌الدعوة إلى الوحدة

- ‌الدعوة القومية والإسلام

- ‌كلمة صغيرة

- ‌موقف الإسلام من العربية

- ‌فضل الإسلام على العربية

- ‌القومية والإسلام

الفصل: ‌موقفنا من الحضارة الغربية

‌موقفنا من الحضارة الغربية

(1)

حديث أذيع سنة 1972

الإسلام جاء للحياة كلها، للبيت والسوق والمدرسة والمحكمة والديوان، فهل يسيطر الإسلام اليوم على حياتنا؟

أريد أن أبدأ من الإذاعة، فليسمح لي القائمون على الإذاعة. إنكم تسمعون الآن حديثاً دينياً، فماذا يجيء بعده إذا انتهى، وماذا كان في الإذاعة قبل أن يبدأ؟ والمصلي يذهب إلى الصلاة في المسجد، ولكن ماذا كان يصنع قبل الصلاة، وماذا يصنع بعدها؟

لقد فصلنا في الواقع الدينَ عن الحياة، فبقينا نحافظ على مظاهر الإسلام في العبادة، ولكن إذا انتهت العبادة لم نَسِرْ في حياتنا على هَدي الإسلام. انظروا إلى حياتنا اليوم، إلى تفكيرنا، إلى مطالعاتنا، إلى صحفنا، إلى مدارسنا، إلى أزيائنا، إلى

(1) هذه المقالة القصيرة فيها -على إيجازها- تكملة وتوضيح لما انتهت إليه المقالة السابقة، ولولا ذلك لاقتصرت على تلك الأولى ولم أدرج هذه الثانية في الكتاب، وإن يكن فيها بعض التكرار الذي لا بد منه (مجاهد).

ص: 259

عاداتنا، هل الطابع الإسلامي الخالص أظهَرُ فيها أم الطابع الغربي (الأفرنجي)؟

فينبغي أن نمحّص حياتنا وأن نجردها مما طرأ عليها. وأنا لا أقول بترك هذه الحضارة الجديدة والعودة إلى ما كنا عليه من ستين أو سبعين سنة، ولا إلى أخذ هذه الحضارة بكل ما فيها.

لما جاءتنا هذه الحضارة أول مرة، من أكثر من نصف قرن، أصابتنا في دهشة، ورأيناها مفاجأة دفعتنا إلى أحد موقفين: منا من ازداد تمسكاً بقديمه وأعلن رفضه الكامل لكل ما جاءت به من خير ومن شر، ومنا من أقبل عليها يأخذها بكل ما فيها من خير أو شر.

وكلا الموقفين خطأ، وكل من الطرفين مخطئ. واشتد الجدال بينهما وامتد النزاع، وقامت معركة في غير طائل. ولست أسرد تاريخاً، ولا أحيط بخمس دقائق بجوانب الموضوع، ولكن أعرض الخطوط العريضة.

إذا كان كل من الموقفين خطأ فما هو الموقف الصحيح؟ الجواب أن الحضارة الغربية، أعني هذه الحضارة الجديدة، لها جوانب. جانب فكري فلسفي، وجانب عملي علمي، وجانب فني، وجانب يتصل بالعادات ويتعلق بالمجتمع.

ورأيي أنا أن الجانب الفلسفي (الذي يبحث فيما وراء الطبيعة) لا نحتاج إليه، ولا ينبغي أن يشتغل به إلا نفر من الأساتذة والطلاب المختصين، للعلم به ومناقشته والرد عليه.

ص: 260

والجانب العلمي، أي العلوم المادية من الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء وأمثال ذلك، فهذا نأخذه كله، ونتعلمه حتى نصير نحن أساتذته ونسبق فيه أهله أو نجاريهم فيه.

وما يتعلق بالفنون الجميلة، ما كان منه مخالفاً لديننا كالتصوير المجسم والرقص العاري والاختلاط الخبيث باسم الفن، فهذا لا نقبله ولا نوافق عليه.

وما يتصل بالعادات والأخلاق الاجتماعية ففيه تفصيل. المشاهَد أن الأخلاق الاجتماعية الصالحة -من الوفاء بالوعد، والمحافظة على الكلمة، والصدق في المعاملة، والترتيب والنظافة، والتعاون المثمر، وأمثال ذلك- موجود عند الإفرنج متوافر في أكثر مجتمعاتهم، وكله مما يأمر به ديننا، فإذا أخذنا به فقد عملنا بأحكام الدين.

أما الأخلاق المتصلة بالجنس فقد بلغت عندهم نهاية الانحطاط، فعندهم التكشف والخلاعة والاختلاط وهوان الأعراض وإعلان الفجور، فهذا لا نقبله منهم ولا نقلدهم فيه، ونحاربه ما استطعنا، لأن ديننا وشرف سلائقنا وعاداتنا وأعرافنا كلها توجب علينا محاربته.

* * *

الخلاصة أن العلوم المادية -من الكيمياء والفيزياء والطب والفلك والجغرافية وأمثالها- نأخذها كلها، أعني نأخذ حقائقها الثابتة لا نظرياتها، ولا يمكن أن نجد نصاً في القرآن قطعياً يعارض حقيقة علمية مشاهَدة. والمخترَعات الجديدة -من

ص: 261

السيارات والطيارات والمدافع والصواريخ والمصانع وأمثالها- نأخذها كلها ونتعلم أسرارها، ونحاول أن نصنع مثلها أو خيراً منها. والمبادئ والفلسفات المخالفة لعقائدنا، والفنون التي تنافي ديننا وأخلاقنا، نرفضها كلها ولا نقبلها. والعادات ما كان منها صالحاً نافعاً أخذناه، وما كان منها ضاراً تركناه.

هذه هو موقفنا من هذه الحضارة.

* * *

ص: 262