الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمثيلا بالمخلوقات، فإذا قال الأشعري هذا الجواب للمعتزلي قال له أهل السنة: جوابك على المعتزلي هو جوابنا عليك بالنسبة لسائر الصفات.
وجه الاستدلال على الصفات السبع بالعقل
…
قوله:
فإن قال تلك الصفات أثبتها بالعقل، لأن الفعل الحادث دل على القدرة والتخصيص دل على الإرادة والأحكام دلت على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع، والبصر، والكلام أو ضد ذلك. قال له سائر أهل الإثبات: لك جوابان، أحدهما أن يقال: عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، فهب أن ما سلكت من الدليل العقلي لا يثبت ذلك، فإنه لا ينفيه والنافي لابد أن يَأتِي بدليل كالمثبت سواء بسواء، وليس لك أن تنفيه بغير دليل، لأن النافي عليه الدليل كما على المثبت، والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل – السالم عن المعارض المقاوم – الثاني أن يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما اثبت به تلك من العقليات، فيقال: نفع العباد بالإحسان إليهم، يدل على الرحمة، كدلالة التخصيص على المشيئة، وإكرام الطائعين يدل على محبتهم، وعقاب الكافرين يدل على بغضهم، كما قد ثبت بالمشاهدة والخبر من إكرام أوليائه وعقاب أعدائه، والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته – وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة – تدل على حكمته البالغة، كما يدل التخصيص على المشتبه، وأولى لقوة العلة الغائبة، ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة.
ش: يعني إذا قال إني أثبت الصفات السبع، لدلالة العقل عليها، وأما بقية الصفات فلا أثبتها لعدم دلالة العقل عليها أجيب
بجوابين: وفيما بين ذلك ذكر المؤلف وجه استدلال الأشعري على إثبات هذه الصفات بالعقل فقال: لأن الفعل الحادث دل على القدرة،" والتخصيص دل على المشيئة، والأحكام دلت على العلم" فإن الفعل المحكم، والخلق والرزق، وإنزال المطر، وإنبات النبات، وتخصيص بعض الناس بالاصطفاء أو الكرامات، وكون الأحكام في غاية السداد والملاءمة للأحوال، كل ذلك يدل على إثبات هذه الصفات لله، وهذه الصفات لا يتصف بها إلا من كان حيا، والحي لا يخلو عن أن يكون سميعا، بصيرا، متكلما، أو يكون أصم، أعمى، أبكم، والسمع، والبصر، والكلام،-أوصاف كمال- وضدها-أوصاف نقص-والله تعالى له الوصف الأكمل فهو متصف بها هذا وجه الاستدلال على الصفات السبع بالعقل – والجوابان هما أولا أن يقال لمن زعم عدم دلالة العقل على ماعدا الصفات السبع: افرض أن العقل لم يدل عليها؟ فإن عدم دلالته عليها ليس معناه أنها غير موجودة إذ قد دل عليها دليل آخر- هو السمع – والسمع دليل مستقل بنفسه، بل الطمأنينة إلى مجرد العقل، فما الذي يسوغ لك نفي مدلوله؟ وقوله:"والنافي عليه الدليل كما على المثبت" معناه أن النافي عليه إقامة الدليل على الانتفاء، كما أن المثبت للشيء عليه إقامة الدليل على إثباته، وثانيا يقال له: بقية الصفات ثابتة بالعقل، كما أن الصفات السبع ثابتة به، فالإنعام، والإحسان، وكشف الضر، وتفريج الكربات، دال على الرحمة، كدلالة التخصيص على الإرادة والتخصيص بالكرامة والاصطفاء والاختيار دال على المحبة، كدلالة ما ذكرت على الإرادة. والإهانة والطرد والإبعاد والحرمان دال على المقت والبغض كدلالة ضده على الرضا والحب، والعقوبة والبطش، والانتقام دال على الغضب، كدلالة ضده على الرضا. وإذا قدر اثنان أحدهما يحب نعوت الكمال ويفرح بها ويرضاها، والآخر لا فرق عنده بين صفات الكمال وصفات النقص، فلا يحب هذا ولا
هذا، ولا يرضى هذا ولا هذا، ولا يفرح بهذا ولا بهذا، كان الأول أكمل من الثاني، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى يحب المحسنين والمتقين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهذه كلها صفات كمال، وكذلك إذا قدر اثنان أحدهما يبغض المتصف بضد الكمال كالظلم، والجهل، والكذب، ويغضب على من يفعل ذلك، والآخر لا فرق عنده بين الجاهل الكاذب والظالم، وبين العالم الصادق والعادل.
كان الأول أكمل وأيضا فنحن نعلم بالاضطرار أنه إذا فرضنا موجودين أحدهما يرحم غيره فيجلب له المنفعة ويدفع عنه المضرة، والآخر قد استوى عنده هذا وهذا، فليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ولا دفع مضرة – كان الأول أكمل – وقوله:"والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة تدل علة حكمته البالغة" الخ.
الغايات المحمودة مبتدأ خبره – قوله تدل على حكمته البالغة – وما بين المبتدأ والخبر جملة معترضة مفسرة للغايات، فقول المؤلف:"وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة" توضيح لمعنى الغايات المحمودة.
فالخلاصة أن العواقب الحميدة في أفعال الله وأوامره تدل على صفة الحكمة كدلالة التخصيص على الإرادة فالمشيئة بمعنى الإرادة الكونية وقوله: "لقوة العلة الغائية" معناه أن دلالة العواقب الحميدة في أفعال الله وأوامره على الحكمة أقوى من دلالة تخصيص بعض العباد دون بعض على صفة الإرادة ثم بين المؤلف وجه ذلك فقال: ولهذا كان ما في القرآن في بيان مخلوقاته من النعم، والحكم أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة، المعنى ومن أجل أن دلالة العواقب الحميدة على الحكمة أقوى من دلالة التخصيص على المشيئة نجد أن الله سبحانه
ذكر في القرآن ما في مخلوقاته من النعم والحكم أكثر مما ذكر أنه شاءها وخلقها فمثلا قوله تعالى: {وَالْأنعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تأكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأنفُسِ إن رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتأكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُمْ وَأنهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} هذه الآيات التي يذكر الله فيها أنه أنعم على عباده بما خلق لهم، وبيانه للحكمة في خلقه الأشياء أكثر من ذكره أنه كون الأشياء وخلقها بمشيئته، كقوله تعالى:{إنما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ونحوها من الآيات فهذه الأدلة العقلية التي دلت على هذه الصفات السبع، فتبين أنه لابد للأشعرية من واحد من أمرين، إما النفي والتعطيل وإما أن يصفوا الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، ويتبعوا في ذلك سبيل السلف الذين هم أعلم الأمة بهذا الشأن نفياً وإثباتاً وأشد تعظيماً لله وتنزيها له عما لا يليق بجلاله وكان الباب عندهم واحداً.
واعلم أن إثبات الصفات السبع فقط خلاف قول السلف وخلاف قول الجهمية والمعتزلة فالناس كانوا طائفتين، سلفية، وجهمية فحدثت الطائفة السبعية واشتقت قولا بين قولين، فلا للسلف اتبعوا ولا مع الجهمية بقوا، والأشعري منسوب إلى أبي الحسن علي ابن إسماعيل ابن أبي بشر، اسحاق بن سلمان بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صاحب الأصول، والقائم بنصرة مذهب أهل السنة وإليه تنسب الطائفة الأشعرية- ومولده سنة سبعين وقيل ستين ومأتين بالبصرة، وتوفي بعد نيف وثلاثين وثلاثمائة، وقيل سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، والأشعري بفتح