الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإمامة في الدين، كمالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، واسحق، وأبي حنيفة، وأبي يوسف" وأمثال هؤلاء وسائر أهل السنة، وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة والجماعة كالكلابية، والكرامية، والأشعرية، والسالمية، كلهم متفقون على إثبات الرؤية لله تعالى في الآخرة، ولم ينكر رؤية المؤمنين لربهم في دار الخلود، إلا الجهمية والمعتزلة والخوارج ونحوهم من طوائف الضلال وما احراهم بأن يكونوا ممن قال الله فيهم:{كلا إنهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} نسأل الله السلامة والعافية، كما نسأله سبحانه، لذة النظر إلى وجهه الكريم.
حقيقة مذهب المعطلة
…
قوله:
وإذا تأملت ذلك: وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لو يصف الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب، لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا، بل ولا موجوداً، وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالو لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولن ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين للعالم ولا مجانب له، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت
ش: بعد أن مثل المؤلف بعدة آيات فيها وصف الله بالنفي المتضمن لإثبات صفات الكمال قال بعد ذلك: إذا تتبعت القرآن ونظرت فيه نظر متأمل وجدت كل نفي وصف الله به نفسه هو من هذا القبيل، وذلك كنفي الظلم الدال على إثبات العدل، ونفي الشريك والظهير الدال على إثبات الوحدانية وتمام الملك، ونفي الكفؤ والمثيل الدال على الكمال المطلق، فالوجود كمال كله، فإن العدم كاسمه لاشيء وهو سبحانه قد وصف نفسه بأنه لم يكن له كفواً أحد، بعد وصفه
نفسه بأنه "الصمد" السيد الذي كمل في سؤدده وهذا هو المعقول في فطر الناس، فإذا قالو فلان عديم المثل، أو قد أصبح ولا مثل له في الناس، وما له شبيه ولا من يكافيه: فإنما يريدون بذلك أنه تفرد من الصفات والأفعال والمجد بما لا يلحقه فيه غيره، فصار واحداً في الجنس لا مثيل له: ولو أطلقوا ذلك عليه باعتبار نفي صفاته وأفعاله ومجده، لكان ذلك عندهم غاية الذم والنقص له، فإذا أطلقوا ذلك في سياق المدح والثناء لم يشك عاقل في أنهم إنما أرادوا كثرة أوصافه وأفعاله وأسمائه الحميدة التي لها حقائق تحمل عليها، فهل يقول عاقل لمن لا قدرة له ولا علم ولا بصر ولا يتصرف بنفسه ولا يفعل شيئاً ولا يتكلم ولا له وجه ولا يد ولا قوة ولا فضيلة من الفضائل، أنه لا شبه له ولا مثيل له وأنه وحيد دهره وفريد عصره ونسيج وحده؟ وهل فطر الله الأمم وأطلق ألسنتهم ولغاتهم إلا على ضد ذلك؟ فمن نفى صفات الله فقد وصفه بغاية العدم "فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب الذي هو النفي لم يثبتوا في واقع الأمر إلهاً يحمد ويثنى عليه، لما له من حقائق الأسماء والصفات، بل لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً موجوداً. فإن من تسلب عنه جميع الصفات الثبوتيه ما هو إلا معدوم والذين لا يصفونه إلا بالسلوب هم طوائف الفلاسفة كما سبق بيانه ويشاركهم في هذا النفي المعطلة من الجهمية والمعتزلة ونحوهم، فإنهم يعطلون صفات الله تعطيلا يستلزم نفي الذات وهذا معنى قول المؤلف: وكذلك شاركهم، فإن الجميع يصفون الباري تعالى بصفات العدم المحض الذي ليس هو بشيء البتة، وهذا هو الذي صرح به غلاة الجهمية وقد كان قدماؤهم يتحاشون عنه ويتسترون منه، وكان السلف من الأئمة مثل عبد العزيز بن الماجشون، وعبد الله بن المبارك، وحماد بن زيد ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وغيرهم هؤلاء، يتفرسون فيهم ذلك. فمذهبهم يرجع إلى مذهب الدهرية الطبائعية في المعنى، وهذا السلب بالإضافة إلى أنه لا ينطبق إلا على المعدوم فهو أيضاً لا يتضمن إثبات صفة يمدح بها
الموصوف، وهذا معنى قول المؤلف:"إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت".
قوله:
ولهذا قال "محمود بن سبكتكين" لمن أدعى ذلك في الخالق: ميز لنا بين هذا الرب الذي ثبته وبين العدم؟
ش: يعني من أجل أن هذه الصفات السلبية لا تنطبق إلا على المعدوم قال محمود: لمن ينفي صفات الله متحدياً له إذا كنت تثبت إلهاً ولا تصفه بصفات ثبوتية فما الفرق بينه وبين الشيء المعدوم؟ "ومحمود بن سبكتكين" هو الملقب بيمين الدولة، وكان مولده سنة ثلاثمائة وإحدى وستين، ووفاته سنة أربعمائة وإحدى وعشرين هجرية وكان يخطب في سائر مملكته للخليفة العباسي القدر بالله، وكان يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم، وكان على مذهب الكرامية في الاعتقاد، وكان من جملة من يجالسه منهم، محمد بن الهيضم، وقد جرى بينه وبين أبي بكر بن فورك مناظرة بين يدي السلطان محمود، في مسألة العرش فنقم على ابن فورك كلامه، وأمر بطرده وإخراجه من مجلسه، لموافقته لرأي الجهمية ولعل هذه القصة هي التي قال فيها محمود ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبت وبين المعدوم.
قوله:
وكذلك كونه لا يتكلم، أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال، بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات، فهذه الصفات، منها ما لا يتصف به إلا المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقصات.