الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستديرة في الكتاب والسنة والإجماع. ومنه قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال ابن عباس: في فلكة كفلكة المغزل. وأهل الهيئة والحساب متفقون عل ذلك، وأما العرش فإنه مقبب لما روى في السنن لأبي داوود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: جاء أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله " نهكت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك وربك على الله" قال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، سبحان الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال:" ويحك أتدري ما الله؟ إن شاء الله أعظم من ذلك أنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" وأمثاله من النصوص الدالة على ذلك والشاهد من آيتي "الحج" و "الفرقان" ورود السماء بها مراداً بها مطلق العلو.
حرف (في) يختلف معناه بحسب ما قبله وما بعده
…
قوله:
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلى الأعلى، وأنه فوق كل شيء كان المفهوم من قوله: أنه في السماء. أنه في العلو. وأنه فوق كل شيء. وكذلك الجارية لما قال لها أين الله؟ قالت في السماء، إنما أرادت العلو، مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها، وإذا قيل العلو فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودى يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله. كما لوز قيل: العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق، وأن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك، كان المراد أنه عليها، كما قال:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} وكما قال {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح وأن كان على أعلى شيء فيه
ش: لما بين المؤلف أن الآية الكريمة لا تقتضي ظرفية السماء للخالق سبحانه وأن حرف"في" يختلف معناه بحسب ما أضيف إليه ذكر بعد ذلك أن ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة يفهمون بمقتضى فطرتهم أن معنى كون الله سبحانه في السماء أنه عال على مخلوقاته، وهكذا قصد الجارية من قولها:"في السماء" إنما أرادت علوه سبحانه فوق جميع المخلوقات، ولم تتوهم أبداً أو تظن أن السماء تحصره وتحيط به، وهكذا سائر سلف الأمة وأئمتها، لم يتوهموا هذا المعنى بل لا يظن هذا أو يتوهمه إلا من انتكست فطرته وعميت بصيرته. وإذا أطلق العلو فالمراد به العلو على جميع المخلوقات وليس معنى ذلك أن هناك ظرفا موجودا فوق العرش فليس معنى كونه في السماء أنه داخل في شيء يحيط به فضلا عن أن يحتاج له. وضرب المؤلف لذلك مثلا بأنه العرش يوصف بأنه في السماء دون أن يقتضي ذلك أن يكون داخل في ظرف وجودي يحيط به إذ قد علم أنه سقف جميع المخلوقات. ثم ذكر أن السماء إذا فسرت بالأجرام السماوية فالمراد بكون الله فيها أنه عليها، وهو أسلوب معروف في اللغة، وقد ورد به القرآن الكريم، كما في الآيات التي استشهد فيها المؤلف. وقد حكى البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال العرب تضع"في" موضع"على" كقوله {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} . وقوله:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} فكذلك قوله: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي على العرش فوق السماء كما صحت الأخبار بذلك. وقال مثل ذلك غير واحد وقوله للجارية "أين الله؟ " هذا حديث صحيح روى من طرق متواترة على معاوية بن الحكم السلمي قال: "كانت لي غنم بين أحد والجونية فيها جارية لي فأطلقتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها فأسفت فصككتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعظم ذلك على فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟