الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القائلون بأن الوقف في آية آل عمران على لفظ الجلاله
…
قوله:
وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ} وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم. روي عن ابن عباس أنه قال: التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب. وقد روي عن مجاهد وطائفة أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله. وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها.
ش: بعد أن استشهد المؤلف بآية آل عمران على أن من القرآن ما لا يعلمه إلا الله، بين خلاف علماء الأمة في الوقف في الآية. فذكر أن الأكثر على القول بأن الوقف على لفظ الجلالة، ومن هؤلاء أبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وقوله "وغيرهم" يعني كابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز. حكاه ابن جرير الطبري عن مالك واختاره. ومن القائلين بأن الوقف على العلم من قوله "والراسخون في العلم، طائفة على رأسهم مجاهد، ومنهم الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير، والقاسم بن محمد" وروي هذا القول أيضاً عن ابن عباس فعلى القول الأول "الواو" في قوله "والراسخون" للاستئناف والراسخون، مبتدأ خبره يقولون. وعلى الثاني فالواو للعطف ويقولون حال، واستدل الأولون بمثل ما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله. ويقول الراسخون في العلم آمنا به. وبقراءة ابن مسعود وأن تأويله إلا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به، وبما دلت عليه الآية من ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة. فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي
أنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ} إلى قوله تعالى: {أولُو الْأَلْبَابِ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
ومن جملة ما استدل به القائلون بالعطف أن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم لا يعلمون ذلك. والتفسير الذي تعرفه العرب من كلامها هو تفسير مفردات اللغة كمعرفة معنى القرؤ والنمارق والكهف ونحوها. وأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهي الأمور المكلف بها اعتقاداً وعملاً كمعرفة الله بأسمائه وصفاته واليوم الآخر، والطهارة والصلاة والزكاة وغيرهما، وأما الذي يعلمه العلماء فهو الذي يخفى على غيرهم مما يمكن الوصول إلى معرفته، كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمحكم والمتشابه، ونحو ذلك. وأما الذي لا يعلمه إلا الله فهو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر. فإنه هذه الأشياء نفهم معناها، لكننا لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع، مثال ذلك. أننا نفهم معنى استواء الله على عرشه ولكننا لا ندرك الكيفية التي هي حقيقة ما هو عليه في نفس الأمر. وكذلك نفهم معنى الفاكهة والعسل واللبن والماء وغيرهما مما أخبر الله أنه في الجنة، لكن لا ندرك حقيقته في الواقع، كما قال تعالى:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .
وإذا جاز أن يكون في هذه المخلوقات ما يعرف معناه دون إدراك حقيقته ففي صفات الله أولى، والشاهد من كلام ابن عباس قوله رضي الله عنه "وتفسير لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب" وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، ووجه الدلالة من قول مجاهد رضي الله عنه "عرضت القرآن على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها، أن الراسخون في العلم في يعلمون معاني القرآن" وأبي، هو
ابن كعب بن قيس بن منذر الأنصاري الخزرجي، أقرأ الصحابة وسيد القراء، شهد بدراً والمشاهد، وقرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. سمع الكثير وجمع بين العلم والعمل، ومناقبه جمة. حدث عنه أبو أيوب الأنصاري وابن عباس وأبو هريرة، ومن أقواله رضي الله عنه ما رواه الربيع بن أنس عن أبي العالية قال:"قال رجل لأبي بن كعب أوصني، قال: اتخذ كتاب الله إماماًً وارض به حكماً وقاضيا، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم وحكم ما بينكم وخبركم وخبر من بعدكم". توفي بالمدينة سنة تسع عشرة وقيل اثنتين وعشرين رضي الله عنه. وابن مسعود هو عبد الرحمن بن أم عبد الهذلي صاحب رسول الله عليه السلام وخادمه وأحد السابقين الأولين، ومن كبار البدريين، ومن نبلاء الفقهاء والمقرئين، كان ممن يتحرى في الأداء ويشدد في الرواية، ويزجر تلاميذه عن التهاون في ضبط الألفاظ، وحفظ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وتسمع عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وهو يدعو، فقال "سل تعطه". وقال "من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" وقال عمر بن الخطاب في كتاب له "أني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراًَ وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاقتدوا بهما واسمعوا وقد آثرتكم بعبد الله من مسعود على نفسي" وقد نظر عمر إلى ابن مسعود وقد قام فقال "كنيف ملئ علماً" توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وله نحو من ستين سنة.
ومجاهد هو ابن جبر الإمام أبو الحجاج المخزومي بالولاء المكي المقرئ، المفسر الحافظ، سمع من عائشة وأبي هريرة، وأم هانئ، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، ولزمه مدة وقرأ عليه القرآن، وكان أحد أوعية العلم، وروى عنه قتادة وعمر بن دينار والأعمش وخلق كثير. ومن أقوال مجاهد رضي الله عنه قوله "عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقفه عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت؟ " قرأ على مجاهد: ابن