الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوافق يكون بينهما في الاسم لشدة التفاوت، وإذا تقرر هذا فالرب تبارك وتعالى وإن كان متصفا بالصفات ومسمى بالأسماء، والمخلوق يسمى بتلك الأسماء ويوصف بتلك الصفات فهما متفقان في الاسم وفي المعنى العام، غير أن هذا الاتفاق ليس معناه أنهما متماثلان، بل بينهما تفاوت عظيم وفرق كبير، التباين الذي بين الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت الذي بين المخلوق والمخلوق، فإن المخلوق أقرب إلى المخلوق، لموافقته في اسمه وجنسه وهذا جلي لا غموض فيه.
أقسام الناس في باب الإيمان بالله واليوم الآخر
…
قوله:
ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاث فرق: فالسلف والأئمة وأتباعهم آمنوا بما أخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين الآخرة، وأن مباينة الله لخلقه أعظم. والفريق الثاني: الذين أثبتوا ما أخبر به في الآخرة من الثواب والعقاب، ونفوا كثيرا مما أخبر به في الآخرة من الثواب والعقاب، والفريق الثالث: نفوا هذا وهذا، كالقرامطة، والباطنية، والفلاسفة، أتباع المشائين ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر.
ثم إن كثيرا منهم يجعلون الأمر والنهي من هذا الباب، فيجعلون الشرائع المأمور بها، والمحظورات المنهي عنها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها، كما يتأولون الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان وحج البيت، فيقولون: أن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم، وأن صيام رمضان كتمان أسراهم، وأن حج البيت سفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك من التأويلات التي يعلم بالاضطرار أنها كذب وافتراء على الرسل، صلوات الله عليهم، وتحريف لكلام الله ورسوله عن مواضعه، والحاد في آيات الله، وقد يقولون: الشرائع تلزم العامة دون الخاصة، فإذا
صار الرجل من عارفيهم ومحققيهم وموحديهم، رفعوا عنه الواجبات وأباحوا له المحظورات.
ش: يعني ومن أجل التوافق في الاسم، وفي المعنى العام وكون التفاوت بين الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت الحاصل بين حقائق الدنيا وحقائق الآخرة، من أجل هذا افترق الناس فيما أخبر الله به عن نفسه من حقائق الصفات، وما أخبر به عن اليوم الآخر إلى ثلاث فرق: فأهل السنة والجماعة آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال ونزهوه عن الند والمثال كما آمنوا بما أخبر الله به عن اليوم الآخر، وما أعد الله لمن أطاعه وعصاه من الجزاء، والفرقة الثانية آمنوا ببعض وهو الإيمان بما أخبر الله به عن اليوم الآخر وامتثال الأمر، واجتناب النهي، والجزاء على الأعمال، بينما نفوا حقائق أسماء الله وصفاته، وهم أهل التحريف والتأويل، الذين يقولون أن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال – ما في نفس الأمر- وأن الحق في نفس الأمر هم ما علمناه بعقولنا، ثم يجتهدون في تأويل هذه النصوص بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طرقها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات، فلا يقصدون مراد المتكلم به وحمله على ما يناسب حاله، وكل تأويل لا يقصد به صاحبه بيان مراد المتكلم وتفسير كلامه على الوجه الذي يعرف به مراده فصاحبه كاذب على من تأول كلامه، وقول المؤلف "مثل طوائف من أهل الكلام" يعني كالجهمية والمعتزلية ونحوهم، والفرقة الثالثة نفت ما دلت عليه نصوص المعاد، من البعث والنشور والجزاء على الأعمال، كما نفت ما دلت عليه نصوص الصفات من نعوت الجلال وأوصاف الكمال، وهذا ضلال صراح وكفر بواح، وهؤلاء هم الغلاة، من القرامطة والباطنية الإسماعيلية، والفلاسفة المشائين، وقول المؤلف "والباطنية بالعطف على القرامطة" يشير إلى أن هذه فرقة أخرى غير أتباع حمدان.
وأغلب ما يطلق هذا الوصف على أتباع إسماعيل بن جعفر، وقد تميزوا عن بقية طوائف الشيعة باسم الباطنية وأما قول المؤلف فيما سبق: عند ذكر الطوائف التي زاغت وحادت عن سبيل المرسلين، "والقرامطة الباطنية " فمعناه أن أتباع حمدان قرمط يوصفون بأنهم باطنية لموافقتهم هذه الفرقة في جعلهم نصوص الشرع عبارة عن رموز وإشارات لها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها. وقوله: ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر أنه به عن نفسه وعن اليوم الآخر يعني كملاحدة
الصوفية مثل ابن عربي وابن سبعين وأشباههما فإن هؤلاء قد ملكوا مسلك ملاحدة الشيعة: وقوله: "ثم أن كثيرا منهم " الخ. بعد أن فرغ المؤلف من بيان مذهب الملاحدة فيما يتعلق بحقائق أسماء الله وصفاته، وما وعد الله به في الآخرة من الجزاء على الأعمال: بين مذهبهم في فروع الشريعة فذكر أن الكثير منهم يسلكون فيها ما سلكوه فيما سبق، وذلك بإبطالهم معناه الحقيقي وتأويلهم لنصوصها بتأويلات، يعلم بالاضطرار من لغة العرب أنها ليست هي المفهوم من لفظ الصلاة والصوم والحج ولا يمكن أن يدعى أن أهل اللغة التي نزل بها القرآن كانوا يريدون هذا المعنى بهذا اللفظ. والقرآن نزل بلغة الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد أن يستعمل ألفاظه في معان وضعها من عندياته مع عدم الشبه والمناسبة التي تسوغ في اللغة. مثل هذا. وقوله:"ونحو ذلك من التأويلات يعني كتأويلهم الفرائض بموالاة زعمائهم والمحرمات بتحريم موالاة أبي بكر وعمر، وتأويلهم الملائكة بزعمائهم والشياطين بمخالفيهم ". وهذه التأويلات وأمثالها، يعلم بالاضطرار أنها كذب وافتراء على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وتخويف لكلام الله ورسوله عن مواضعه، والحاد في آيات الله وقوله قد يقولون الشرائع تلزم العامة دون الخاصة إلى قوله:"وأباحوا له المحظورات" يعني أن بعض هؤلاء الملاحدة قد يفرق بين عوام الناس وخواصهم في تطبيق الفروع، فالمحقق منهم والعارف