الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمخالف: والدليل على جواز مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم قوله صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد: بن سعيد بن العاص: وكانت صغيرة ولدت بأرض الحبشة "هذا سناء" والسناء الحسن في لغتهم، لأنها كانت من أهل هذه اللغة. وكذلك يترجم القرآن في لغتهم، لأنها كانت من أهل هذه اللغة. وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم ويترجمه بالعربية.
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأ ويكتب له ذلك حيث لم يأتمن اليهود عليه. وكثير ممن قد تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم صحة القول. وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا القبيل: يرى أحدهم تذكر له المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلها: لظنهم أن في عبارتهم من المعاني ما ليس في ذلك.
فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع واستعمل بلغتهم وبين بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي خضعوا لذلك وأذعنوا، كالتركي، والرمي والفارسي، الذي تخاطبه بالقرآن العربي وتفسيره، فلا يفهم حتى تترجم له شيئاً بلغته، فيعظم سروره وفرحه ويقبل الحق ويرجع عن باطله.
قوله:
"القاعدة الثالثة"
إذا قال القائل ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد، فإنه يقال:
لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك
، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلا، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ظلال.
ش: مذهب السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من أهل السنة أن نصوص الصفات تمر كما جاءت، ويؤمن بها وتصدق وهي صريحة الدلالة واضحة المعنى وظاهرها هو مراد الله بكلامه وذلك على ما يليق به ويناسب ذاته المقدسة فتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل: إذا عرف هذا فالقول بأن ظاهرها مراد أو ليس بمراد قول مجمل يحتاج إلى تفصيل. فإن لفظ الظاهر قد صار مشتركا بين معنيين:
أحدهما:
مثلا أن يقال: أن اليد جارحة مثل جوارح العباد، وظاهر الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وظاهر كونه في السماء أن يكون مثل الماء في الظرف فلاشك أن من قال: أن هذه المعاني وشبهها من صفات المخلوقين ونعوت المحدثين غير مراد من الآيات والأحاديث فقد صدق وأحسن، إذ لا يختلف أهل السنة أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل أكثر أهل السنة يكفرون المشبه، لكن هذا القائل اخطأ حيث ظن أن هذا المعنى هو الظاهر من هذه الآيات والأحاديث فإن ظاهر الكلام هو ما سبق منه إلى العقل السليم لمن يفهم تلك اللغة ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع وقد يكون بساق الكلام وليست هذه المعاني المحدثة المستحيلة على الله تعالى هي السابقة إلى عقول المؤمنين.
والمعنى الثاني:
أن هذه الصفات إنما هي لله تعالى كما يليق بجلاله نسبتها إلى ذاته المقدسة كنسبة صفات كل شيء إلى ذاته. فيعلم أن العلم صفة ذاتية للموصوف وكذلك الوجه واليدين وسائر الصفات.
فهذا هو الذي يظهر من إطلاق هذه الصفات، وهو الذي يجب أن تحمل عليه فالمؤمن يعلم أحكام هذه الصفات وآثارها وهو الذي أريد منه فهمه. فيعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وأن المؤمنين ينظرون إلى وجه خالقهم في الجنة ويتلذذون بذلك لذة ينغمر في جانبها ونحو ذلك.
كما يعلم أن له ربا وخالقاً ومعبوداً ولا يعلم كنه شيء من ذلك، بل غاية علم الخلق هكذا، يعلمون الشيء من بعض الجهات ولا يحيطون بكنهه فمن قال أن الظاهر غير مراد بمعنى أن الصفات المخلوقين غير مرادة. قلنا له: أصبحت في المعنى لكن أخطأت في اللفظ وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم وكان يمكنك أن تقول: تمر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين، وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم حدوثه أو نقصه ومن قال: الظاهر غير مراد بالتفسير الثاني وهو مراد الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة وغيرهم فقد أخطأ: والكلام مع هؤلاء الذين ينفون ظاهرها بهذا التفسير، فإذا وصف الله نفسه بصفة أو وصفه بها رسوله فصرفها عن ظاهرها اللائق بجلاله سبحانه وحقيقتها المفهومة إلى باطن يخالف الظاهر كفر وضلال.
وكلا الله ورسوله منزه عن ذلك والله أعظم من أن يكون ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله يقتضي المشابهة للمخلوقين.