الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به وكما أنه سبحانه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير ونحو ذلك. ولا يجوز أن يثبت لعلمه وقدرته خصائص الإعراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش. ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزماتها، فاقترن الاستواء بحرف "على" وعطف فعله "بثم" على خلق السموات والأرض، وكونه بعد أيام التخليق وكونه سابقاً في الخلق على السموات والأرض، وذكر تدبير أمر الخليقة معه الدال على كمال الملك، كل ذلك دال على أن استواءه سبحانه لا يماثل استواء المخلوقين، ولا يلزمه ما هو من خصائصهم. فإذا أضيف الوصف إلى المخلوق لم يصح أن يدخل فيه وصف الخالق سبحانه، ولم يكن وصف المخلوق كوصف الخالق وإذا أضيف إلى الخالق لم يصلح أن يدخل فيه وصف المخلوقين، ولم يكن وصفه كوصفهم وإذا كان الوصف مطلقاً فهو عام فيهما، متناول لهما لاتفاقهما في المعنى الكلي المشترك.
ذكر الله استواء يخصه ويليق به
…
قوله:
فلو قدر على وجه الفرض الممتنع أنه هو مثل خلقه_ تعالى عن ذلك_ لكان استواؤه مثل استواء خلقه، أما إذا كان هو ليس مماثلا لخلقه بل قد علم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لا يذكر إلا استواء يخصه، لم يذكر استواء يتناول غيره ولا يصلح له، كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به، فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجاً إليه، وأنه لو سقط العرش لخر من عليه؟ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك وتوهمه، أو ظنه اللفظ ومدلوله، أو جوز ذلك أو جوز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق؟ بل لو قدر أن
جاهلا فهم مثل هذا أو توهمه لبين له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلا، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.
ش: يقول المؤلف: أن استواء الله سبحانه لا يمكن أن يكون مثل استواء المخلوق إلا لو كانت ذاته مثل ذوات المخلوقين. فلو قدر على سبيل الفرض الممتنع أن الذات مثل الذوات لأمكن أن يكون الاستواء مثل الاستواء، ومن المعلوم بالضرورة أن ذاته سبحانه لا تماثل الذوات. وقد علم بالضرورة أنه الخالق للعرش ولغيره، وأنه الغني عنا سواه وكل شيء فهو مفتقر إليه، وهو سبحانه أضاف استواءه إلى نفسه. فهو على ما يليق به، وهكذا القول في سائر ما وصف به الرب نفسه. فإن إضافته إليه تقتضي عدم صلاحيته لغيره أو تناوله لسواه، ومن ظن أن قول الأئمة أن الله مستو على عرشه حقيقة يقتضي أن يكون استواؤه مثل استواء العبد على الفلك والأنعام، لزمه أن يكون قولهم أن الله له علم حقيقة وسمع حقيقة وبصر حقيقة، وكلام حقيقة يقتضي أن يكون علمه وسمعه وبصره وكلامه مثل المخلوقين وسمعهم وبصرهم وكلامهم. وهذا ما لم يقولوه أصلا. وإذا كان كذلك فكيف يتوهم في حقه سبحانه ما هو من خصائص المخلوقين؟ وكيف يظن أنه يلزم من استوائه على العرش حاجته إليه؟ ما هذا إلا ضلال بين وجهل واضح ممن فهمه أو ظنه ظاهر نصوص الاستواء ومدلولها. فبعداً لهؤلاء المكابرين للمعقولات والمتجنين على النصوص من زعماء الابتداع ورؤساء الضلال. ولو قدر أن أحداً ممن لا يفهم معاني النصوص ولا يعلم مدلولاتها توهم أن ظاهرها يقتضي مماثلة الله بخلقه لبين لهذا الجاهل أن هذا ليس هو مراد الله بكلامه، ولا هو مقتضى العقل والفطرة ولم يدل عليه النص البتة، وإنما صرحت النصوص بنفي مماثلته لخلقه سبحانه وتعالى