الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قياس التمثيل والشمول
…
قوله:
والله سبحانه لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مثيل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشرك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل
الأعلى، وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به، وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه، فإذا كان المخلوق منزها عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم، فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق، وإن حصلت موافقة في الاسم.
ش: يعني أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمول تستوي أفراده، فإن الله سبحانه وتعالى، ليس كمثله شيء فلا يجوز أن يمثل بغيره ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية تستوي أفرادها، ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى يقين، بل تناقضت أدلتهم وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب، لما يرونه من فساد أدلتهم وتكافئها ولقد أحسن القائل:
حجج تهافت كالزجاج تخالها
…
حقا وكل كاسر مكسور
ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى سواء كان تمثيلا أو شمولا كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} مثل أن نعلم أن كل كمال ثبت للممكن المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالواجب القديم أولى به وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر، فإنما استفادة من خالقه وربه ومدبره، فهو أحق به منه، وأن كل نقص وعيب في نفسه وهو ما تضمن سلب أوصاف الكمال إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والمحدثات والممكنات، فإنه يجب نفيه عن الرب تبارك
وتعالى بطريق الأولى، وأنه أحق بالأمور الوجودية من كل موجود، وأما الأمور العدمية فالممكن بها أحق وقياس التمثيل: هو إلحاق الفرع بالأصل في الحكم بجامع الوصف المشترك بينهما، ومثاله في قول النفات: لو كان الله متصفاً بالصفات لكان جسماً قياساً على المخلوق: فقد قاسوا الخالق على المخلوق، وحكموا بالمماثلة، لاشتراك الخالق والمخلوق في أن كلا منها متصف بالصفات، وقياس الشمول هو ما كان مركباً من مقدمتين فأكثر مستعملا فيه لفظة، كل، الدالة على الشمول: ومثاله في كلام نفاة الصفات قولهم: المخلوق متصف بالصفات وكل متصف بالصفات فهو جسم، فنفوا صفات الله لئلا يدخل في هذا العموم فيكون مثيلا للمخلوق: فهؤلاء النفات أشركوا الخالق مع المخلوق، واستعملوا في حقه قياس التمثيل الذي يستوي فرعه بأصله بجامع العلة المشتركة بينها، واستعلموا في حقه سبحانه، قياس الشمول الذي تستوي أفراده وتندرج تحت قضية كلية، وهذا كما أنه مخالف لما جاء في الكتاب والسنة، فهو
مخالف أيضا للفطر السليمة، والعقول الصحيحة، فإن الذي يجب أن يستعمل في حق الله، هو القياس الأولى، وهو المثل الأعلى، الذي وصف الله به نفسه كما في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فجعل "مثل السوء" المتضمن للعيوب، والنقائص، وسلب الكمال- للمشركين- وأخبر: أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها" له وحده. و"الأعلى" أفعل تفضيل، فمعنى ذلك: أنه أعلى من غيره: فكيف يكون أعلى وهو عدم محض، ونفي صرف! تعالى الله عن قول المعطلين علواً كبيراً. قال ابن جرير: "الأعلى" هو الأطيب والأفضل والأحسن والأجمل، فهذا المثل الأعلى الذي له سبحانه والأول مثل السوء للصنم وعابديه.
فحاصل المثل: أن الله قد أخبر أن في الآخرة من أنواع النعيم ما له شبه في الدنيا: كأنواع المطاعم والمشارب والملابس، والمناكح وغير ذلك: