الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتم: بل فعل الله يليق به وفعل المخلوق يليق به، فهكذا يجب أن تقولوا هذا القول في سائر الصفات، فصفات الله ثابتة له، وهي على ما يناسب ذاته المقدسة، وصفات المخلوق ثابتة له وهي على ما يناسب ذاته.
كلام اللغويين في المثل
…
قوله:
"فصل" وأما المثلان المضروبان فإن الله سبحانه وتعالى أخبر عما في الجنة من المخلوقات من أصناف المطاعم والملابس، والمناكح والمساكن، فاخبر أن فيها لبناً وعسلا، وخمراً، وماء، ولحماً وحريراً وذهباًٍِ وفضة، وفاكهة وحوراً وقصوراً، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست مماثلة لها، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق، ومباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا، إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بين واضح.
ش: بعد أن فرغ المؤلف من بيان الأصلين المتضمنين بيان إثبات الأسماء والصفات لله مع نفي المماثلة للمخلوقات، شرع في بيان المثلين المضروبين المتضمنين لبيان ذلك أيضا والمثل هو كما قال المبرد قول يشبه سائر يشبه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه فقولهم: مثل بين يديه إذا انتصب معناه أشبه الصورة المنتصبة وفلان أمثل من فلان أي أشبه بماله من الفضل، فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول كقول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
…
وما مواعيدها إلا الأباطيل
فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد وقال ابن السكيت: المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره فالحاصل أن المثل كلام سائر شبه مضربه بمورده لغرابته، كقولهم:" الصيف ضيعت اللبن" وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني، قال ابن المقفع: إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنق للمسمع وأوسع لشعوب الحديث: وقوله: " فإن الله سبحانه تعالى أخبر عما في الجنة من المخلوقات، من أصناف المطاعم والملابس، والمناكح والمساكن" يعني كما قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كانتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرا ًوَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كان مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَان مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأيتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذَا رَأيتَ ثَمَّ رَأيتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاورَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} وقال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} وقال عز وجل: {فِيهَا أنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأنهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأنهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وقال تعالى: {أن الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} وقال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأنهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} وما ذكره الله في الآخرة، من أنواع المطاعم والمشارب، والمناكح والملابس، والمساكن، يشبه ما في الدنيا من هذه الأنواع في الاسم، وفي المعنى العام، وهذا التوافق في الاسم وفي الحقيقة من حيث العموم لم يوجب أن تكون حقائق الآخرة مثل حقائق الدنيا من كل وجه، بل بينهما بون شاسع وفرق بعيد، وقول ابن عباس:"ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء" معناه أن التفاوت بينهما كبير في اللذة والكمال والعظمة، حتى أنه لا يكاد