الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أربعة أوجه يرد بها شيخ الإسلام على اعتذار النفاة
…
قوله:
ومن قال: أنه ليس بحي، ولا سميع ولا بصير، ولا يتكلم، لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم، فإن قال: العمى عدم البصر عما شأنه أن يقبل البصر، وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير.
ش: يقول المؤلف: سلب هذه الصفات عن الله يلزم منه أن يكون متصفا بنقيضها، والله منزه عن ذلك، ثم بين اعتذار النفاة إذا قيل لهم: هذا القول، وحاصل اعتذارهم أنهم يقولون لا يلزم من سلب الصفة عن الموصوف اتصافه بنقيضها، إلا إذا كان قابلا للاتصاف بالصفة، أما إذا كان غير قابل للاتصاف بها فلا يلزم من سلبها عنه اتصافه بنقيضها ويضربون لذلك مثلا بالجماد، وقد أجابهم المؤلف على هذه المقالة بأربعة أجوبة.
قوله:
قيل له: هذا اصطلاح اصطلحتموه، وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام، يمكن وصفه بالموت والعمى، والخرس والعجمة، وأيضاً فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها، فإن الله قادر على جعل الجماد حيا كما جعل عصى موسى حية ابتلعت الحبال والعصي، وأيضاً فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا مما يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها، فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى، ولا الكلام ولا الخرس، أعظم نقصا من الحي والأعمى الأخرس، فإن قيل إن الباري لا يمكن اتصافه بذلك، كان في ذلك من وصفه بالنقص أعظم مما إذا وصف بالخرس والعمى والصمم ونحو ذلك، مع أنه إذا جعل غير قابل لها كان تشبيها له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منها، وهذا تشبيه بالجمادات، لا بالحيوانات فكيف من قال ذلك
على غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي، وأيضا فنفس نفي هذه الصفات نقص، كما أن إثباتها كمال، فالحيات من حيث هي: هي مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها صفة كمال، وكذلك العلم والقدرة، والسمع والبصر، والكلام والعقل، ونحو ذلك، وما كان صفة كمال، فهو سبحانه أحق أن يتصف به من المخلوقات، فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به، لكان المخلوق أكمل منه.
ش: هذا مشروع في بيان الأجوبة الأربعة التي رد بها المؤلف على النفاة وقد بين الأول بقوله: "قيل له هذا اصطلاح اصطلحتموه"الخ. يعني هذا مجرد اصطلاح منكم وإلا فمالا يتصف بالصفة يمكن وصفه وتسميته بنقيضها، كما هو معروف في لغة العرب، وقد سبق بيان ذلك وذكر الثاني بقوله:"وأيضاً فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها" الخ. يعني فالقدرة الإلهية شاملة لذلك، والقابلية موجودة في المخلوق وقد جعل الله الجماد الأصم حيا، يسمع ويبصر كما في قصة عصى موسى!! وبين الثالث بقوله: وأيضاً فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصاً مما يقبل الاتصاف بها، مع اتصافه بنقائضها. وضرب لذلك مثلا بالجماد والحيوان الأعمى الأخرس: فالحيوان الناقص وإن كان فاقداً للصفة فهو أكمل من الجماد لأنه قابل للاتصاف بها: أما الجماد فهو غير قابل لها أصلا. وهذا من المؤلف على سبيل الفرض والتنزل معهم، وإلا فكل موجود فهو قابل للاتصاف بالصفات، كما تقدم ومعلوم أن القابل للاتصاف بصفات الكمال أكمل من غير القابل لذلك، وحينئذ: فالرب إن لم يقبل الاتصاف بصفات الكمال لزم اتصافه بنقيضها: فيكون القابل لها وهو الحيوان الأعمى الأخرس الذي يقبل البصر والكلام أكمل منه، وعلى هذا فالنفاة قد شبهوا الله بالجماد الذي هو أنقص من الحيوان الفاقد صفة الكمال فلو سلبوا عن الله صفة الكمال ولم ينفوا قبوله لها لكان ذلك أسهل. ونفي قبول صفة النقص تشبيه بالجماد، وإذا كان نفي قبول صفة النقص
تشبيه بالجماد، لا بالحيوان فكيف من قال ذلك على غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي".
والمقصود أنه إذا كان من نفى قبول صفة النقص مشبهاً لله بالجماد فكيف من نفي عن الله قبول صفة الكمال زاعماً أن إثباتها يلزم منه تشبيه الله بالحي المخلوق، فالإشارة في قوله ذلك: راجعة إلى نفي القبول. والضمير في قوله: علي غير راجع إلى نفي قبول صفة النقص. والرابع بقوله "وأيضاً فنفس نفي هذه الصفات نقص كما أن إثباتها كمال" الخ.
يعني أن مجرد نفي هذه الصفات نقص، كما أن مجرد إثباتها كمال. وما كان صفة كمال فالله أولى به. فلو لم يتصف به مع أن المخلوق متصف به، لكان الخالق أنقص من المخلوق. ومن المعلوم أن لله المثل الأعلى، فما كان وصف كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالله أولى به. فإذا قدر اثنان أحدهما موصوف بصفات الكمال كالعلم والقدرة، والفعل والبطش، والآخر يمتنع أن يتصف بهذه الصفات لكان الأول أكمل من الثاني، وسائر الصفات بها: فالحي اليقضان أكمل من النائم الوسنان، والله "لا تأخذه سنة ولا نوم" وكذلك من يحفظ بلا اكتراث، أكمل ممن يلزم فيه ذلك، والله تعالى "وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما" وكذلك من يفعل ولا يتعب، أكمل ممن يتعب، والله تعالى "خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام" وما مسه من لغوب والعقل من حيث هو مصدر عقل يعقل عقلا: وهو في لغة الرسول وأصحابه عرض من الأعراض، كما في قوله سبحانه:"لعلهم يعقلون""ولعلكم تعقلون""ولهم قلوب لا يعقلون بها" ونحو ذلك، وقد يراد به الغريزة التي في الإنسان. قال أحمد بن حنبل، والحارث المحاسبي، وغيرهما "أن العقل غريزة" فالعقل ما به تحصل معرفة الأمور وإدراكها، ولا ريب أن الله سبحانه متصف من ذلك بما يعجز العقل