الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتصافه بالعجز، وهكذا سائر الصفات. إذا قيل لهم هذا القيل: قالوا معتذرين: إنما يلزم من نفي الصفات عن الله اتصافه بأضدادها لو كان قابلا لتلك الصفات: أما إذا كان غير قابل لها فإنه لا يلزم من نفيها عنه اتصافه بضدها، فالإشارة في قوله إنما يلزم ذلك راجعة إلى اتصافه بنقائض تلك الصفات كالجهل والعجز والبكم.
والإشارة في قوله لو كان قابلا لذلك: راجعة إلى صفات الكمال ولا شك أن اعتذارهم هذا يزيد قولهم سوءاً إلى سوء: لأن نفي قبول الصفة أفظع من مجرد نفي الصفة كما تقدم إيضاحه.
قولهم ليس بمتحيز هو بمعنى قولهم لاداخل العالم ولا خارجه
…
قوله:
وكذلك من ضاهى هؤلاء وهم الذين يقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، إذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل، كما إذا قيل: ليس بقديم ولا محدث ولا واجب ولا ممكن، ولا قائم بنفسه، ولا قائم بغيره، قالوا هذا إنما يكون إذا كان قابلا لذلك، والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين.
ش: يعني ومثل مقالة النفاة السابقة واعتذارهم عنها قول من يقول: أن الله لا داخل العالم ولا خارجه، فهؤلاء قالوا إنما يلزم من سلب للدخول والخروج، والقبول إنما يكون من المتحيز وما دام أن الله غير متحيز، فهو غير قابل للدخول والخروج.
ومن ثم لا يكون سلبهما عنه أمراً ممتنعاً، وأولئك قالوا إنما يلزم من سلب الصفة عنه اتصافه بنقيضها لو كان قابلا لها، فالجميع نفوا عنه قبول الصفات، ومن المعلوم أن نفى القبول أشنع من نفي الصفة. وقوله "كما إذا قيل ليس بواجب ولا ممكن" يعني أن هذه المقالة بمنزلة هذه المقالة في أن الجميع معلوم الامتناع بالضرورة.
قوله:
فيقال لهم علم الخلق بامتناع الخلو من هذين النقيضين: هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود، والتحيز المذكور: أن أريد به كون الاحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم، وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي مباين لها متميز عنها فهذا هو الخروج، فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم، وتارة ما هو خارج العالم، فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خرجه، فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم أن هذا معنى آخر وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل، كما فعل أولئك بقولهم: ليس بحي ولا ميت، ولا موجود ولا معدوم، ولا عالم ولا جاهل.
ش: هذا مشروع في بيان الجواب على المقالة السابقة واعتذار أصحابها فإنه يقال لهم: قولكم "لا داخل العالم ولا خارجه" سلب للنقيضين والنقيضان لا يمكن الخلو منهما، بل ذلك ممتنع وامتناع الخلو من التقيضين عام لا يستثنى منه أي شيء والخلق جميعا يعلمون أن النقيضين كما لا يمكن اجتماعهما في أن واحد كذلك لا يمكن ارتفاعهما فقولكم "لا داخل ولا خارج العالم" ممتنع لأن كل موجود فهو أما أن يكون مخالطاً للعالم، ممتزجا به، وأما أن يكون منفصلا عن العالم مباينا له وقولكم "قبول الدخول والخروج" إنما يكون من المتحيز والله ليس بمتحيز "فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين النقيضين" يقال لكم قولكم ليس بمتحيز هو معنى قولكم لا داخل العالم ولا خارجه، ولكن غيرتم العبارة مغالطة لتوهموا من لا يدرك معنى كلامكم أنكم أتيتم بمعنى جديد، وهو نفس كلامكم الذي رد عليكم بأنه أمر ممتنع في ضرورة العقل: وبيان هذا أنهم أن أرادوا بالتحيز أن الاحياز الموجودة كالسموات والعرش تحيط به فهذا هو الداخل في العالم، وأن أرادوا به أنه منحاز المخلوقات، أي مباين لها متحيز عنها، فهذا هو
الخروج، فإذا المتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم: فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه. وقوله "كما فعل أولئك يعني الجهمية المحضة الذين يسلبون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين، فهؤلاء الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه عن غلاة الجهمية مشبهون بالقرامطة في سلبهم النقيضين، وفي اعتذاراهم الذي يزيد قولهم فساداً: ونختم الكلام على هذه القاعدة بآيتين كريمتين تدل كل منهما على أنه سبحانه متصف بالنفي والإثبات بأوضح عبارة وأصرح دلالة وتدمغ النفاة المعطلين، والمفترين على الله وعلى رسوله بنفي صفات الله ونعوت جلاله بغير دليل، من كاتب أو سنة أو عقل سليم أو فطرة مستقيمة: قال تعالى {رَبُّ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيا} أخبر أنه لا سمي له عقب قول العارفين به: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كان رَبُّكَ نَسِيا رَبُّ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} فهذا الرب الذي له الجند العظيم ولا يتنزل إلا بأمره وهو المالك لما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك، وهو الذي كملت قدرته وسلطانه وملكه، وكمل علمه فلا ينسى شيئاً أبدا، وهو القائم بتدبير السموات والأرض وما بينهما، كما هو الخالق لذلك كله، وهو ربه ومليكه هذا الرب هو الذي لاسمي له، لتفرده بكمال الصفات والأفعال: فأما من لا صفة له ولا فعل ولا حقائق لأسمائه أن هي إلا ألفاظ فارغة من المعاني فالعدم سمي له: قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ذكر سبحانه هذا النفي بعد ذكر أوصافه ونعوت كماله فقال:
{حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَاطِرُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأنعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ