الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ادعها. فدعوتها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة". أخرجه مسلم في صحيحه ورواه أبو داود والنسائي.
النصوص الداله على تدبر القرآن وتفهم معانيه
…
قوله:
القاعدة الخامسة
أنا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه فإن الله قال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن} {وَلَوْ كان مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} . وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} وقال: {كِتابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياته وَلِيَتَذَكَّرَ أولُو الْأَلْبَابِ} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} فأمر بتدبر الكتاب كله. وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آيات مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأما الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تأويلهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولُو الْأَلْبَابِ} .
ش: يقول الشيخ أننا نعلم ما خاطبنا الله به في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ونفهم من ذلك ما أراد الله من فهمه، ولكن نفهمه ونعلمه من جهة دون جهة. نفهمه من جهة المعنى ونجهله من جهة الكيفيات وتفاصيل الأمور التي لم يرد تفصيلها في النصوص، واستدل على الأول بكون الله سبحانه قد حث على تدبر القرآن وتعقله وإتباعه في غير موضع ومن ذلك قوله سبحانه في آية النساء {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كان مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} وقوله في آية المؤمنون: {أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأتِ آبَاءَهُمُ الْأولِينَ} وقال في آية ص: {كِتابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياته} وقال في سورة القتال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
فإذا كان حض الكفار والمنافقين على تدبره علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها. فكيف لا يكون ذلك ممكناً للمؤمنين؟ وهذا يبين أن معانيه كانت بينة لهم. فقد بين سبحانه أنه أنزله عربيا ليعقل، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه كما قال تعالى {أنا أنزَلْنَاهُ قُرْأناً عَرَبِيا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وقد ذم الله من لا يفهمه كما قال جل وعلا {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} وذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى وإتباعه فقال تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أن أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أو يَعْقِلُونَ أن هُمْ إِلَّا كَالْأنعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} فلو كان المؤمنون لا يفقهون أيضاً لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به. فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والتابعون لهم بإحسان يعلمون معاني القرآن. إذا تبين فقد وجب على كل مسلم التصديق بما أخبر به عن الله تعالى من أسمائه وصفاته مما جاء في القرآن وفي السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فإن هؤلاء هم الذين تلقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما في ذلك من العلم والعمل كما قال أبو عبد الرحمن السلمي:"لقد حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل جميعاً" وقد قام عبد الله بن عمر وهو من أصاغر الصحابة في تعلم البقرة ثمان سنين وإنما ذلك لأجل الفهم والمعرفة، وكان ابن مسعود يقول: لو
أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته. وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقل عنه من التفسير مالا يحصيه إلا الله والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها.
واستدل على الثاني بآية آل عمران {وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ} بالوقف على لفظ الجلالة. ويقول ابن عباس: "وتأويل لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب" كما سيَأتِي والهمزة في قوله {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ} للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي يعرضون عن القرآن فلا يتدبرونه، والتدبر التأمل والتفكر، يقال تدبرت الشيء تفكرت في عاقبته وتأملته، ثم استعمل في كل تأمل، فدلت الآيات على وجوب التدبر للقران ليعرف معناه. وقوله في آية آل عمران:{هُنَّ أُمُّ الْكِتاب} أي أصله الذي يعتمد عليه ويرد ما خالفه إليه وهذه الجملة صفة لما قبلها "والمحكمات" اسم مفعول من أحكم "والإحكام" الإتقان ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها.
وقوله سبحانه: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وصف لمحذوف مقدر أي وآيات متشابهات "والزيغ" الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار يقال زاغ يزيغ زيغاً إذا ترك القصد، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ومعنى قوله: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي طلباً منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبيس عليهم وإفساد ذات بينهم: {وَابْتِغَاءَ تأويلهِ} أي طلباً لتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة.
وأصل الرسوخ في لغة العرب الثبوت في الشيء وكل ثابت راسخ وأصله في الإجرام أن ترسخ أقدام الخيل أو الشجر في الأرض وهؤلاء ثبتوا في امتثال ما جاءهم عن الله من ترك إتباع المتشابه وإرجاع علمه إلى الله سبحانه.