الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ش: يقول المؤلف لفظ الجهة قد يراد به أمر وجود مخلوق، كما إذا أريد به الإجرام السماوية أو العرش، وقد يراد به أمر عدمي كما إذا أريد به ما فوق العالم، ولفظ الجهة لم يرد في الكتاب، ولا قاله الرسول، ولا تكلم به سلف الأمة. وإنما الذي ورد وصف الله بالعلوي على خلقه واستوائه على عرشه، وأنه تعرج إليه الملائكة والروح. وقد علم أن ما في الوجود إلا الخالق والمخلوق.
ومن المعلوم شرعاً وعقلا أن كلا منهما مباين للآخر منفصلا عنه ليس حالا فيه.
وقوله_شيء موجود غير الله _ المراد بالموجود ضد المعدوم فيدخل فيه الخالق والمخلوق ولهذا استثنى بقوله "غير الله" ثم بين هذا الغير في قوله: "كما إذا أريد به نفس العرش أو نفس السماوات" وقوله ما ليس بموجود معناه أنه قد يراد بلفظ الجهة مالا وجود له. ولهذا استثنى بقوله غير الله، فيكون هذا الغير أمراً. عدميا وهو ما وراء العالم. وقوله "ونحو ذلك" يعني ككونه سبحانه أنزل القرآن ونزل من عند جبريل واشتباه ذلك مما فيه إثبات علوه على خلقه سبحانه وتعالى.
قوله:
فيقال لمن نفى: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات، أم ترد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال "الله في جهة" أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل
شيء من النصوص الداله على عظمة الله وانه لايحوزه شيء من مخلوقاته
…
قوله:
فيقال لمن نفى: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات، أم ترد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال "الله في جهة" أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل
وكذلك لفظ التحيز: أن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وقد قال الله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ} وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه" ثم يقول: "أن الملك أين ملوك الأرض؟ " وفي حديث آخر: "وأنه ليدحوها كما يدحوا الصبيان بالكرة" وفي حديث بن عباس: "ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
وأن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها: فهو سبحانه كما قال أئمة السنة: فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه".
ش: بعد أن بين المؤلف أن الجهة قد يراد بها أمر وجودي وقد يراد بها أمر عدمي، شرع في بيان كيفية استفسار النافي للجهة والمثبت لها.
وخلاصة مناقشة النافي أن يقال له: أن كان مرادك بالجهة أمراً وجوديا كالعرش أو السماوات فنفيك صحيح؟ فمن المعلوم شرعا وعقلا أن الله ليس حالا في شيء من مخلوقاته. وإن كان مرادك بالجهة أمراً عدمياً وهو ما وراء العالم فنفيك باطل، فإنك إذا قلت: الباري ليس في جهة كان حقيقة قولك: أن الباري لا يكون موجوداً قائماً بنفسه وهذا باطل حيث لا موجود فوق العرش إلا هو سبحانه. فإن من المعلوم بالضرورة أن الله فوق سمواته على عرشه.
وخلاصة مناقشة المثبت أن يقال له: أن كان مرادك بالجهة أمراً عديماً وهو ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق مخلوقاته عال على عرشه، وإن كان مرادك بالجهة أمرا وجوديا كالعرش أو السموات فإثباتك باطل،
لأن الله سبحانه ليس داخلا في شيء من مخلوقاته. وقوله "فإن أردت الأول" يعني إذا أردت بالجهة ما وراء العالم. وقوله "وإن أردت الثاني" يعني إذا أردت بالجهة شيئاً من المخلوقات.
أما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره يقال هذا لابد أن يحيط به حيز وجودي ولابد أن ينتقل من حيز إلى حيز. قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أو مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} ومعلوم أن الخالق جل جلاله لا يحيط به شيء من مخلوقاته فلا يكون متحيزاً بهذا المعنى اللغوي وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا، فيجعلون كل جسم متحيزاً والجسم عندهم ما يشار إليه، فتكون السموات والأرض وما بينها على اصطلاحهم متحيزاً وإن لم يسم ذلك في اللغة.
والحيز تارة يريدون به معنى موجوداً وتارة يريدون به معنى معدوماً. فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطيء، فهو سبحانه بائن من خلقه، وإذا كان الخالق يائنا عن المخلوق امتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار وأن أراد بالحيز معنى عديماً فالأمر العدمي لا شيء، وهو سبحانه بائن من خلقه، فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا وقال: يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزاً فهذا معناً باطل، لأنه ليس هناك موجود غبره حتى يكون فيه بل يجب أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصفر كما قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ".
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم "عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ " ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول: "أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون" وفي لفظ في الصحيحين عن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأخذ سماواته وأرضه بيده ويقول: أنا الملك ويقبض أصابعه ويبسطها حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: "يأخذ الجبار سماواته وأرضه" وقبض بيده وجعل يقبضها ويبسطها ويقول: أنا الرحمن أنا الملك أنا السلام أنا المؤمن أنا المهيمن أنا العزيز أنا الجبار المتكبر أنا الذي بدأت الدنيا ولن تكن شيئاً أنا الذي أعدتها أين الملوك؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ يتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم على يمينه وعلى شماله حتى نظرت المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والحديث مروي في المسانيد وفي الصحاح وغيرها بألفاظ يصدق بعضها بعضا، وفي بعض ألفاظه قال قرأ على النبر "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة".
الآية: قال مطوية في كفه يرمى بها كما يرمي الغلام بالكرة، وفي لفظ "يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيده، فيجعلها في كفه ثم يقبض بها هكذا كما يقول الصبيان بالكرة" أنا الله الواحد، وفي لفظ عنه "ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن بيد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم" وهذه الآثار معروفة في كتب الحديث وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يهودي فقال: يا محمد إن الله يجهل السماوات على أصبع، والماء والثراء على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيهزهن فيقول: أنا الملك أنا الملك. قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى
بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر ثم قال:"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة" إلى آخر الآية.
والحاصل أن في هذه الآية والأحاديث الصحيحة المفسرة لها المستفيضة التي اتفق أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول، ما يبين أن السماوات والأرض وما بينها بالنسبة إلى عظمة الله تعالى، أصغر من أن تكون مع قبضه لها إلا كالشيء الصغير في يد أحدنا: ودحي الكرة دحرجتها: والعرش في اللغة سرير الملك كما في قوله تعالى عن يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وقال عن ملكة سبأ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} .
وأما عرش الرحمن الذي استوى عليه فهو عرش عظيم، محيط بالمخلوقات وهو أعلاها وأكبرها. كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا على الحلقة" والحديث له طرق وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه وأحمد في المسند وغيرهم والكرسي في اللغة السرير وما يقعد عليه وأما الكرسي الذي أضافه إلى نفسه فهو موضع قدميه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل" رواه الحاكم في المستدرك، وقال: أنه على شرط الشيخين. وقد روى مرفوعاً والصواب أنه موقوف. وهذا المعنى الذي ذكره بن عباس هو المشهور بين أهل السنة وهو المحفوظ عنه، وما روى عنه أنه العلم فغير محفوظ عنه. وكذلك ما روى عن الحسن أنه العرش_ ضعيف لا يصح عنه_ "والخردلة" واحدة الخردل وهو نبات له حب صغير جداً أسود. واعلم أن هذه الألفاظ المجملة وما أشبهها من الألفاظ الاصطلاحية يجوز مخاطبة أهلها بها وأن لم تكن واردة وذلك يحتاج إلى معرفة الكتاب والسنة، ومعرفة ما عنى هؤلاء بألفاظهم ثم اعتبار هذه المعاني ليظهر الموافق