الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتسعين للهجرة وقد حمل به ثلاث سنين وتوفي رحمه الله في شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة بعد أن عاش أربعا وثمانين سنة.
وقول المؤلف وغيرهما، يشير إلى أن هذا الجواب مروي عن غير مالك وربيعة كأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها هند بنت أبي أمية، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة سنة أربع من الهجرة، وتوفيت سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع وعمرها أربع وثمانون سنة، وسيَأتِي نص كلامها عند ذكر جواب ربيعة في موضعه إنشاء الله تعالى.
الأشاعرة يسلكونفيما ينفونه إما التأويل وإما التفويض
…
قوله:
وهذا الكلام لازم لهم في العقليات، وفي تأويل السمعيات، فإن من أثبت شيئا ونفى شيئا بالعقل ألزم إذا فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة، نظير ما يلزمه فيما أثبته، ولو طلب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا، لم يجد بينهما فرقا.
ش: الضمير راجع إلى الأشاعرة المفرقين بين الصفات السبع التي يسمونها عقليات، وبين بقية الصفات التي يسمونها سمعيات، فالكلام السابق من حيث ثبوت الصفات ونفي المماثلة وعدم العلم بالكيفية شامل لسائر الصفات، فالباب واحد، ومن حاول التفريق بين الصفات كالأشاعرة تناقض، فإنه إذا تأول المحبة والرضا والرحمة والغضب بالإرادة، قيل له يلزمك في الإرادة ما يلزمك في الصفات، وإذا تأول الوجه بالذات لزمه في الذات ما يلزمه في الوجه، وكذلك إذ تأول الإصبع بالقدرة فإن القدرة أيضا صفة قائمة بالموصوف، ففر من صفة إلى صفة، وكذلك من تأول الضحك بالرضى والرضى بالإرادة إنما فر من صفة إلى صفة، فهلا أقر النصوص على ما هي عليه ولم ينتهك حرمتها؟ فإن المتأول إما أن يذكر معنى ثبوتها أو يتأول اللفظ بما هو عدم محض، فإن تأوله بمعنى ثبوتي كائن ما كان لزمه فيه نظير ما فر منه.
وإذا طولب بالفرق بين المحذور فيما أثبته وهي الصفات السبع وبين المحذور فيما نفاه وهي ماعدا الصفات السبع لم يجد بينهما فرقاً، وذلك لأن المخلوق يتصف بهذه الصفات، كما يتصف بتلك الصفات، فإن كانت المماثلة منفية في الصفات السبع، فهي منفية في الجميع، وإن أدعى المماثلة فيما عدا الصفات السبع ونفيها في الصفات السبع، كان مفرقا بين متماثلين بدون حجة أو برهان، وقد سبق إيضاح ذلك مفصلا.
قوله:
ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض، وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ، قانون مستقيم، فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا، والسؤال فيهما واحد، لم يكن لهم جواب صحيح.
ش: ومن أجل أنه لا فرق بين بعض الصفات والبعض الآخر من حيث لزوم المحذور وعدم لزومه لا يوجد لنفاة بعضها دون بعض منهج مستقيم، ويوجد فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل قوله:"قانون مستقيم" وبين المؤلف فيما بين ذلك مسلك الذين ينفون بعض الصفات دون بعض وهم الأشاعرة، كما سبق بيانه، بين أنهم يسلكون فيما ينفونه أحد طريقين، أما تأويل النص بما يخالف مقتضى لفظه، أو يقولون لا نفهم معناه، بل نفوضه إلى الله، فلا أحد يعلم معناه، وكلا المسلكين خطأ، فإن التأويل المقبول هو ما دل على مراد المتكلم، والتأويلات التي يذكرونها لا يعلم أن الرسول أرادها، بل يعلم بالاضطرار في عامة النصوص أن المراد منها نقيض ما قالوه، وحينئذ فتأويل النفاة للنصوص باطل، فيكون نقيضه حقاً وهو إقرار الأدلة الشرعية على مدلولاتها ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد، وأما التفويض، فمن المعلوم أن الله
تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحثنا على عقله وفهمه، فكيف مع ذلك يراد منا الإعراض عن إدراكه ومعرفته؟ فإنه على قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل ويقولون كلاما لا يعقلونه، ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى، وأمر الناس بتدبره وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما أنزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبين من جهة الأنبياء، وفتحا لباب الزندقة والإلحاد، وبهذا يتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من أشر أقوال أهل البدع والإلحاد وقوله: فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا؟ الخ.. يعني أن الأشاعرة مثلا حين ما يتأولون قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتان} فينفون صفة اليد بينما يقرون مدلول قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيصفون الله بصفة السمع والبصر، كما هو مدلول النص إذا سئلوا عن الفرق بين مدلول- بل يداه مبسوطتان- ومدلول- وهو السميع البصير- لم يستطيعوا أن يجيبوا إجابة صحيحة، بل غاية ما عندهم أن يقولوا إثبات اليدين حقيقة لله يقتضي تشبيهه بالمخلوقين فيقال لهم حينئذ: واثبات السمع والبصر لله يقتضي مشابهته للمخلوقين، فإذا قالوا: السمع والبصر متصف بهما الله، وهما على ما يليق به ويناسب ذاته، ولا يماثل فيهما صفات المخلوقين، قيل لهم: وهو سبحانه، متصف باليدين، وهي على ما يليق به ويناسب ذاته، ولا يماثل فيها صفات المخلوقين، وهكذا القول في سائر الصفات.