الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى قول الماتن فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته
…
قوله:
وهذا يتبين بالأصل الثاني وهو أن يقال:" القول في الصفات كالقول في الذات" فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات، فإذا قال: كيف استوى على العرش؟ قيل له: كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهما،" الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عن الكيفية بدعة " لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر، ولا يمكنهم الإجابة عنه.
وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال لا أعلم كيفيته، قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره، وتكليمه، واستوائه ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته، وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه، ونزوله واستواءه، ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم، ونزولهم واستواؤهم.
ش: الإشارة في قوله: وهذا يتبين، راجعة إلى ما ذكر في الأصل الأول من أنه لا فرق بين بعض الصفات والبعض الآخر، وأن الله تبارك وتعالى، مسمى بأسماء حسنى، وموصوف بصفات عليا، مع نفي مماثلته لخلقه، وأن إثبات ذلك ليس بتشبيه بل هو محض التوحيد، وأن ما يمتاز به الخالق أعظم مما يخطر ببال أو يدور بخيال. وقوله:" القول في الصفات كالقول في الذات "يعني من حيث الثبوت ونفي المماثلة وعدم العلم بالكيفية: فكما أن ذات الله ثابتة بحقيقة الإثبات، فالصفات ثابتة أيضا
بحقيقة الإثبات، إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات وكما أن ذات الله لا تماثل ذوات خلقه، فكذلك صفاته لا تماثل صفات خلقه، وكما أن ذاته لا يمكن العلم بكيفيتها، فكذلك صفاته، إذ العلم بكيفية الصفات يستلزم العلم بكيفية الذات ويتفرع عنه، وقوله: فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، يعني كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فإنه سبحانه ذكر ذلك عقب ذكر نعوت كماله وأوصافه فقال: {حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} إلى قوله: {يَذْرؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُْ} فهذا الموصوف بهذه الصفات والأفعال، والعلو والعظمة، والحفظ والعزة، والحكمة والملك، والحمد والمغفرة، والرحمة والكلام، والمشيئة، والولاية، وإحياء الموتى، والقدرة التامة الشاملة، والحكم بين عباده، وكونه فاطر السموات والأرض. وهو السميع البصير، هذا هو الذي ليس كمثله شيء، لكثرة نعوته وأوصافه، وأسمائه، وأفعاله، وثبوتها على وجه الكمال، فالمثبت لصفات كماله- هو الذي يصفه بأنه ليس كمثله شيء- وقوله: فإذا قال السائل كيف استوى على العرش؟ قيل له: كما قال ربيعة ومالك وغيرهما" الخ.
معناه إذا سأل مبتدع عن كيفية صفة من الصفات كالاستواء، فإنه يجاب بما أجاب به مالك وربيعة وغيرهما، وهذا الجواب وإن كان مرويا بالنص عن مالك وربيعة، فهو جواب لسائر أئمة السنة وسلف الأمة، وقد ذكر المؤلف هنا نص جواب الإمام مالك، وذكر جواب ربيعة في غير هذا الموضع ومعنى قول مالك الاستواء معلوم، يعني غير مجهول بل هو معلوم باللغة والشرع، فإن معناه اللغوي العلو والاستقرار، وقد صرحت النصوص بفوقية الله سبحانه، واستوائه على عرشه وقوله: الكيف مجهول، معناه إنا لا ندرك كيفية استواء الله بعقولنا وإنما طريق ذلك السمع ولم يرد السمع بذكر الكيفية فوجب الكف عنها وقوله: الإيمان به واجب،
معناه أن الإيمان باستواء الله على عرشه على الوجه اللائق به لأن الله أخبر به عن نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله، فوجب تصديقه، وقوله: والسؤال عن الكيفية بدعة، بين المؤلف وجه كونه بدعة، بأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالسؤال عن كيفية الصفات لم يكن معهوداً على ألسنة الصحابة وأئمة السنة وسلف الأمة، بل هو من ديدن أهل البدع، ولهذا قال الإمام مالك للسائل" وما أراك إلا رجل سوء" ثم أمر به فأخرج عن مجلسه، وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب، فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته وهكذا سائر الصفات، ففرق مالك رحمه الله بين المعنى والمعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وجواب مالك رحمه الله تعالى وغيره جواب كاف شاف في جميع مسائل الصفات فإذا سئل إنسان عن المجيء، أو النزول، أو السمع، أو البصر، أو غير ذلك أجيب بجواب مالك رحمه الله، فيقال مثلا: المجيء معلوم والكيف مجهول، وكذلك من سأل عن كيفية الغضب، أو الرضى، أو الضحك وغير ذلك فمعانيها كلها مفهومة.
وأما كيفيتها فغير معقولة إذ تعقل كيفية الصفات فرع العلم بكيفية الذات، وقوله وكذلك إذا قال كيف ينزل ربنا إلى سماء الدنيا؟ قيل له كيف هو؟ فإذا قال: لا اعلم كيفيته قيل له ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، يعني هذا جواب آخر يجاب به من سأل عن كيفية نزول الله إلى سماء الدنيا، أو استوائه على عرشه، أو غضبه، أو محبته ونحو ذلك، فعندما يسأل عن كيفية الصفة، يقال له كيف لنا ذات الله؟ فإذا قال لا يعلم كيفية الله إلا هو سبحانه، قيل له وهكذا صفاته، لا يعلم كيفيتها إلا هو، فالعلم بكيفية الصفة فرع العلم بكيفية الذات، وكل من هذا الجواب، وجواب مالك ومن ورد عنه
هذا الجواب، صحيح ومقنع، ومفحم للخصم، ولفظ ذات تأنيث ذو: وذلك لا يستعمل إلا فيما كان مضافا إلى غيره فيقال: فلان ذو علم وقدرة، ونفس ذات علم وقدرة، وحيث جاء في القرآن، أو لغة العرب لفظ ذو، ولفظ ذات لم يجيء إلا مقرونا بالإضافة، كقوله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وقوله: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وقول خبيب حين قدمه كفار قريش للقتل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
لكن لما صار النظار يتكلمون في هذا الباب قالوا: إنه يقال أنها ذات علم وقدرة ثم أنهم قطعوا هذا اللفظ عن الإضافة وعرفوه فقالوا: الذات، فليست الذات من العربية العرباء بل هي لفظ مولد وربيعة هو أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ مولى آل المنكدر التيميين المعروف بربيعة الرأي، فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة، وعنه أخذ مالك بن أنس وغيره، وهنا قصة طريفة له مع مالك قال بكر بن عبد الله الصنعاني: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي، وكنا نستزيده من حديث ربيعة، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق، فأتينا ربيعة فأنبهناه وقلنا له أنت ربيعة؟ قال نعم، فقلنا كيف حظي بك مالك وأنت لم تحظ بنفسك؟ قال: أما أن مثقالا من دولة، خير من حمل بعير من علم، توفي ربيعة سنة ست وثلاثين ومائة، ومالك هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأعلام، سمع عن الزهري ونافع مولى بن عمر رضي الله عنهما وأخذ العلم عن ربيعة الرأي.
وروى عنه الأوزاعي ويحيى بن سعيد، ولد مالك في سنة خمس