الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
يسن الاشتغال بالذكر بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس
وربما تحدث عليه الصلاة والسلام بالشيء للحاجة كما روينا في صحيح البخاري تحت باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، من طريق عوف حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي انْطَلِقْ .. (1) «الحديث ..
ويسن أن يشتغل بالذكر بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس؛ لما روينا في صحيح مسلم من طريق سماك بن حرب، قال: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم» (2).
(1) صحيح البخاري (7074).
(2)
صحيح مسلم (2322).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، قال في المرقاة: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ «أي: الصبح» حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ «أي: طلوعاً حسناً كما سبق» فَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ «أي: لصلاة الإشراق، وهو مبدأ صلاة الضحى، أو معناه قام للانصراف، قال النووي: فيه استحباب الذكر بعد الصبح، وملازمته مجلسها ما لم يكن عذر، قال القاضي عياض: وكان السلف يواظبون على هذه السنة، ويقتصرون في ذلك على الذكر والدعاء حتى تطلع الشمس.» وَكَانُوا «أي: أصحابه» يَتَحَدَّثُونَ «أي: فيما بين الوقتين، وهو الأظهر، أو في غيره أو مطلقاً غير مقيد بوقت دون وقت» فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ «أي: على سبيل المذمة، أو بطريق الحكاية لما فيها من فائدة وغيره، من جملته أنه قال واحد: ما نفع أحداً صنمُه مثل ما نفعني، قالوا: كيف هذا؟ قال: صنعته من الحيس، فجاء القحط، فكنت آكله يوما فيوما، وقال آخر: رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس صنم لي وبالا عليه فقلت: أرب يبول الثعلبان برأسه فجئتك يا رسول الله! وأسلمت.» فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم». رواه مسلم. وفي رواية للترمذي: «يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ «أي: يقرأونه، أو يطلب بعضهم من بعض قراءته.
في الشمائل: عن جابر بن سمرة، قال:«جَالَسْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ» ومن المعلوم أن في مجلسه الشريف لا يتناشد إلا الشعر المنيف المشتمل على التوحيد والترغيب والترهيب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتمثل بشعر ابن رواحة (1)، يقول:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقد قال صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
…
وكل نعيم لا محالة زائل»
أي: من نعيم الدنيا لقوله بعد ذلك:
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة وعيشك في الدنيا محال وباطل (2)
ا. هـ.
(1) البيت للبيد بن الأعصم، وليس من شعر ابن رواحة.
(2)
مرقاة المفاتيح (7/ 2993).
وقد قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد:«أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى» (1).
قال الذهبي في سيره: قال الوليد بن مسلم: «رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ويخبرنا عن السلف: أن ذلك كان هديهم، فإذا طلعت الشمس، قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله، والتفقه في دينه» (2).ا. هـ.
(1) مصنف ابن أبي شيبة (25451)
(2)
سير أعلام النبلاء (7/ 114).