الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ينبغي الاشتغال بأذكار المساء بعد العصر
ويسن أن يشتغل بالأذكار المسائية في هذا الوقت، فهو أول وقت المساء، ويشتغل بما يصلح قلبه من ذكر وقراءة، وهذا الوقت وقت فاضل عظيم، وهو الأصيل، وهو ختام النهار.
قال الواحدي في تفسيره ما نصه: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106]"قال عامة المفسرين: من بعد صلاة العصر، وأهل الأديان يعظمون ذلك الوقت، ويتجنبون فيه الأكاذيب والحلف الكاذب"(1) ا. هـ.
وقال السمعاني ما نصه: "أكثر العلماء على أنه أراد به: صلاة العصر، وقال الحسن: بعد صلاة الظهر، والأول أصح. وإنما خص به صلاة العصر؛ لأن وقت العصر معظم محترم عند جميع أهل الأديان"(2) ا. هـ.
(1) تفسير الواحدي (2/ 241).
(2)
السمعاني (2/ 75).
وقال الإمام الطبري رحمه الله: "وأولى القولين بالصواب عندنا، قول من قال: تحبسونهما من بعد صلاة العصر، وهي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخيرها لاستحلاف من أراد تغليظ اليمين عليه، هذا مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت؛ لقربه من غروب الشمس"(1).ا. هـ.
وقال القاسمي في محاسن التأويل في كلام له على الصلاة الوسطى وفضلها ما نصه: "هذا وقد أيّد علماء الأثر ما ذهبوا إليه من أنها صلاة العصر بأنها خصت بمزيد التأكيد والأمر بالمحافظة عليها، والتغليظ لمن ضيعها، فقد قال أبو المليح: كنا مع بريدة في غزوة، فقال في يوم ذي غيم: بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» أخرجه البخاري، وقوله: بكروا بصلاة العصر، أي قدموها في أول وقتها.
وروى الشيخان عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» أي: نقص وسلب أهله وماله فبقي فردا، فاقدهما.
والمعنى: ليكن حذره من فوت صلاة العصر كحذره من ذهاب أهله وماله.
(1) تفسير الطبري (5/ 111).
وقد ساق الحافظ عبد المؤمن الدمياطي في كتابه (كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى) ما امتازت به صلاة العصر من الخصائص والفضائل، قال عليه الرحمة:
فمنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فواتها بذهاب الأهل والمال في الحديث المتقدم.
ومنها: حبوط عمل تاركها المضيع لها في الحديث السالف أيضا.
ومنها: أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم!
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ عليها كان له أجرها مرتين» ، رواه مسلم.
ومنها: أن» انتظارها بعد الجمعة كعمرة «رواه أبو يعلى. وروى الحاكم: «كمن أتى بحجة وعمرة» .
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم «
…
إلى أن قال: «ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله أنه أخذها بكذا وكذا، فجاء رجل فصدقه فاشتراها» متفق عليه. ثم قال: قلت
وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد فيما شجر بينهم بعدها فقال: تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ} [المائدة: 106]
قال عامة المفسرين: بعد صلاة العصر، ولذلك غلظ العلماء اللعان وسائر الأيمان المغلظة بوقت صلاة العصر؛ لشرفه ومزيته.
ومنها: أن سليمان عليه السلام أتلف مالاً عظيماً من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس، فمدحه الله تعالى بذلك، وأثنى عليه بقوله تعالى:{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} [ص: 30 - 31] الآيات.
ومنها: أن الساعة التي في يوم الجمعة قد قيل: إنها بعد العصر. ومنها أن وقتها وقت ارتفاع الأعمال.
ومنها: الحديث المرفوع: «إن الله تعالى يوحي إلى الملكين: لا تكتبا على عبدي الصائم بعد العصر سيئة» .
ومنها: ما جاء في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1 - 2]، قال مقاتل:"العصر هي الصلاة الوسطى أقسم بها"، حكاه ابن عطية.
ومنها: ما روي في الحديث، أن الملائكة تصف كل يوم بعد العصر بكتبها في السماء الدنيا فينادى الملك: ألق تلك الصحيفة، فيقول: وعزتك ما كتبت إلا ما
عمل، فيقول الله عز وجل:«لم يرد به وجهي» ، وينادى الملك الآخر: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول الملك: وعزتك إنه لم يعمل ذلك، فيقول الله عز وجل:«إنه نواه» .
ومنها: أن وقتها وقت اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم في الغالب.
وقد أفرد الكلام على تفسير هذه الآية بمؤلفات. وذكر العلامة الفاسي - شارح القاموس، فيما نقله عنه الزبيدي - أن الأقوال فيها أنافت على الأربعين. فرضي الله عن العلماء المجتهدين وأرضاهم.
سنح لي وقوي بعد تمعن - في أواخر رمضان سنة 1323 - احتمال قوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238 [بعد قوله {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238 [لأن يكون إرشاداً وأمراً بالمحافظة على أداء الصلاة أداءً متوسطاً، لا طويلاً مملاً ولا قصيراً مخلاً، أي: والصلاة المتوسطة بين الطول والقصر.
ويؤيده الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، قولاً وفعلاً، ثم مر بي في القاموس - في 23 ربيع الأول سنة 1324 - حكاية هذا قولاً، حيث ساق في مادة (وس ط) الأقوال في الآية، ومنها قوله:"أو المتوسطة بين الطول والقصر".