الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي خامس وعشرين جمادى الأولى: عزل الفقيه أحمد البجلي عن قضاء حيس لموجبات أوجبت ذلك، وولي القضاء عيسى بن محمد الناشري عوضه، ثم رضي عن البجلي، ورده إلى وظيفته في شعبان، وقبض على محمد بن عبد اللطيف المحالبي، وطلع به مقيدا إلى تعز، ثم إلى بلده (1).
وفي شهر ربيع الثاني: توفي المحدث بزبيد الحافظ أحمد بن أحمد الشرجي.
وفي عاشر جمادى الآخرة: توفي حافظ الديار اليمنية يحيى بن أبي بكر العامري ببلده حرض.
وفي سادس وعشرين رمضان: توفي بزبيد قاضي الحنفية بها الصديق بن علي المطيّب.
وفي حادي عشر القعدة: حصلت ريح عظيمة انكسر بسببها في بندر عدن ثلاثة عشر مركبا، وفي الشحر وغيرها من البلاد (2).
***
السنة الرابعة والتسعون
في منتصف المحرم منها: دخل السلطان صلاح الدين عامر بن عبد الوهاب زبيد وصحبته ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد بن داود في خيل وعساكر كثيرة، وأخرج أكثر العسكر صحبة الأمير محمد بن عيسى البعداني إلى الزيدية، فسلمت الزيدية وغيرهم من العرب إلى الأمير البعداني خيلا ومالا جزيلا، فقدم به إلى زبيد، وقدم معه مشايخ العرب، ومنهم أبو القاسم الشرياني، فأكرمه السلطان صلاح الدين، وأطلق أولاد أحمد بن أبي الغيث بن حفيص من قيودهم وكان قد نزل بهم صحبته، وكساهم، وأنعم عليهم، وصرف لهم خيلا يركبونها بعد أن توثق منهم بالأيمان والرهائن من نسائهم وأولادهم (3).
وفي مدة إقامته بزبيد: أمر القضاة والعلماء بعمارة ما تشعّث من المساجد والمدارس، ثم طلع إلى تعز سادس ربيع الأول، ثم إلى جبن، واجتمع بوالده هنالك، ثم مرض والده ولم يزل ينقص عليه إلى أن مات منه في سابع جمادى الأولى من السنة المذكورة، وكان قد عهد إلى ولده الملك الظافر صلاح الدين عامر، واتفقت كلمة أهل الحل والعقد عليه بعد
(1)«بغية المستفيد» (ص 170).
(2)
«بغية المستفيد» (ص 171).
(3)
«بغية المستفيد» (ص 171).
موت أبيه، فبادر بإرسال ابن عمه محمد بن عبد الملك بن داود إلى عدن وصحبته الأمير علي بن محمد البعداني، فدخلها عشية ثاني أو ثالث يوم من موت عمه الملك المنصور، وأقام الملك الظافر بجبن ثلاثة أيام جهز فيها والده، وقرر أموره، ثم انتقل إلى المقرانة، وأقطع خاله عبد الله بن عامر بن طاهر البلاد الشرقية، فأظهر الرضى والتسليم، ثم عزم الملك الظافر إلى تعز، فدخلها سادس عشر الشهر.
ثم بلغه أن أخواله الشيخ عبد الله ومحمد وعمر أولاد عامر بن طاهر نقضوا العهد، ودعوا إلى أنفسهم، واستخدموا الجيوش من يافع وأهل جبن وغيرهم، وأخذوا حصن جبن، وانتهبوا الدار التي بناها المنصور بجبن، وخربوا بعضها، ونهبوا بيت علي الدرجاني وابن خلف، وبيت الشيخ عبد الملك بن داود، وبيت الأمير محمد بن عيسى البعداني والقاضي عمر بن محمد الجبني، وغيرها من البيوت، وخربوا أكثر البيوت التي بأسفل جبن، فطلع الملك الظافر من تعز ثاني وعشرين الشهر في خيل كثيرة وجمع عظيم، فحط عليهم في الحصن سادس وعشرين الشهر، فلما وصل الظافر إلى جبن .. نزل القاضي عمر بن محمد للسلام عليه، فأمر الشيخ محمد بن عامر بنهب بيته، فنهب، وانتهكت حرمه، ونهب له من الكتب النفيسة ما ينيف على ألف وخمس مائة كتاب.
وأما الشيخ عبد الله بن عامر .. فإنه لما علم بتوجه الظافر إلى جبن .. خرج منها إلى جبل حرير، ثم إلى بلد يافع، وقتل من أصحابه جملة، وأسر من بين يديه ابن أخيه الشيخ داود بن أحمد بن عامر، ونهب المال الذي في صحبته.
ولما قامت يافع في نصرة الشيخ عبد الله بن عامر .. كتب الشيخ الظافر إلى ابن عمه محمد بن عبد الملك بعدن يأمره بإخراج يافع منها، فأخرج منهم نحو خمس مائة إنسان، ثم اصطلح الملك الظافر ومن بقي من أخواله بجبن على يد الأمير عمر بن عبد العزيز الحبيشي على أن يعطيهم الملك الظافر في كل عام من مال عدن أربعين ألف دينار، ويقطعهم من البلاد جبل حرير والشعيب، فرفع المحطة عنهم، وكان قد حط عليهم خمسة وخمسين يوما (1).
وفي ثالث وعشرين شهر شعبان: توفي الفقيه عبد الله بن أبي بكر خطاب، إمام مسجد الأشاعر، وتوجه الظافر إلى المقرانة، ثم إلى رداع العرش ليتفقد أحوال تلك الجهات،
(1)«بغية المستفيد» (ص 172).
فبلغه أن أخواله المذكورين نقضوا الصلح، فنزل الشيخ محمد بن عامر والمنتصر العربي وابن صاحب مرعيت إلى تعز ثالث رمضان، وكان جماعة من أهل تعز قد خامروا ورخصوا للشيخ محمد بن عامر أخذها، فوصل الشيخ محمد ومن معه على غرة إلى تعز وبها يومئذ شيخ الإسلام العلامة شمس الدين يوسف المقرئ بن يونس الجبائي، فأمر الناس بالفطر والقتال، فقاتلهم من لم يخامرهم، فهزموهم، وقتل ابن صاحب مرعيت في جماعة، ورجعوا خائبين، وكان الأمير عمر بن عبد العزيز إذ ذاك بتعز، فخرج ولم يقاتلهم، فاتهم في ذلك، ثم حصلت عليه مكائد كثيرة أفضت إلى غضب الظافر عليه والعسف والهسف، ثم قيد يوم الجمعة عشرين في شهر رمضان ببلد العربيين بعد وقعة صهبان، وسجن (1).
وفي رابع رمضان: توفي عمر قرينع.
وكان من جملة من خالف على الملك الظافر مع خاله الشيخ عبد الله بن عامر: عبد الباقي بن محمد بن طاهر، فنزل عبد الباقي المذكور إلى عدن، وأخذها للشيخ عبد الله بن عامر في الظاهر وغرضه في الباطن استخلاصها لنفسه دون غيره، فوصل إلى لحج بجمع أكثرهم من يافع، فتقدم طائفة من عسكره، فنهبوا وعاثوا، فخرج عليهم رتبة لحج، فهزموهم، ثم أقبل الشيخ عبد الباقي في بقية عسكره، فانهزم عنه رتبة لحج إلى السائلة، فلام أصحابه على النهب، ودخل الرعارع، ولم يغير على أحد شيئا، ثم تقدم إلى عدن ومعه نحو مائة سلم ليرتقي بها عسكره إلى الدروب، فوصل إلى المياه في آخر ليلة الثلاثاء عاشر رمضان، فوقع بين عسكره وبين المرتّبين بالحصون مهاوشة، وأخرب أصحابه بعض شيء من درب حوشب، فلما كان صبيحة ذلك اليوم .. خرج إليه الشيخ محمد بن عبد الملك من عدن في جمع عظيم غالبهم من عساكر المراكب البحرية؛ لأنه وصل في الموسم، وكان في البلد جملة خشب، فاستعان الشيخ محمد بن عبد الملك برجالها وآلاتها من المدافع وغيرها، فالتقى الجمعان عند جبل حديد، فنصر الله الشيخ محمد بن عبد الملك، وانهزم الشيخ عبد الباقي بن محمد بعد أن انكسرت يده وانهزم جل عسكره، وانحاز جمع من عسكره غالبهم من يافع إلى جبل حديد، فحط الشيخ محمد بن عبد الملك تحتهم ولم يتبع المنهزمين، ولو تبعهم .. لاستأصل شأفتهم ولم يبق منهم باقية، لكن رأى الأمر كما قيل:[من الكامل]
ما في قتيل فرّ مرعوبا سمن
(1)«بغية المستفيد» (ص 174).
فحضر الذين بجبل حديد، فلما أيسوا عن المنقذ .. طلبوا النزول على الأمان، فآمنهم من القتل، ونزلوا إلى الشيخ محمد بن عبد الملك بعد أن سلموا ما بأيديهم من السلاح، فأسرهم، ودخل بهم إلى عدن مربوطين بالحبال، فكحل بعضهم، وقطع عراقيب بعض من السحب والعبيد، وقيّد بقيتهم من العرب والقبائل (1).
وفي مدة إقامة الظافر برداع: وصل إليه القاضي عبد العليم البريهي قاضي مدينة إبّ رسولا من قبل أهل بعدان يخبره بأن البلد مضطربة، ولا يسكنها إلا وصوله إليها، فنزل إلى إبّ، ومر في طريقه على بلد بني سيف قبلي مدينة إب، فأخذ حصنهم بعد ما قاتلوه وقتل منهم جماعة ولزم آخرين، ثم دخل إب حادي عشر رمضان، ثم خرج منها إلى بلد صهبان في منتصف الشهر، فالتقى هو وخاله الشيخ محمد بن عامر، ومع الشيخ محمد بن عامر المنتصر العربي، فوقعت بينهم وقعة عظيمة تحت النجد الأحمر من طرف بلد صبهان، انتصر الظافر عليهم، وقتل من عساكرهم ما لا يحصى، وأسر منهم خمس مائة وأربعين رجلا، وأخذ جميع ما معهم من الذخائر والعدد والأموال، وذلك يوم الخميس تاسع عشر رمضان (2).
وفي شهر رمضان أيضا: ثارت فتنة المقرطس بزبيد، وذلك أن أحمد بن محمد المقرطس شيخ دار الضرب بزبيد وقابض أموال السلطان بها كان قد بايع جماعة من العسكر المقيمين بزبيد على قتل أميرها محمد بن عيسى البعداني، وكان له من الأمير مكانة لكونه أخا لزوجة الأمير، ولا يمنع من الدخول على الأمير أيّ وقت شاء، فدخل على الأمير في الدار الكبير صبح يوم الاثنين ثاني عشر رمضان، ودخل معه برجلين من أهل مدل ليقتلا الأمير، ولم يكن عند الأمير سوى عبد في حاشية المجلس، فلما دخل .. وثب على الأمير ليلزمه، وأشار إلى الرجلين أن يقتلا الأمير، وأشار الأمير إلى العبد الذي في حاشية المجلس أن يقتل المقرطس، فبادر العبد فضرب المقرطس بالسيف ضربة قطع بها عضده، فأفلت الأمير وهرب، وأدهش من لقيه بذهب كان ينثره لهم حتى خرج من الدار، وقتل الرجلان اللذان دخل بهما صحبته، واختفى المقرطس في دار الضرب إلى نصف النهار، فأنذروا به، فلما علم بذلك .. خرج من الدار ليستجير ببيت الشيخ حسن بن أبي العباس الهتار، فواجهه ديوانيّ-يقال له: الشوكة-في الطريق، فضربه بعود في رأسه فسقط في
(1)«بغية المستفيد» (ص 176).
(2)
«بغية المستفيد» (ص 175).
الطريق، وطعنه عبد آخر في صدره طعنات فمات، وسلبت ثيابه، وطرح في الطريق عريانا، ثم أرسل الأمير من ستره وحمله إلى بيته، فجهز، وصلي عليه، ودفن عصر ذلك اليوم.
وأما الأمير محمد بن عيسى البعداني .. فإنه لما خرج المقرطس مخذولا، وقتل الرجلان اللذان دخل بهما من أهل مدل .. صعد الأمير إلى سطح الدار بنفسه، واستغاث وصاح بالعساكر، فأقبلوا إليه وحموه من المفسدين، وأغلقت أبواب المدينة، وسكنت الفتنة، وقيد الأمير جماعة ممن كان بايع المقرطس، منهم غرامة بن حيان، واستجار جماعة منهم ببيت الشيخ الغزالي، فقبضت خيلهم، ثم خرجوا به بالشفاعة مطرودين مهانين إلى بلادهم، وأرسل الأمير إلى الملك الظافر يخبره بما اتفق ويستمده جندا، ولم يأمن أحدا من عساكره الذين معه، فأرسل إلى صاحب المصباح الفقيه محمد بن يحيى الجهمي، فوصله مبادرا، فسأله أن يستخدم له جندا من أهل أصاب، فطلع بسبب ذلك إلى بلده، ثم نزل بخمس مائة شفلوت، ثم دخل بهم زبيد في أبّهة عظيمة وعدّة حرب قويّة، فأقاموا بزبيد نحوا من نصف شهر حتى وصلت العساكر الظافرية من قبل السلطان، ثم فسح الأمير لأهل وصاب، فرجعوا إلى بلادهم شاكرين لمعروف الأمير وإحسانه.
واتهم الأمير في هذه القضية أيضا أحمد بن الفقيه عبد الله العقيلي، وبالغ في ذلك، وأغرى بهم حتى ضيق عليهم خاطر الملك الظافر، فأمر بقبض بيوتهم وأراضيهم، فتفرقوا شذر مذر، وتمزقوا كل ممزق، وثبت الأمير بزبيد حازما إلى أن استدعاه الملك الظافر في ذي الحجة، فواجهه بتعز، وعوضه بزبيد الشيخ عبد الباقي مكرد بن عمر العجلمي أميرا، فضبط أمورها، وأحسن تدبيرها (1).
وفي يوم الجمعة سلخ شوال: توفي النقيب الوجيه بن محمد بن إقبال.
وفي ثامن عشر ذي الحجة: توفي الشيخ الصالح محمد بن المعروف الحكمي صاحب المملكة.
وفي سابع وعشرين الشهر: توفي شيخ الإسلام وجيه الدين عبد الرحمن بن الطيب الناشري، ثم أمر الظافر محمد بن عيسى البعداني بالنزول إلى عدن، ونزل عقبه الظافر إلى
(1)«بغية المستفيد» (ص 176).