الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصلته المراسيم والخلع من مصر، وكان رجلا حازما شهما، له تدبير ورأي، وشفقة تامة على الرعية، وهيبة قوية عند جنده؛ فإنهم الذين أقاموه وآزروه، ومع ذلك فلم يكن لأحد معه كلمة.
وكان في نفسه من القاضي أبي السعود، ويجامله كثيرا في الظاهر، ومع ذلك فلم يأمن منه القاضي حتى استجار منه بأخيه الجازاني، فأجاره.
ولم تطل مدة ولايته؛ لأنه دخل مكة وهو مريض، ولم يزل المرض مستمرا به إلى خامس عشر رجب من السنة المذكورة (1)، فتوفي رحمه الله بمكة، ودفن بمقبرتهم.
4375 - [عبد الله بن عامر بن طاهر]
(2)
الشيخ عبد الله بن عامر بن طاهر.
توفي معتقلا بدار الأدب من رداع العرش في شوال من سنة سبع وتسع مائة والملك الظافر محاصر لصنعاء يومئذ، [وكان مرضه من الحمى المطبقة، فأقام خمسة أيام، ثم توفي في اليوم السادس من مرضه، فأحضر الموكل به أعيان البلد ورؤساءها وأشهدهم على موته، ثم جهز أحسن الجهاز، وصلي عليه في جمع، ودفن في مجنة رداع العرش، رحمه الله تعالى](3).
4376 - [القاضي أبو السعود]
(4)
القاضي أبو السعود بن القاضي إبراهيم بن علي بن ظهيرة، قاضي مكة المشرفة وابن قاضيها.
قرأ على أبيه، وأكثر قراءته على عمه القاضي أبي بكر، وولي القضاء بعد أبيه.
وكانت له حرمة عظيمة وجاه كبير عند الشريف محمد بن بركات، ثم مع ولده بركات من
(1) لم يتقدم ذكر لأية سنة في هذه الترجمة، والمراد: سنة (907 هـ)؛ لأن المصنف رحمه الله تعالى ذكر في حوادث تلك السنة وفاة صاحب الترجمة، انظر (6/ 557).
(2)
«الفضل المزيد» (ص 270).
(3)
بياض في الأصول، والاستدراك من «الفضل المزيد» (270).
(4)
«الفضل المزيد» (270)، و «النور السافر» (ص 80)، و «تاريخ الشحر» (ص 50)، و «السناء الباهر» (ص 60).
بعده بحيث كان أوامره في الحجاز أنفذ من أوامرهما، رغبة منهما في ذلك واختيارا، لا كراهة وإجبارا.
فلما وقعت الفتنة بين الشريف بركات وأخيه هزاع بوادي مرّ، وانكسر فيها الشريف بركات، ونهب مخيّمه وحرمه .. أمده القاضي أبو السعود بالمال والأثاث والخدم، ويقال: إنه الذي أشار عليه بنهب جدّة ليتقرر عند المصريين عجز غير بركات.
وكان القاضي أبو السعود إذ ذاك مرتابا من الشريف هزاع كثيرا، يرى أن هزاعا لو تمكن منه .. لأتلفه؛ لما كان يرى منه من الميل إلى بركات في حياة أبيه وبعد وفاته، فلما انكسر الشريف المرة الثانية، ونهب مخيمه .. تخيل للقاضي أبي السعود أن الشريف بركات قد انقضت أيامه، وأدبرت سعادته، فالتجأ القاضي إلى الشريف جازاني بن محمد بن بركات، فخفره من هزاع وحماه منه.
فلما أمن جانبه من هزاع .. أرسل الشريف بركات إلى القاضي يريد منه المساعدة كالمرة الأولى، فاعتذر إليه القاضي، فوقع في نفس الشريف منه، ووجد أعداء القاضي مدخلا عليه عند الشريف، فأوغروا صدر الشريف عليه بالحق والباطل.
فلما توفي هزاع .. شمر القاضي أبو السعود همته في تولية الجازاني على مكة وأعمالها، وكتب بذلك إلى المصريين، ورجح لهم أنه أصلح للحجاز من بركات، وأن بركات ما هو إلا راعي معزى، فتم للقاضي ما أراد، ووصلت المراسيم والخلع من مصر للجازاني.
فجمع الشريف بركات جندا عظيما من اليمن والشرق وغير ذلك، وقصد أخاه الجازاني بمكة، وعلم الجازاني أنه لا طاقة له به .. فخرج من مكة إلى ينبع، ودخل الشريف بركات بعساكره، وكان يجامل القاضي في الظاهر كثيرا ويحترمه، ويراعيه ويستشيره، وكان محتذرا من هجوم الجازاني وبني إبراهيم عليه، فلم يزل محتفظا بالعسكر بمكة، فيقال: إن القاضي أشار عليه بأنك قد أمنت من خصمك، ولا حاجة إلى جمع الجند، فقد تأذى أهل مكة من انبساطهم وفسادهم، وهذا شهر رمضان مقبل لا يحتمل ذلك، والمصلحة أنك تفسح لكل ينصرف إلى أهله وبلده، فأصغى الشريف بركات إلى مشورته، وفرق الجند، ولم يبق معه إلا خاصته ومن يلوذ به، فيقال: إن القاضي كتب إلى الجازاني أن بركات قد فرق جنده ولم يبق أحد عنده، فلا يكون أسرع من وصولك إلى مكة على غرة وغفلة لتقبض عليه، وأرسل مكتّبا بالورقة، فشاع بمكة أن القاضي أرسل قاصدا إلى ينبع، فأرصد
الشريف بركات الطريق لقاصد القاضي، فظفروا به وفتشوه، فوجدوا معه الورقة، فأتوا به وبالورقة إلى الشريف بركات وهو بمكة، فلما وقف على خط القاضي .. تحقق أن القاضي ساع في هلاكه، ولم يعلم القاضي بذلك.
ويقال: إن الورقة مكيدة زورت على خط القاضي توصلا إلى هلاكه، والله أعلم بحقيقة الأمر.
فلما فرغ القاضي من التدريس بالحرم بعد طلوع الشمس، وطاف بالبيت سبوعا على جاري عادته .. أتاه رسول الشريف يستدعيه، فخرج من الحرم إلى دار الشريف قبل أن يصل إلى بيته، فدخل وأراد الجلوس بقرب الشريف على جاري عادته، فأخرج عن ذلك المجلس، ورمى إليه الشريف بالورقة وقال له: كنا نسمع ولم نصدق حتى شاهدنا خطك، فيقال: إنه أنكر أن يكون ذلك خطه، وأراد تقطيعها، فاجتذبها الشريف منه، فأراد اجتذابها من يد الشريف على ما يألفه من الانبساط والاستدلال، فلطمه الشريف قايتباي لطمة فاحشة حتى أسقط عمامته من رأسه، وأراد هسفه وضربه، فمنعه الشريف بركات من ذلك، ثم أمر به، فنقل إلى مجلس آخر، وجعل عليه الترسيم، وأرسل في الحال من احتاط على بيوته، وأخرج أولاد القاضي وحرمه من البيت مجردين ليس معهم سوى ثياب أبدانهم، وسمر على بيوت القاضي وأملاكه وحواصله جميعها، ثم جمع الفقهاء وأعيان البلاد وأوقفهم على الورقة، فقرروا أنها خط القاضي، فكتب محضرا بما اتفق من القاضي، وأخذ عليه خطوط الحاضرين من الفقهاء والأعيان والأمراء، فكتب كل منهم على قدر ما في نفسه من الضغن والإحن على القاضي، ثم أخذ في مصادرة القاضي وتعذيبه بأنواع العذاب من العصاريات وغيرها، ورسّم على كبار عياله كالقاضي صلاح الدين وغيره، ولم يزل يستجر منه المال، ثم سعي بين الشريف والقاضي على أن يبذل القاضي مبلغا جزيلا من المال، وعلى أن يخرج ولده القاضي صلاح الدين، فيبيع أملاك القاضي في تحصيل المبلغ المذكور، فأطلق القاضي صلاح الدين، فباع كتب والده وملابسه وذخائره ومصاغه وأثاثه وشيئا من عقاره بأبخس ثمن، ورهن بعض العقار حتى سلم المبلغ المشروط، ثم إن الشريف أرسل بالقاضي إلى جدّة في الترسيم، وأركب في البحر من جدة إلى جزيرة القنفدة قرب حلى، ثم أتبعه بعياله إلى الجزيرة، فتم بالجزيرة هو وعياله وعليهم الترسيم، فلما قرب الركب المصري من وصول مكة، وعلم الشريف أنهم ساعون في خلاص القاضي ..
أرسل بريدا إلى ابن ركوب أمير القنفدة بأن يغرّق القاضي حال أن يصله كتابه، فأركبه في