الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحوادث
السنة الحادية والستون بعد الثمان مائة
في خامس المحرم منها: قدم المجاهد علي بن طاهر إلى زبيد، وطلب المفسدين من القرشيين، فاستجاروا عند الشيخ إسماعيل الجبرتي، فقبض خيلهم، ثم ردها لهم (1).
وفي الشهر المذكور: أخذ ابن لبين-كتصغير لبن-حصن تعز، فوصل إليه العسكر المجاهدي، فأسروه، وقتلوا من أصحابه نحو الخمسين، واستعادوا الحصن منه (2).
وفي أواخر ربيع الآخر من السنة المذكورة: تجهز صاحب الشحر أبو دجانة محمد بن سعد بن فارس الكندي من الشحر ليأخذ مدينة عدن، وذلك أن يافع الذين خرجوا من كلد وغيرهم حسّنوا له ذلك، ورغبوه في أخذها، وزعموا أنهم يعرفون مواضع يدخل منها إلى البلد من غير الأبواب، منها الموضع الذي فيه الحصن المعروف بالقفل، ولم يكن إذ ذاك به حصن، وإنما بني بعد ذلك، وسمي بالقفل؛ لأنه كالقفل على المدينة، فتجهز في تسعة مراكب ومعه جماعة من يافع ومهرة وغيرهم، وحيّر السنابيق عن الوصول إلى عدن؛ لئلا يردوا العلم بتجهيزه، فخرج سنبوق من الشحر خفية في الليل، ووصل إلى عدن، وأخبر بالتجهيز، ولم يكن في البلد إذ ذاك أحد من السلاطين، ولا بها عسكر، وإنما كان فيها الشريف علي بن سفيان أميرا، وأخبر الواصلون في السنبوق أن غرض أبي دجانة وأصحابه الدخول إلى البلد من الموضع الذي منه حصن القفل الآن، فجعل فيه ابن سفيان رتبة من البرابر والجيوش؛ لعدم العسكر في البلد، وبلغني أنهم أرادوا أن ينصبوا المدافع في الدرب ليرموا إلى جهة التجهيز إذا وصل، فلم يجدوا في البلد إلا أربعة أو خمسة مكاحل صغار، وذلك لضعف البلد، وكتب ابن سفيان إلى المشايخ يعلمهم بما بلغه من الخبر، ويستحثهم في الوصول أو المدد بالعساكر، ووصل أبو دجانة في تسعة مراكب إلى فوق البندر، ورام دخول البندر، فلم يقدر، وأصاب المراكب ريح عظيمة انكسر من مراكبه مركبان، ثم قدم الملك الظافر عامر بن طاهر إلى عدن قبل المغرب من يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر المذكور بعساكر ضليعة، ففرح الناس بوصوله، وقوي الريح في تلك الليلة قوة عظيمة،
(1)«بغية المستفيد» (ص 125).
(2)
«بغية المستفيد» (ص 126).
وانقطع رجاء صاحب الشحر من البلد، فأصبح يوم الاثنين متوجها نحو بلده هاربا، فانفتح المركب الذي هو فيه، ونبذه إلى ساحل المكسر، فخرج الظافر بعساكره من باب البر، وخرج معه نقباء يافع آل أحمد، فأسر أبو دجانة وابن أخيه، وبادر نقباء يافع آل أحمد إلى قتل مبارك الثابتي، وهو الذي كان سببا في تجهيز أبي دجانة، وبادروا أيضا إلى قتل ابن عمه حسب أن خرجا من البحر؛ خشية أن يؤسرا، فيكيداهم بالصحيح والسقيم، ولام الملك الظافر نقباء يافع على قتل الثابتي، وكان غرضه أسره، وأسر جماعة من عسكر أبي دجانة من يافع وغيرهم، وأركب أبو دجانة على جمل ليراه الناس، وأدخل به وبالأسرى إلى عدن، وكان يوما مشهودا.
ويحكى أنه قيل للشيخ عامر بن طاهر وأبو دجانة في الميدان والخيل تلعب فيه: إنه محسوب لأبي دجانة أن يشرف من دار السعادة، فأمر باطلاعه إليه مقيدا، وأمر بأن يشرف من الروشن على الذين يلعبون في الميدان.
ولم يزل أبو دجانة محبوسا مقيدا إلى أن وصلت والدته بنت معاشر من الشحر، وكانت امرأة كاملة، ذات حزم وعزم، يقال: إنها نهته عن التجهيز إلى عدن، وعذلته عن ذلك، فلم يصغ إلى كلامها ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وهي التي ضبطت الشحر في غيبة ولدها، فلما وصلت إلى عدن .. سعت في فكاك ابنها، ويسلم لهم الشحر، فأطلق أبو دجانة من القيد والحبس، وجعل هو ووالدته في بيت تحت الحفظ إلى أن قبض نائبهم الشحر ..
فأطلقوه هو ووالدته، فسارا إلى بلدهم حيريج، وتوفي أبو دجانة عقب وصوله إلى بلده.
ويقال: إنه لم يخرج من عدن إلا مسموما، والله أعلم بحقيقة الأمر.
ولما وصل أبو دجانة إلى فوق البندر .. خاف أهل البلد من دخوله ونهبه للبلد؛ لأن غالب عسكره أوباش مجمّع، فرأى بعضهم في النوم كأن باب الساحل مفتوحا، وأن الشيخ محمد برسة الجبرتي مادا ذراعيه بين البابين، وطالت ذراعه حتى بلغت من الباب إلى الباب كالمانع للناس من الدخول، فأصبح يخبر الناس بذلك، ويبشرهم بالأمان (1).
وفي ذي الحجة منها: استولى عباس الحبيشي على مخلافه، فنزل إليه المجاهد من بلده، واستقر بجبلة في الشهر المذكور (2).
(1)«تاريخ شنبل» (188)، و «بغية المستفيد» (ص 126)، و «اللطائف السنية» (183)، و «تاريخ حضرموت» للكندي (1/ 147)، و «جواهر تاريخ الأحقاف» (2/ 168)، و «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 581).
(2)
«بغية المستفيد» (ص 126)، وتتمة القصة ستأتي في حوادث سنة (862 هـ).