الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الجوع طريح، وكان صحبة السلطان جملة أحمال زبيب ودقيق، فأشار بعض أصحابه أن يعطي الجند منه القوت ليتقوّوا به على معاودة الحرب، فلم يفعل، ثم خرج المصريون صبح الخميس ثاني الوقعة، فكانت بينه وبينهم وقعة أشد من الأولى، وقاتل في اليومين المذكورين بنفسه وولده أحمد، وولد خاله الشيخ محمد بن أحمد بن عامر، وخواص عبيده كفرحان وغيره، ولم يثبت معه سواهم، وأبلوا بلاء عظيما، وأبانوا عن شجاعة لم يعهد مثلها، ثم تخاذل بهم باقي العسكر، فانكسروا في آخر ذلك اليوم والسلطان حينئذ في المعركة، فلما رأى أن جنده منهزمين .. رجع إلى المحطة ليحميها، فوجد العسكر المصري قد هجمها ونهبوا جميع ما فيها من الأموال والذخائر السلطانية، فجمع باقي عسكره، ورجع من حيث جاء، ولم يلحقه أحد من المصريين لاشتغالهم بالغنائم، وسار السلطان إلى تعز، فدخلها سادس عشر شوال، وأقام بها إلى أن طلع إليه المصريون في أوائل السنة الآتية، ورجع المصريون إلى زبيد، فدخلوها ليلة الجمعة حادي عشر شوال ظافرين غانمين، وصاح برسباي بالأمان للناس عامة ولمن خرج إلى محطة السلطان من أهل زبيد وغيرهم، وقرر أحوالهم، ولم يغير على أحد منهم.
وكان شيخنا القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر المزجّد ارتاب من الوقفة عند الشيخ وعدم رجوعه مع الرسل، فلما انقضت الوقعة .. عزم إلى وصاب، فأرسل له برسباي بالأمان، فرجع إلى زبيد (1).
***
السنة الثالثة والعشرون
كان السلطان قد عرف من عسكره عدم النصيحة، فاستخدم جماعة من مهرة وأجزل عطيتهم، فتغير عليه خاطر بقية العسكر حيث آثر المهرة عليهم وما المهرة فيهم إلا كالرقمة في ذراع الحمار، فكانوا يتخاذلون.
وخرج برسباي بالعسكر من زبيد إلى تعز وبها السلطان حينئذ، فوصلوا تعز صبح الجمعة سادس عشر صفر، فلما شاهدهم عسكر السلطان .. انهزم كل قبيلة منهم إلى بلدها، ولم يبق مع السلطان إلا المهرة وخاصة عبيده، فأرادوا القتال، فمنعهم، وولى عنهم إلى جهة
(1)«الفضل المزيد» (ص 367)، و «تاريخ الشحر» (ص 117).
إبّ من غير قتال ولا حرب، فدخلوا المصريون (1) تعز، فصادروا التجار، وفعلوا بها وبأهلها أعظم مما فعلوا بزبيد وأهلها، وأقاموا بتعز إلى الجمعة الثانية، وواجههم الفقيه عبد الله بن المقرئ يوسف، وواجههم أيضا الفقيه أبو بكر بن محمد الصائغ، وخطب لهم خطبة نال فيها من السلطان، ثم عزموا من تعز في يوم الجمعة ثالث عشر صفر إلى جهة المقرانة بعد أن جعل برسباي بتعز الأمير أقباي مقدما بتعز، وأضاف إليه أمورها، وكان السلطان عند ما خرج من تعز أقام بإبّ أياما، فلما علم بتوجه المصريين إلى المقرانة .. توجه إليها، فدخلها قبلهم بليلة، دخلها عشية الخميس، فحمل نساءه وما خف حمله من الذخائر والأموال، وأحرق بعض ما لم يقدر على حمله، وفتح الخزائن، وأمر بأن تحمل كل واحدة ما قدر عليه، فلما كان صبح الجمعة .. أصبح المصريون تحت المقرانة ولم يتجاسروا على دخولها حتى أخبروا أنها خلية عن السلطان وجنده، فدخلوها، واستولوا عليها، ونهبوا ما وجدوه في الديار من الذخائر والأموال، وكانت جملة مستكثرة، وظفر برسباي بجماعة كانت عندهم ودائع للسلطان، فأخذها منهم.
ودخل عليه جماعة من آل عمار، فبايعوه، وسألوه المسير معهم ليمكنوه من بلادهم، فسار معهم في جمع كثير من شجعان أصحابه، فلما توسطوا بهم في بلادهم .. ثاروا عليهم من كل مكان، فقتلوا الأمير برسباي وأصحابه عن آخرهم، ولم ينج منهم إلا المخبر عنهم، فلما بلغ الخبر إلى من بقي من المصريين في المقرانة .. ضاق بهم الحال، وتغيرت منهم الأحوال، ثم أجمع رأيهم على تولية رجل منهم يعرف بالإسكندر، وكان شجاعا ظلوما، فبايعوه، وأمّروه عليهم، فلما تم له الدست .. ظفر بالفقيه عمر الجبرتي وكان من خواص السلطان، فتهددوه، فدلهم على مال عظيم للسلطان كان ختم عليه في جدار يقال: إنه يبلغ خمسة لكوك ذهب قديم، فأخذه منه، وقسمه في العسكر.
سمعت الأمير مرجان الظافري يقول: العجب من علم الفقيه الجبرتي بذلك؛ فإنه لم يحضر على تطيين ذلك المال سوى الشيخ وأنا والمعمار وعبد صغير كان يناول المعمار الطين، وقد مات المعمار والوصيف! قال: ويشبه أن السلطان أخبر به عمر الجبرتي في بعض انشراحاته).انتهى
ثم سار الإسكندر من المقرانة بعساكره إلى جهة صنعاء، فلحقه عسكر السلطان بموضع
(1) هذا على لغة: أكلوني البراغيث.
يقال له: غفرة، فكانت بينهما وقعة قتل فيها من الأتراك وجموعهم وأشراف جازان ومن معهم جمع عظيم، وحصرهم عسكر السلطان من كل جانب، وكاد يحاط بهم، فبذلوا مالا جزيلا لعبد النبي بن سعيد حتى أرخى له قليلا من جانبه، فنفروا منه إلى جهة رداع، واستولوا عليها من غير قتال بمساعدة الأمير بها يومئذ، ثم تقدموا إلى صنعاء.
وأما السلطان .. فإنه لما خرج من المقرانة .. توجه إلى الخلقة، فتبعه طائفة من المصريين، فهرب من الخلقة إلى قرب بلد يافع بموضع يقال له: الوسايا، وألقى الله الرعب في قلبه منهم، حتى بلغني أنه رأى فارسا واحدا من أصحابه، فظنه من الترك أو أنه يطرد هاربا منهم، فهرب من ذلك الرجل، وطلب من يافع بعض حصونهم يكنّ نفسه فيه وحرمه، فلم يساعدوه، وقاسى من الذل والجوع والهوان هو وأهله ما لم يقاسه إنسان، فسبحان المذل بعد العزة، والمقل بعد الكثرة!
ولما بلغه ما حصل على المصريين في الغفرة .. استفزه الفزع، وطمع في الظفر بهم، فسار من الخلقة ودخل المقرانة، وترك بها ابنه أحمد، وخرج مسرعا يقافي الجند والعسكر ملاحقا للمصريين إلى صنعاء ومعه أخوه الشيخ عبد الملك، وابنه أبو بكر، وابن أخيه عامر بن عبد الملك، وبلغني أن أخاه الشيخ عبد الملك عذله عن ملاحقة المصريين إلى صنعاء وقال له: أنت تعرف عداوة الزيدية، فنقع بين عدوين المصري والزيدي، فلم يصغ إلى كلامه، ونسبه إلى الجبن والذل منهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فسار إلى أن وصل قريبا من صنعاء بحيث يراها والمصريون حينئذ محاصرون لها ولأهلها ولم يقدروا منها على شيء، فلما علم الجند المصري بوصول السلطان .. قصدوه قبل أن تحطّ الأحمال، فكانت بينهم وبين العسكر السلطاني وقعة قتل فيها أخو السلطان الشيخ عبد الملك بن عبد الوهاب؛ أصابته جليلة في وجهه وعاده لم يلبس للقتال، فسقط ميتا، وقتل معه أكثر عبيده وعساكره، وذلك ليلة الخميس رابع وعشرين ربيع الأول، فلما رأى السلطان ذلك .. عدل إلى جهة جبل نقم بعد أن أخذه شبه الوله لفقد أخيه، فلاحقه الجند المصري وحصروه بالجبل، فبات به، ثم انحدر منه صبح يوم الجمعة ثاني قتل أخيه متوجها إلى حصن ذمرمر ليتحصن به، فأدركه الجند المصريون في الطريق يمشي وقد زحف وعجز عن المسير، فلم يعرفوه، وقتلوه، ثم تحققوا أنه السلطان، فأخذوا رأسه ورأس أخيه، فتقدموا بالرأسين وبابنه أبي بكر وابن أخيه الشيخ عامر بن عبد الملك أسيرين، وأرسلوا بالرأسين إلى صنعاء صحبة الشهاب الجبرتي ليخبر الأمير البعداني أمير صنعاء بذلك، فلما تحقق الأمير البعداني
ذلك .. بكى، وسأل الذمة ليسلم إليهم البلد، فأعطوه ذمة، وفتح لهم البلد، فلما دخلوها واستقروا بها .. مالوا على أهل المدينة، فقتلوا منهم جمعا كثيرا ينيفون على الخمس مائة أكثرهم من آل عمار الذين قتلوا برسباي ببلدهم، وتم لهم الدست، فأقاموا بصنعاء نحو شهرين، وأخذوا منها أموالا جليلة من النهب ومصادرة التجار وغير ذلك، واستصفوا أموال الأمير علي بن محمد البعداني وكانت أموالا عظيمة، ولما عزموا على التوجه من صنعاء ..
خنقوا الأمير علي بن محمد البعداني، وتركوا منهم جماعة بصنعاء، وساروا إلى زبيد على طريق يخار (1)، فلقيتهم جملة جموع بني حبيش ومن والاهم إلى الطريق، فكانت بينهم هنالك وقعة عظيمة نصر فيها بنو حبيش عليهم، فنهبوا الأموال، وقتلوا الأبطال، واستنقذوا الشيخ عامر بن عبد الملك بن عبد الوهاب منهم، وأخذوا عليهم جميع ما أخذوه من المقرانة وصنعاء، وكان وقر ثمانية آلاف جمل من الذخائر والجواهر والذهب والفضة والمصاغ والقماش والنفائس والعدد وغير ذلك، وانهزموا في كل جهة، وتفرقوا شذر مذر، ودخل الأمير الإسكندر والشريف عزّ الدين إلى زبيد ليلا ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة منهزمين مسلوبين ومعهم ولد السلطان أبو بكر بن عامر بن عبد الوهاب أسيرا، وقد كانوا أسروه وأسروا ابن عمه الشيخ عامر بن عبد الملك بن عبد الوهاب بعد قتل أبويهما كما تقدم تحت صنعاء (2) تغمدهما الله برحمته الواسعة، وغفر لهما مغفرة لخير الدارين جامعة، وقابلهما برضوانه، وأحلهما أعلى رتبة في جنانه:[من الطويل]
أخلائي ضاع الدين من بعد عامر
…
وبعد أخيه أعدل الناس في الناس
فمذ فقدا والله والله إننا
…
من الأمن والسلوان في غاية الياس (3)
هذا آخر ما شوهد مما لخصه الفقيه العلامة المحدث وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر الديبع الشيباني المحدث بزبيد فسح الله في مدته.
وفي هذه السنة: وصل الفرنج من الهند إلى بندر عدن في ثلاثين خشبة ما بين برشة وغراب مظهرين السّعدة لأهل عدن على المصريين، ولم يغيروا شيئا في البندر ولا غيره، ونزل منهم جماعة إلى الساحل، وواجههم الأمير مرجان بالساحل، وقدم لهم الضيافة العظيمة إلى مراكبهم، وطلبوا ربابين تسير بهم إلى جدة، فدفع إليهم الأمير جماعة ربابين
(1) كذا في الأصول، وفي «الفضل المزيد» (ص 371):(على طريق نقيل يخار).
(2)
انظر (6/ 583).
(3)
«الفضل المزيد» (ص 369)، و «تاريخ الشحر» (ص 124)، و «اللطائف السنية» (ص 205).
من أهل الشام بالكره من الربابين لذلك بعد أن أخيفوا وتجوّروا، فلم يعذرهم الأمير في ذلك؛ كفاية لشر الفرنج، فمكثوا في البندر أياما، ثم ساروا إلى جدة، فأرسوا ببندرها وبها الأمير سلمان في جمع من الترك وغيرهم، وكانوا قد علموا بمسيرهم إلى جدة، فاستعدوا لقتالهم، فلم ينزل أحد من الفرنج إلى ساحل جدة، بل قصدهم الأمير سلمان إلى البندر في غراب أو غرابين، فلما قرب منهم .. رماهم بالمدافع، فأتلف عليهم من مراكبهم مركبين أو ثلاثة، ثم إن المدافعي طرح في الباروت شيئا حتى تغير المدفع وأحرقت النار بعض الغراب الذي فيه سلمان، ويقال: إن المدافعي كان نصرانيا يخدم مع الأمير سلمان، فأحصن على أهل دينه بذلك، فقتل الأمير سلمان المدافعي في الحال، ورجع إلى ساحل جدة بما بقي من الغراب سالما، واستمر الفرنج راجعين عن بندر جدة إلى العين، فتبعهم الأمير سلمان أو بعض أصحابه في غراب إلى قرب اللّحيّة، فاستنقذوا من الفرنج غرابا به جماعة من الفرنج، فعزموا بهم إلى جدة، ثم تقدموا بهم إلى السلطان صاحب الروم، فوصل الفرنج إلى بندر عدن، وأقاموا فيه أياما، وأعطاهم ما يحتاجون إليه من الماء وغيره، واستنقذ منهم بعض الأسارى، ثم رجعوا إلى هرموز، وخيبهم الله وخذلهم (1).
وفي هذه السنة: كتب الأمير مرجان على لسان السلطان عامر بن عبد الوهاب موهما أن عاده في الحياة (2) إلى السلطان سليم شاه كتابا إنشاء الأديب الفقيه محمد بن عمر بحرق يتضمن الشكوى من حسين وسلمان وجندهما وما تعلق باليمن من الفساد من سفك الدماء ونهب الأموال وغير ذلك، ويتضمن أيضا الاعتذار من فعله مع الفرنج من المسالمة ودفع الربابين إليهم، وأخذ عليه خطوط جماعة من أعيان البلد من الفقهاء والتجار وغيرهم، وأرسل بذلك صحبة قاصدين وهما: الشيخ [ .... ](3) الشاذلي و [ .... ](4) الفائشي، وكتب صحبتهما كتابا إلى صاحب الحجاز الشريف بركات بن محمد، وجعل نظرهما إليه بوجههما كيفما ترجح له برا وبحرا، وأرسل معهما بهدية عظيمة إلى السلطان، وبهدية أيضا إلى الشريف بركات، فتوجّها إلى الحجاز طريق البحر وحجا، ثم عزما على نظر الشريف إلى مصر، ثم منها إلى الروم، فأوصلا الكتاب إلى السلطان، وقبل الهدية، وأكرمهما،
(1)«تاريخ الشحر» (ص 133).
(2)
كذا في الأصول، والمعنى: أنه لا يزال على قيد الحياة (لهجة يمنية).
(3)
بياض في الأصول.
(4)
بياض في الأصول.
وأثاب على الهدية، وأجزل صلتهما، ومات الفائشي بالروم، ووصل الشاذلي بثواب الهدية إلى سواكن، وركب في البحر إلى اليمن، فخرج عليه جماعة من دهلك، فأخذوا جميع ما معه من الهدية وغيرها، ويقال: كان ذلك منهم بتهوين من الترك الذين بزبيد.
وأما الشيخ عبد الملك .. فقد قدمنا: أنه عيّد عيد النحر من سنة اثنتين وعشرين بلحج، وهنأه الفقيه الأديب محمد بن عمر بحرق بالعيد بقصيدة معظمة (1).
وفي آخر المحرم: خرج إلى عرب كانوا يقطعون الطريق إلى عدن، فتحصنوا منه في الجبال ولم يظفر بهم، فرجع إلى لحج، فدخلها ثامن أو تاسع صفر.
ويوم دخوله: بلغه خبر تعز وأن الترك استولوا عليها، فأقام بلحج أياما قلائل بلغه فيها أن الترك استولوا على المقرانة وما فيها، فترك الخلي في جملة من أهل الجبل بلحج، ويقال: إنه أرسل للبدو الهياثم وغيرهم أن يصلوا إلى لحج وليحفظوها من الترك، وتوجه طالبا أخاه السلطان، وسلك جبل جحاف، فأودع ما كان معه من سلاح وغيره ببعض ربطها، واجتمع بأخيه قرب الخلقة، وخرج معه إلى صنعاء، وقتل تحتها كما تقدم (2).
ولما عزم الشيخ عبد الملك من لحج .. قدمها البدو في جمع عظيم مقدّمهم مجرب بن حيدرة بن مسعود، فلما صاروا في معالي الوادي .. أرسلوا إلى الدولة الذين بالرعارع أنا ما وصلنا إلا بإشارة من الشيخ عبد الملك، فقدكم (3) تهيئون لنا الغداء، ولما علم الخلي بوصولهم .. دخل بما معه من الخيل والعسكر إلى عدن وأخلى الرعارع، فدخلها البدو، فنهبوها نهبا قبيحا، وهتكوا أحوال الناس، وسبوا النساء والأطفال، وفعلوا الفعائل القبيحة، ونهبوا بنا أبّة العليا والسفلى وسائر قرى لحج، وقصدوا نحو حوطة سفيان وكان غالب الناس قد نقلوا ما يعز عليهم إليها، فأخذوا منها أموالا جزيلة؛ من طعام ومصاغ وغير ذلك، وقصدوا حوطة الشيخ بلحفار فخرج إليهم المشارقة، فدافعوهم منها، ثم إن الشيخ عبد الجبار بن أحمد بلحفار صالحهم من نهبها على مال بذله لهم من نفسه ومن أهل الحوطة، ثم سعى بينهم وبين الأمير بالصلح على أن يعطيهم الأمير مالا جزيلا، ويؤمنوا الناس بالوادي، ففعل ذلك الأمير، فكفوا أيديهم عن النهب، واقتسموا قرى لحج، فأقام مجرب شيخ الهيا ثم ببنا أبّة العليا، وأقام أحمد بن نسر شيخ آل أيوب بالرعارع هو ومن معه،
(1) انظر (6/ 580).
(2)
انظر (6/ 583).
(3)
المعنى: فقد تهيئون. (لهجة يمنية).
وأقام عمر بن شوايا كبير الطوالق بالحمراء هو ومن معه من الطوالق، فكفوا عن النهب، ولكن كانت أيديهم باسطة يأخذون ما شاءوا، وما أهل لحج معهم إلا بمنزلة أهل الذمة في الذلة والهوان، وخربت لحج، وانتقل غالب أهلها إلى حوطة الشيخ بلحفار، وقليل منهم إلى الوهط، واحترموا الوهط للشريف عمر بن علي باعلوي، وانقطعت الطرق، وغلا الطعام بعدن، وكان الشيخ عبد السلام بن معوضة الحمادي أميرا بعدن من قبل السلطان عامر بن عبد الوهاب، لكن الأمر والنهي والحل والربط بعدن للأمير مرجان، وكان الشيخ عبد السلام مؤازرا للأمير في هذه الفتن في مدافعة الفرنج والمصريين، وله في ذلك تأثير عظيم، فلما احتوى الترك على تعز .. خاف الشيخ عبد السلام على بلده أن يستولي عليها أعداؤه من العرب أو توصّل الترك إليها، فطلب من الأمير الخروج إلى بلده، فلم يساعده، ويقال: إنه كان معه الفسح من الشيخ عبد الملك، فلما رأى تفاقم الأمر واتساعه وعدم مساعدة الأمير له على الفسح .. استمال جماعة من مرتبي الحصون ونقباء الجبل الذين بعدن، واستعدوا للخروج سرا، ومدافعة من دافعهم عن ذلك، فخرج الشيخ عبد السلام وأهله ومن معه من أهل بلده ليلة الجمعة [ .... ](1) من درب حوشب، وتبعه جماعة من أهل اليمن، فسلك الشيخ عبد السلام إلى سيلة العقارب، وسلك غيره من أهل اليمن طريق الرعارع وبنا أبّة، فمن سلك طريق الرعارع وبنا أبّة .. سلم، وتوجه إلى بلده، وأما الشيخ عبد السلام وأصحابه .. فإن الأمير أرسل إلى شيخ العقارب بالسيلة صلاح العقربي يخبره بما اتفق من الشيخ عبد السلام، ويحرض عليه ألا يفوته، وأنه إن ظفر به .. فليرده إلى عدن طوعا كان أو كرها، وأنه ما ظفر به معه من نقد وغيره .. فهو له، وما قصدنا إلا ردّه إلى عدن برأسه، وأرسل به مع مكتّب، فوصل إليها وقد قدم الشيخ عبد السلام رحله من السيلة إلى جهة بلده، فتبعه صلاح في العقارب، وسألوه الرجوع طوعا فأبى، فلما رأى الجدّ منهم .. ناوشهم القتال، فقاتلوه وظفروا به، واستولوا على جميع ما معه، وردوه إلى السيلة هو ومن معه من إخوانه، وبقية عسكره تفرقوا عنه، ودخلوا به إلى عدن من طريق البحر-فيما أظن-على حالة غير صالحة، فلام الناس الأمير على ذلك، ثم رسم عليه في الدار.
***
(1) بياض في الأصول.