الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك "1.
الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان.
1 البخاري (6488) في الرقاق: باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو عند أحمد في " المسند" 1 / 387 و 413 و 442. قال ابن بطال: فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة ، وأن المعصية مقربة إلى النار ، وأن الطاعة والمعصية فد تكون في أيسر الأشياء. وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة ، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية. (الفتح 11/ 321) .
11 -
باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
وقوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} 1 الآية.
..........................................................................................
قوله: "باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ".
أشار - رحمه الله تعالى - إلى ما كان الناس يفعلونه في نجد وغيرها قبل دعوتهم إلى التوحيد من ذبحهم للجن لطلب الشفاء منهم لمرضاهم، ويتخذون للذبح لهم مكانا مخصوصا في دورهم، فنفى الله سبحانه الشرك بهذه الدعوة الإسلامية، فلله الحمد على زوال الشرك والبدع والفساد بطلعة الداعي إلى توحيد رب العالمين.
قوله: "وقول الله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} الآية" أي مسجد الضرار المذكور في قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} 2 وهو مسجد قباء، فقد أسس على التقوى من أول يوم قدم فيه صلي الله عليه وسلم المدينة مهاجرا، وكان أهل مسجد الضرار قد بنوه قبل خروج النبي صلي الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، فأتوه فسألوه أن يصلي فيه وذكروا له أنهم بنوه للضعفاء
1 سورة التوبة آية: 108.
2 سورة التوبة آية: 107.
عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: " نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا. قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا. فقال
.........................................................................................
وأهل العلة في الليلة الشاتية فقال: "إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله"، فلما قفل عليه السلام راجعا إلى المدينة ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعضه نزل الوحي بخبر المسجد، فبعث إليه وهدمه قبل قدومه إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه، وأنزل الله فيه هذه الآيات. ووجه مطابقة الآية للترجمة أن هذا المسجد لما أسس على معصية الله والكفر به صار محل غضب، فنهى الله نبيه صلي الله عليه وسلم أن يقوم فيه لوجود العلة المانعة، وخرج مخرج الخصوص والنهي عام، وما كان مثله من الأمكنة فإنه يعطى حكمه؛ لأن المعصية صيرته محلا خبيثا وأثرت فيه بالنهي عن العبادة فيه، ويقابل ذلك المساجد وهي أشرف بقاع الأرض، قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ} 1 الآية. فما أحسن هذا القياس، ويأتي تقريره في الحديث في الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: "عن ثابت بن الضحاك " أي ابن خليفة الأشهلي صحابي مشهور روى عنه أبو قلابة وغيره مات سنة أربع وستين. قوله: "ببوانة " بضم الباء وقيل بفتحها. قال البغوي: موضع في أسفل مكة دون يلملم. قال أبو السعادات: هضبة من وراء ينبع. قوله: " فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " فيه المنع من الوفاء بالنذر إذا كان في المكان وثن ولو بعد زواله قاله المصنف - رحمه الله تعالى - وهو شاهد الترجمة. قوله: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قال شيخ الإسلام: "العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر ونحوه، والمراد به هنا الاجتماع المعتاد من اجتماع أهل الجاهلية، فالعيد يجمع أمورا: "منها " يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة. ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا، في الزمان كقول النبي صلي الله عليه وسلم في يوم الجمعة: " إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا "2، وللاجتماع والأعمال كقول
1 سورة النور آية: 36.
2 أحمد في " المسند " 2 / 303 و 532 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ومالك في " الموطأ" 1/65 في الطهارة: باب ما جاء في السواك عن ابن السباق مرسلا ، وقد وصله ابن ماجه رقم (1098) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو حديث حسن.
رسول الله صلي الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما يملك ابن آدم "1 رواه أبو داود، وإسناده على شرطهما-
...............................................................................................
ابن عباس:رضي الله عنه شهدت العيد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم2 والمكان كقول النبي صلي الله عليه وسلم " لا تتخذوا قبري عيدا "3، وقد يكون لفظ العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب كقول النبي صلي الله عليه وسلم " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا "4" انتهى.
وقد أحدث هؤلاء المشركون أعيادا عند القبور التي تعبد من دون الله ويسمونها عيدا، كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لما يوجد فيها من الشرك والمعاصي العظيمة، قال المصنف - رحمه الله تعالى -: وفيه استفصال المفتي والمنع من الوفاء بالنذر بمكان عيد الجاهلية ولو بعد زواله.
"قلت" وفيه المنع من اتخاذ آثار المشركين محلا للعبادة؛ لكونها صارت محلا لما حرم الله من الشرك والمعاصي، والحديث وإن كان في النذر فيشمل كل ما كان عبادة لله،
1 أبو داود رقم (3313) في الأيمان والنذور: باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر ، وإسناده صحيح ، كما قال الألباني في " صحيح الجامع" رقم (2548) . انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا الموضوع في كتابه القيم الجليل "اقتضاء الصراط المستقيم " ص طبعة دار البيان بدمشق. "بوانة" هي هضبة من وراء ينبع قريبة من ساحل البحر ، وقيل: إنها بفتح الباء. قال الخطابي: "في الحديث دليل على أن من نذر طعاما أو ذبحا بمكة أو في غيره من البلدان لم يجز أن يجعله لفقراء غير أهل هذا المكان ، وهذا على مذهب الشافعي وأجازه غيره لغير أهل ذلك المكان".
2 البخاري رقم (98) في العلم: باب عظة الإمام النساء وتعليمهن ، وفي أبواب وكتب أخرى ، والنسائي 3 / 192 في صلاة العيد: باب موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة ، وأبو داود رقم (1146) في الصلاة: باب ترك الأذان في العيد ، وأحمد 1/ 242.
3 وهو حديث صحيح انظر "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " لاسماعيل القاضي رقم (20) و (30) .
4 البخاري رقم (949) في العيدين: باب الحراب والدرق يوم العيد ، ورقم (952) باب سنة العيدين لأهل الاسلام، وفي أبواب وكتب أخرى ، ومسلم رقم (892) فيه: باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه ، والنسائي 3 / 195- 197 فيه: باب اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير قوله: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} 1
الثانية: أن المعصية قد تؤثر في الأرض، وكذلك الطاعة.
الثالثة: رد المسلة المشكلة إلى المسألة البينة ليزول الإشكال.
الرابعة: استفصال المفتي إذا احتاج إلى ذلك.
الخامسة: أن تخصيص البقعة بالنذر لا بأس به إذا خلا من الموانع.
السادسة: المنع منه إذا كان فيه وثن من أوثان الجاهلية ولو بعد زواله.
السابعة: المنع منه إذا كان فيه عيد من أعيادهم ولو بعد زواله.
الثامنة: أنه لا يجوز الوفاء بما نذر في تلك البقعة؛ لأنه نذر معصية.
التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده.
فلا تفعل في هذه الأماكن الخبيثة التي اتخذت محلا لما يسخط الله تعالى، فبهذا الحديث شاهد للترجمة، والمصنف - رحمه الله تعالى - لم يرد التخصيص بالذبح، وإنما ذكر الذبح كالمثال، وقد استشكل جعل محل اللات بالطائف مسجدا، والجواب- والله أعلم- أنه لو ترك هذا المحل في هذه البلدة لكان يخشى أن تفتتن به قلوب الجهال فيرجع إلى جعله وثنا كما كان يفعل فيه أولا، فجعله مسجدا والحالة هذه ينسى ما كان يفعل فيه، ويذهب به أثر الشرك بالكلية، فاختصر هذا المحل لهذه العلة وهي قوة المعارض والله أعلم.
قوله: "فأوف بنذرك " وذلك لعدم المانع. قوله: " فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله "فالحديث دل على أن اتخاذ أماكن الشرك والمعاصي لا يجوز أن يعبد الله فيها، ونذر ذلك معصية لا يجوز الوفاء به. قوله:"ولا فيما لا يملك ابن آدم". قال في شرح المصابيح: يعني إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه، بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان ونحو ذلك، فأما إذا التزم في الذمة بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق رقبة، وهو في تلك الحال لا يملكها ولا قيمتها، فإذا شفى الله مريضه ثبت ذلك في ذمته. قوله:"رواه أبو داود وإسناده على شرطهما " أي البخاري ومسلم. وأبو داود اسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني صاحب الإمام أحمد بن حنبل، ومصنف السنن والمراسيل وغيرها، ثقة إمام حافظ من كبار العلماء، مات سنة خمس وسبعين ومائتين - رحمه الله تعالى -.
1 سورة التوبة آية: 108.