الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: صفة الشفاعة المنفية.
الثالثة: صفة الشفاعة المثبتة.
الرابعة: ذكر الشفاعة الكبرى، وهي المقام المحمود.
الخامسة: صفة ما يفعله صلي الله عليه وسلم، وأنه لا يبدأ بالشفاعة أولا، بل يسجد، فإذا أذن الله له شفع.
السادسة: من أسعد الناس بها؟.
السابعة: أنها لا تكون لمن أشرك بالله.
الثامنة: بيان حقيقتها.
18-
باب " في أن الأعمال بالخواتيم، ومضرة تعظيم الأسلاف والأكابر
"
قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} 1 الآية. وفي " الصحيح " عن ابن المسيب عن أبيه قال: " " لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه
..................................................................................................
قوله: باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} . قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: يقول تعالى لرسوله صلي الله عليه وسلم وإنك يا محمد لا تهدي من أحببت، أي ليس إليك ذلك إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، كما قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 2، وقال:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 3. قلت: والمنفي ها هنا هداية التوفيق والقبول، فإن أمر ذلك إلى الله وحده وهو القادر عليه. وأما الهداية المذكورة في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4. فإنها هداية الدلالة والبيان، فهو المبين عن الله والدال على دينه وشرعه.
قوله: وفي الصحيح عن ابن المسيب أي في الصحيحين، وابن المسيب هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائن بن عمران بن مخزوم القرشي
1 سورة القصص آية: 56.
2 سورة البقرة آية: 272.
3 سورة يوسف آية: 103.
4 سورة الشورى آية: 52.
رسول الله صلي الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له:" يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقالا له: أترغب عن ملة عبد
..................................................................................................
المخزومي، أحد العلماء والفقهاء الكبار السبعة من التابعين، اتفق أهل الحديث أن مراسيله أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات في التسعين وقد ناهز الثمانين، وأبوه المسيب صحابي بقي إلى خلافة عثمان رضي الله عنه وكذلك جده حزن صحابي استشهد باليمامة.
قوله: "لما حضرت أبا طالب الوفاة" أي علاماتها ومقدماتها.
قوله: "جاءه رسول الله صلي الله عليه وسلم" يحتمل أن يكون المسيب حضر مع الاثنين، فإنهما من بني مخزوم وهو أيضا مخزومي، وكان الثلاثة إذ ذاك كفارا، فقتل أبو جهل على كفره وأسلم الآخران.
قوله: "يا عم قل لا إله إلا الله" أمره بقولها لعلم أبي طالب بأنها دلت على نفي الشرك بالله، وإخلاص العبادة له وحده، فإن من قالها عن علم ويقين وقبول، فقد أنكر الشرك وتبرأ منه، وكذلك الحاضرون يعلمون بما دلت عليه من نفي الشرك والبراءة منه، ولهذا عارضوا قول النبي صلي الله عليه وسلم بقولهم: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ لأن ملة عبد المطلب الشرك بعبادة الأوثان، كما كانت قريش وغيرهم في جاهليتهم كذلك.
قوله: "كلمة " قال القرطبي بالنصب على أنه بدل من لا إله إلا الله، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. قوله:"أحاج لك بها عند الله" لأنه لو قالها في تلك الحال لقبلت منه ودخل بها في الإسلام.
قوله: "فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " ذكراه الحجة الملعونة التي يحتح بها المشركون على المرسلين، كقول فرعون لموسى:{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} 1، وكقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 2.
قوله: "فأعاد عليه النبي صلي الله عليه وسلم فأعادا" فيه مضرة أصحاب السوء والحذر من قربهم والاستماع لهم، ففيه معنى قول الناظم:
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم
…
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
قوله: "فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله".
1 سورة طه آية: 51.
2 سورة الزخرف آية: 23.
المطلب؟! فأعاد عليه النبي صلي الله عليه وسلم فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 1 الآية. وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 2 3.
..................................................................................................
قال الحافظ: "هو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب"، قال المصنف - رحمه الله تعالى -:"وفيه الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه".
قوله: فقال النبي صلي الله عليه وسلم: " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك "اللام لام القسم. قال النووي: "فيه جواز الحلف من غير استحلاف". قال ابن فارس: "مات أبو طالب ولرسول الله صلي الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثمانية أيام".
قوله: فأنزل الله: عز وجل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 4، والظاهر أن هذه الآية نزلت في أبي طالب، فإن الإتيان بالفاء المفيدة للترتيب في قوله"فأنزل الله" بعد قوله "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" يفيد ذلك، وقد ذكر العلماء لسبب نزول هذه الآية أسبابا أخر فلا منافاة، الآية الواحدة قد يتعدد نزولها، وفيه تحريم الاستغفار للمشركين وموالاتهم ومحبتهم.
1 سورة التوبة آية: 113.
2 سورة القصص آية: 56.
3 البخاري رقم (1360) في الجنائز: باب إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله ، ورقم (3884) في مناقب الأنصار: باب قصة أبي طالب ، ورقم (4675) في تفسير سورة براءة: باب قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ، ورقم (4772) في تفسير سورة القصص ورقم (6681) في الأيمان والنذور: باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ
…
إلخ ومسلم رقم (24) في الإيمان: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع
…
إلخ ، والنسائي 4/ 90- 91 في الجنائز: باب النهي عن الاستغفار للمشركين ، وأحمد في " المسند" 5 / 168 و 433 ، من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه. قوله: " لما حضرت أبا طالب الوفاة. المراد قربت وفاته وحضرت دلائلها ، وذلك قبل المعاينة والنزع ، ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان.
4 سورة التوبة آية: 113.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير قوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 1.
الثانية: تفسير قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 2 الآية.
الثالثة:- وهي المسألة الكبرى تفسير قوله صلي الله عليه وسلم: " قل: لا إله إلا الله " بخلاف ما عليه من يدعي العلم. الرابعة: أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلي الله عليه وسلم إذا قال للرجل: " قل لا إله إلا الله " فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام.
الخامسة: جده صلي الله عليه وسلم ومبالغته في إسلام عمه.
السادسة: الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه.
السابعة: كونه صلي الله عليه وسلم استغفر له فلم يغفر له، بل نهي عن ذلك.
الثامنة: مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
التاسعة: مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر.
العاشرة: الشبهة للمبطلين في ذلك، لاستدلال أبي جهل بذلك.
الحادية عشرة: الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم؛ لأنه لو قالها لنفعته.
الثانية عشرة: التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين؛ لأن في القصة أنهم لم يجادلوه إلا بها، مع مبالغته صلي الله عليه وسلم وتكريره، فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم، اقتصروا عليها.
1 سورة القصص آية: 56.
2 سورة التوبة آية: 113.