الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الرقى والتمائم.
الثانية: تفسير التولة.
الثالثة: أن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء.
الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمى ليس من ذلك.
الخامسة: أن التميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء: هل هي من ذلك أم لا؟.
السادسة: أن تعليق الأوتار على الدواب عن العين من ذلك.
السابعة: الوعيد الشديد على من تعلق وترا.
الثامنة: فضل ثواب من قطع تميمة من إنسان.
التاسعة: أن كلام إبراهيم" النخعي "لا يخالف ما تقدم من الاختلاف، لأن مراده أصحاب عبد الله بن مسعود.
9-
باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما
وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} 1 الآيات.
..................................................................................................
أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته. قال الحافظ: التولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر والله أعلم.
قوله: "باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما " كبقعة وقبر ومشهد ونحو ذلك، ومن اسم شرط والجواب محذوف تقديره فقد أشرك بالله.
قوله: وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} الآيات.
هذه الأوثان الثلاثة هي أعظم أوثان أهل الجاهلية من أهل الحجاز، فاللات لأهل الطائف ومن حولهم من العرب، والعزى لقريش وبني كنانة، ومناة لبني هلال، وقال ابن هشام:
1 سورة النجم آية: 19-22.
عن أبي واقد الليثي قال: " خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى حنين ونحن
..................................................................................................
كانت لهذيل وخزاعة. واللات بتخفيف التاء في قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح ورويس عن يعقوب بتشديد التاء، فعلى الأولى قال الأعمش: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز، وقال ابن كثير: اللات كانت صخرة بيضاء منقوشة، عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف وهم ثقيف ومن تبعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. قاله ابن هشام1. وعلى الثانية قال ابن عباس: كان رجلا يلت السويق للحاج فمات فعكفوا على قبره، ذكره البخاري2.
"قلت ": ولا منافاة بين ما ذكره البخاري وغيره من عبادتهم الصخرة التي كان يلت السويق عليها باسمه وعبادة قبره لما مات، وأما العزى فقال ابن جرير: كانت صخرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا العزى ولا عزى لكم. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم "3. ومناسبة هذه الآية للترجمة أن عبادة المشركين للعزى، إنما كان بالتفات القلوب رغبة إليها في حصول ما يرجونه ببركتها من نفع أو دفع ضر، فصارت أوثانا تعبد من دون الله، وذلك من شدة ضلال أهل الشرك وفساد عقولهم كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 4، فصار عبادة القبور وعبادة الشجر والحجر هو شرك المشركين، وقد جرى ذلك وما هو أعظم منه في أواخر هذه الأمة.
قوله: "عن أبي واقد " هو صحابي مشهور مات سنة ثمان وستين، وله خمس وثمانون سنة قوله:"خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم " يشير إلى أهل مكة ممن إسلامه قريب إذ ذاك.
1 الذي في " تفسير القرطبي " قال هشام - يعني ابن الكلبي المؤرخ -: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار - أي اللات.
2 البخاري رقم (4859) في تفسير سورة النجم: باب قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى) دون قوله: فلما مات عكفوا على قبره.
3 البخاري رقم (3039) في الجهاد: باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب ، ورقم (3986) و (4043) و (4067) و (4561) ، وأحمد في " المسند " 4 / 293 من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما.
4 سورة يونس آية: 18.
حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط. فمررنا بسدرة، قلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " الله أكبر! إنها السنن،
..................................................................................................
قوله: "إلى حنين " هو اسم واد بشرقي مكة معروف قاتل فيه صلي الله عليه وسلم هوازن كما قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} 1. والوقعة مشهورة عند أهل المغازي والسير وغيرهم، وما جرى فيها من النصر وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم كما في الآية الكريمة: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} 2.
قوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر، يشير إلى أهل مكة الذين أسلموا قريبا، فلذلك خفي عليهم هذا الشرك المذكور في الحديث بخلاف من تقدم إسلامه.
قوله: "وللمشركين سدرة يعكفون عندها " عبادة لها وتعظيما وتبركا لما كانوا يعتقدونه فيها من البركة. قوله: "يقال لها ذات أنواط " هو برفع التاء كما لا يخفى. قوله: "ينوطون بها أسلحتهم" أي يعلقونها.
قوله: " فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم "3 أي للمشركين "ذات أنواط " ظنوا أن النبي صلي الله عليه وسلم لو جعل لهم ذلك لجاز اتخاذها لحصول البركة لمن اعتقدها فيها. وأنواط جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط. قوله: "فقال النبي صلي الله عليه وسلم الله أكبر " تعظيما لله تعالى عن أن يجعل له شريك في عبادته التي هي حقه على عباده كما قال تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4 وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} 5 وهو الإخلاص، والشرك ينافي ذلك، وتقدم معنى الحنيف وتضمنت هاتان الآيتان وما في معناهما التوحيد الذي دلت عليه "لا إله إلا الله " نفيا وإثباتا كما تقدم بيانه، فمن التفت قلبه إلى غير الله لطلب نفع أو دفع ضر فقد أشرك، والقرآن كله في تقدير هذا الأصل العظيم الذي هو أصل دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه.
قوله: "السنن " بضم السين أي الطرق يشير إلى الطرق التي تخالف دينه الذي شرعه تعالى لعباده.
1 سورة التوبة آية: 25.
2 سورة التوبة آية: 26.
3 الترمذي: الفتن (2180) ، وأحمد (5/218) .
4 سورة يونس آية: 105.
5 سورة الروم آية: 43.
قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ لتركبن سنن من كان قبلكم " رواه الترمذي وصححه1.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النجم.
الثانية: معرفة صورة الأمر الذي طلبوا.
الثالثة: كونهم لم يفعلوا.
الرابعة: كونهم قصدوا التقرب إلى الله بذلك لظنهم أنه يحبه.
الخامسة: أنهم إذا جهلوا هذا فغيرهم أولى بالجهل.
السادسة: أن لهم من الحسنات والوعد بالمغفرة ما ليس لغيرهم.
.................................................................................................
قوله: "قلتم- والذي نفسي بيده- " حلف على ذلك تأكيدا لهذا الخبر وتعظيما له "كما قالت بنو إسرائيل لموسى": {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 2 وإن لم يسموها آلهة، أخبر أن التبرك بالأشجار يجعلها آلهة وإن لم يسموها آلهة؛ ولذلك شبه قولهم هذا بقول بني إسرائيل لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 3، فظهر بهذا الحديث أن التعلق على الأشجار والأحجار وغيرها لطلب البركة بها شرك في العبادة كشرك عباد الأصنام.
قوله: "لتركبن سنن من كان قبلكم " أي اليهود والنصارى، وقد وقع كما أخبر به صلي الله عليه وسلم في هذه الأمة فركبوا طريق من كان قبلهم ممن ذكرنا كما هو في الأحاديث الصحيحة كحديث:" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ " 4 وهو في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي رواية:" ومن الناس إلا أولئك؟ "5.
1 رواه الترمذي رقم (2181) في الفتن: باب ما جاء " لتركبن سنن من كان قبلكم "، وقال الترمدي: حديث حسن صحيح ، وهو كما قال ، ورواه أيضا أحمد في " المسند218/5 ، وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة.
2 سورة الأعراف آية: 138.
3 سورة الأعراف آية: 138.
4 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456)، ومسلم: العلم (2669) ، وأحمد (3/84 ،3/89 ،3/94) .
5 سيأتي تخريجه ص (123) .
السابعة: أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعذرهم، بل رد عليهم بقوله:" الله أكبر إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم "فغلظ الأمر بهذه الثلاث.
الثامنة: الأمر الكبير وهو المقصود: أنه أخبر أن طلبتهم كطلبة بني إسرائيل لما قالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} 1.
التاسعة: أنه نفي هذا من معنى " لا إله إلا الله" مع دقته وخفائه على أولئك.
العاشرة: أن حلف على الفتيا، وهو لا يحلف إلا لمصلحة.
الحادية عشرة: أن الشرك فيه أكبر وأصغر; لأنهم لم يرتدوا بهذا.
الثانية عشرة: قولهم: ونحن حدثاء عهد بكفر، فيه أن غيرهم لا يجهل ذلك.
الثالثة عشرة: ذكر التكبير عند التعجب، خلافا لمن كرهه.
الرابعة عشرة: سد الذرائع.
الخامسة عشرة: النهي عن التشبه بأهل الجاهلية.
السادسة عشرة: الغضب عند التعليم.
السابعة عشرة: القاعدة الكلية لقوله: " إنها السنن ".
الثامنة عشرة: أن هذا علم من أعلام النبوة؛ لكونه وقع كما أخبر.
التاسعة عشرة: أن كل ما ذم الله به اليهود والنصارى في القرآن أنه لنا.
العشرون: أنه مقرر عندهم أن العبادات مبناها على الأمر، فصار فيه التنبيه على مسائل القبر. أما " من ربك؟ " فواضح، وأما " من نبيك؟ " فمن إخباره بأنباء الغيب، وأما " ما دينك؟ " فمن قولهم:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} 2 إلخ.
الحادية والعشرون: أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين.
الثانية والعشرون: أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لقولهم: ونحن حدثاء عهد بكفر.
1 سورة الأعراف آية: 138.
2 سورة الأعراف آية: 138.