الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24-
باب ما جاء في السحر
وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1 وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 2.
قال عمر: "الجبت ": السحر، "والطاغوت ": الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
..........................................................................................
قوله: "باب ما جاء في السحر " أي والكهانة - السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه، ولهذا جاء في الحديث:" إن من البيان لسحرا "3، وهذا من التشبيه البليغ شبهه بالسحر لكونه بالبيان يحصل منه ما يحصل من السحر قال أبو محمد المقدسي في الكافي: السحر عزائم ورقى، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، قال تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 4 وقال: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 5 يعني السواحر اللاتي ينفثن في سحرهن. ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه، واختلفوا هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف إلى أنه يكفر، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد، قال أصحابه: إلا أن يكون سحره بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر فلا يكفر.
ومما يدل على أنه كفر قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 6 وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 7 قال عمر: الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان. وتقدم كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في حد الطاغوت، وأن له أفرادا منها عبادة غير الله، فالمعبود طاغوت كما دلت عليه الآيات، ومنهم الكهان ومن يحكم بغير الحق أو يأمره بما يخالف الحق، أو يرضى به وغير ذلك.
قوله: "الطواغيت كهان" أراد أن الكهان من الطواغيت. قوله: "كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس خاصة، بل تنزل عليهم الشياطين ويخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقونه من السمع فيصدقون مرة، ويكذبون مائة.
1 سورة البقرة آية: 102.
2 سورة النساء آية: 51.
3 البخاري: النكاح (5146)، والترمذي: البر والصلة (2028)، وأبو داود: الأدب (5007) ، وأحمد (2/16 ،2/59 ،2/62 ،2/94)، ومالك: الجامع (1850) .
4 سورة البقرة آية: 102.
5 سورة الفلق آية: 4.
6 سورة البقرة آية: 102.
7 سورة النساء آية: 51.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "1.
..............................................................................................
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "كذا أورده المصنف رحمه الله تعالى إلى غير معزو، وقد رواه البخاري ومسلم.
اجتنبوا أي ابعدوا وهو أبلغ من قوله: دعوا أو اتركوا؛ لأن النهي عن القربان أبلغ كقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 2 قوله الموبقات بموحدة وقاف أي المهلكات، وسميت هذه موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب، وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد مرفوعا قال:"الكبائر تسع3 " وذكر السبعة المذكورة " والإلحاد في الحرم وعقوق الوالدين ".
قوله: "قال: الشرك بالله" هو أن يجعل لله ندا يدعوه أو يرجوه كما يرجو الله قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر
…
ذا القسم ليس بقابل الغفران
1 البخاري: الوصايا (2767)، ومسلم: الإيمان (89)، والنسائي: الوصايا (3671)، وأبو داود: الوصايا (2874) .
2 سورة الأنعام آية: 151.
3 أبو داود رقم (2875) في الوصايا: باب التشديد في أكل مال اليتيم ، والنسائي 6/ 257 في الوصايا: باب اجتناب أكل مال اليتيم ، والحاكم 1/ 59 و 4/ 259 ، والبيهقي 3 / 408 - 409 من طريق عبد الحميد بن سنان عن عبيد بن عمير عن أبيه أنه حدثه - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: " ألا إن أولياء الله المصلون من يقيم الصلوات الخمس التي كتبن عليه ، ويصوم رمضان يحتسب صومه ، يرى أنه عليه حق ، ويعطي زكاة ماله يحتسبها ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها ، ثم إن رجلا سأله فقال: يا رسول الله ما الكبائر ، فقال: هن تسع: إشراك بالله
…
" الحديث ، وهو حديث حسن كما قال الألباني في " الإرواء" رقم (690) .
وهو اتخاذ الند للرحمن أيا
…
كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه
…
وبحبه كمحبة الديان
وبدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 1 "والسحر" تقدم تعريفه.
قوله: "وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " أي نفس المسلم المعصوم وقتل المعاهد كما في الحديث " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة "2. وذهب ابن عباس وأبو هريرة إلى أنه لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا، وذهب جمهور الأمة سلفا وخلفا إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله، فإن تاب وأناب وعمل صالحا بدل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} إلى قوله {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} 3.
قوله: " وأكل الربا " أي تناوله بأي وجه كما قال تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 4 الآيات. قال ابن دقيق العيد: "وهو يجر لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك". قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 5 وفي الحديث " الربا نيف وسبعون حوبا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ".
قوله: "وأكل مال اليتيم " يعني التعدي فيه، وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} 6 قوله: "والتولي يوم الزحف " أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال كما قال
1 سورة لقمان آية: 13.
2 البخاري رقم (3166) في الجزية والموادعة: باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم ، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، وتتمته ".. وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما "، والنسائي: القسامة (4750)، وابن ماجه: الديات (2686) ، وأحمد (2/186) .
3 سورة الفرقان آية: 68 - 70.
4 سورة البقرة آية: 275.
5 سورة آل عمران آية: 130.
6 سورة النساء آية: 10.
وعن جندب مرفوعا: " حد الساحر ضربه بالسيف " 1 رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف.
وفي " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة قال: " كتب عمر بن
..............................................................................................
تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 2 قوله: " وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" وهو بفتح الصاد المحفوظات من الزنا، وبكسرها الحافظات فروجهن منه، والمراد الحرائر العفيفات قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} 3 الآية.
قوله: عن جندب رواه الطبراني في ترجمة جندب بن عبد الله البجلي قال الحافظ: "والصواب أنه غيره وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير: أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات، وقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول.. فذكره".
قوله: " حد الساحر ضربه بالسيف " روي بالهاء وبالتاء وكلاهما صحيح. وبهذا الحديث أخذ أحمد ومالك وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحر ما يبلغ الكفر به. قال ابن المنذر: وهو رواية عن أحمد والأول أولى للحديث والأثر عن عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.
قوله: وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: " كتب عمر أن اقتلوا كل ساحرة فقتلنا ثلاث سواحر "هذا الأثر رواه البخاري كما قال المصنف لكن لم يذكر قتل السواحر.
1 رواه الترمذي رقم (1460) في الحدود: باب ما جاء في حد الساحر ، والحاكم 4/ 360 في الحدود: باب حد الساحر وضربه بالسيف ، والدارقطني 3 / 114 ، والبيهقي 8/ 136. في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي أبو اسحاق وهو ضعيف الحديث.
2 سورة الأنفال آية: 16.
3 سورة النور آية: 23.
الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر "1
وصح عن " حفصة رضي الله عنها: أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها،
.................................................................................................................
قوله: عن بجالة بفتح الموحدة بعدها جيم ابن عبدة بفتحتين التميمي العنبري بصري ثقة.
قوله: " كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة "وظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو كذلك على المشهور عن أحمد، وبه قال مالك؛ لأن علم السحر لا يزول بالتوبة، وعن أحمد يستتاب فإن تاب قبلت توبته: وبه قال الشافعي؛ لأن ذنبه لا يزيد على الشرك والمشرك يستتاب وتقبل توبته، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
قوله: وصح عن " حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت "هذا الأثر رواه مالك في الموطأ، وحفصة هي أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة وماتت سنة خمس وأربعين.
وقوله: "وكذا صح عن جندب " أشار المصنف بهذا إلى قتل الساحر كما رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال: كان عند الوليد رجل يلعب فذبح إنسانا وأبان رأسه، فعجبنا فأعاد رأسه، فجاء جندب الأزدي فقتله. ورواه البيهقي في الدلائل مطولا وفيه: فأمر به الوليد فسجن فذكر القصة بتمامها ولها طرق كثيرة.
1 رواه البخاري مختصرا ، ولم يذكر قتل السحرة رقم (3156) في فرض الخمس: باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب ، ولفظه: عن بجالة بن عبدة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية الأحنف ، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ، وبنحوه رواه الترمذي رقم (1586) في أبواب السير: باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس ، ورواه باللفط الذي ذكره المصنف أحمد في "المسند" 1/ 190 و 191 ، ورواه بنحوه أبو عبيد القاسم بن سلام في " الأموال" صفحة (40)، وأبو داود رقم (3043) في الخراج والإمارة والفيء: باب في أخذ الجزية من المجوس ، وإسناده حسن.