الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 1 الآية.
..................................................................................................
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء ودفعه
أي لرفعه إذا نزل ودفعه قبل أن ينزل، يعني إذا كان هذا هو القصد فتعلق قلبه في دفع ضر مما قد نزل ومما لم ينزل، قد صرحت الأحاديث بأن هذا من الشرك بالله.
قوله: وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 2 قال مقاتل: فسألهم النبي صلي الله عليه وسلم فسكتوا لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها.
"قلت ": فإذا كانت آلهتهم التي يدعون من دون الله لا قدرة لها على كشف ضر أراده الله بعبده، أو تمسك رحمة أنزلها على عبده فيلزمهم بذلك أن يكون الله تعالى هو معبودهم وحده لزوما لا محيد لهم عنه. وذكر تعالى مثل هذا السؤال عن خليله إبراهيم لمن حاجه في الله فقال:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 3، فأقام تعالى الحجة على المشركين بما يبطل شركهم بالله وتسويتهم غيره به في العبادة بضرب الأمثال وغير ذلك، وهذا في القرآن كثير كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} 4، وقال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} 5، وقال:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 6.
1 سورة الزمر آية: 38.
2 سورة الزمر آية: 38.
3 سورة البقرة آية: 258.
4 سورة الحج آية: 73.
5 سورة العنكبوت آية: 41-43.
6 سورة النحل آية: 20-21.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما " أن النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: " ما هذا؟ " قال: من الواهنة. فقال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " 1 رواه أحمد بسند لا بأس به.
..................................................................................................
ذكر العماد ابن كثير - رحمه الله تعالى - في هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس مرفوعا " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك، جفت الصحف ورفعت الأقلام، واعمل لله بالشكر في اليقين، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " 2 قوله: "عمران بن حصين " أي ابن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد بنون وجيم مصغر، صحابي ابن صحابي أسلم عام خيبر ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
قوله: "رأى رجلا " في رواية الحاكم: " دخلت على رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر فقال ما هذه؟ " الحديث، فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.
قوله: "ما هذه؟ " الظاهر أنه للإنكار عليه.
قوله: "من الواهنة " قال أبو السعادات: الواهنة عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها، وقيل هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهاه عنها لكونه يظن أنها تمنع عنه هذا الداء أو ترفعه، فأمره صلي الله عليه وسلم بنزعها لذلك وأخبر أنها لا تزيده
1 أحمد في " المسند " 4 / 445 ، وابن ماجه (3531) في الطب: باب تعليق التمائم ، وصححه ابن حبان (1410)(1411)" موارد "، والحاكم 4/ 216 ووافقه الذهبي.
2 الترمذي رقم (2518) في صفة القيامة: باب رقم (60) وأحمد في " المسند" 1 / 293 و 303 و 307 ، والحاكم 3/ 541 و 542 من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه. انظر "جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي ص 161- 174 ، و" المقاصد الحسنة " للسخاوي في حديث:" لن يغلب عسر يسرين ".
وله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: " من تعلق تميمة فلا أتم الله
..................................................................................................
إلا وهنا، فإن المشرك يعامل بنقيض قصده؛ لأنه علق قلبه بما لا ينفعه ولا يدفع عنه، فإذا كان هذا بحلقة صفر فما الظن بما هو أطم وأعظم كما وقع من عبادة القبور والمشاهد والطواغيت وغيرها كما لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، قال المصنف - رحمه الله تعالى -:"فيه شاهد لكلام بعض الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة". لقوله: "فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا "، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.
قوله: "رواه أحمد بسند لا بأس به " هو الإمام أحمد بن محمد بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي، إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث وأشدهم ورعا، وهو الذي يقول فيه بعض أهل السنة: عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته الدنيا فأباها، والشبه فنفاها. روى عن الشافعي وزيد بن هارون وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان وابن عيينة وعبد الرزاق وخلق لا يحصون، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة - رحمه الله تعالى -.
قوله: "وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: " من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له ". وفي رواية:" من علق تميمة فقد أشرك ".
عقبة بن عامر صحابي مشهور ففيه فاضل، ولي إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين، ومات قريبا من الستين.
وهذا الحديث فيه التصريح بأن تعليق التمائم شرك لما يقصده من علقها لدفع ما يضره أو جلب ما ينفعه، وهذا أيضا ينافي كمال الإخلاص الذي هو معنى لا إله إلا الله؛ لأن المخلص لا يلتفت قلبه لطلب نفع أو دفع ضر من سوى الله، كما تقدم في قوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} 1، فكمال التوحيد لا يحصل إلا بترك ذلك، وإن كان من الشرك الأصغر فهو عظيم، فإذا كان قد خفي على بعض الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبوة فكيف لا يخفى على من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب بعدما حدث من البدع والشرك؟ كما في الأحاديث الصحيحة، وتقدمت الإشارة إلى ذلك. وهذا مما يبين معنى لا إله إلا الله أيضا، فإنها نفت كل الشرك قليله وكثيره، كما قال تعالى:
1 سورة النساء آية: 125.
له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ". وفي رواية:" من تعلق تميمة فقد أشرك "1.
..................................................................................................
ولابن أبي حاتم عن حذيفة، أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 2.
قوله: "فلا أتم الله له " دعاء عليه، وكذلك قوله:"فلا ودع الله له " أي لا جعله في دعة وسكون.
قوله: " ولابن أبي حاتم أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه "، وتلا قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 4.
ابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس المرادي التميمي الحنظلي صاحب الجرح والتعديل والتفسير وغيرها، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. وحذيفة هو ابن اليمان واسم اليمان حسيل بمهملتين مصغر، ويقال حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة، حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين، ويقال له صاحب السر، وأبوه صحابي أيضا. مات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين.
قوله: "رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 5.
1 الأولى رواها أحمد في " المسند " 4/ 154 ، وابن حبان (1413)" موارد "، والحاكم 4/ 417 وفيها ضعف. والرواية الثانية رواها أحمد في " المسند " 4/ 156 ، ورواها أيضا الحاكم 4 / 417 ، وهو حديث صحيح. قوله:"تعلق" أي علق وتعلق بها قلبه ، وقد جاءت في ابن حبان:"علق" وكذا في " مجموعة التوحيد " طبعة المنار ، وما أثبتناه موافق للمسند و "فتح المجيد". انظر "الأحاديث الصحيحة " رقم (492) .
2 سورة يوسف آية: 106.
3 سورة آل عمران آية: 18.
4 سورة يوسف آية: 106.
5 سورة يوسف آية: 106.
فيه مسائل:
الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.
الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح. فيه شاهد لكلام
..................................................................................................
فيه دليل على أن هذا شرك، وأن الصحابة رضي الله عنهم يستدلون بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر على الأصغر لدخوله في الشرك المنهي عنه في الآيات والأحاديث عموما وخصوصا لما قد عرفت أنه ينافي كمال الإخلاص. إذا كان مثل هذا، وقد خافه صلي الله عليه وسلم على الصحابة، كما تقدم في قوله:" أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " 1، فإذا كان يقع مثل هذا في تلك القرون المفضلة، فكيف يؤمن أن يقع ما هو أعظم منه؟ لكن لغلبة الجهل به وقع منهم أعظم مما وقع من مشركي العرب وغيرهم في الجاهلية، مما قد تقدم التنبيه عليه حتى إن كثيرا من العلماء في هذه القرون اشتد نكيرهم على ما أنكر الشرك الأكبر، فصاروا هم والصحابة رضي الله عنهم في طرفي نقيض، فالصحابة ينكرون القليل من الشرك، وهؤلاء ينكرون على من أنكر الشرك الأكبر، ويجعلون النهي عن هذا الشرك بدعة وضلالة، وكذلك كانت حال الأمم مع الأنبياء والرسل جميعهم فيما بعثوا به من توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده، والنهي عن الشرك به، وقد بعث الله تعالى خاتم رسله محمدا صلي الله عليه وسلم بذلك كما بعث به من قبله، فعكس هؤلاء المتأخرون ما دعا إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم مشركي العرب وغيرهم، فنصر هؤلاء ما نهى عنه من الشرك غاية النصرة، وأنكروا التوحيد الذي بعث به غاية الإنكار، فإنه صلي الله عليه وسلم لما قال لقريش:" قولوا لا إله إلا الله تفلحوا "2 عرفوا معناها الذي وضعت له وأريد منها فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 3 الآيات. وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} 4، وفي صحيح البخاري وغيره في سؤال هرقل لأبي سفيان عن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: فماذا يأمركم؟ قلت: يقول: "اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم". ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة5.
1 تقدم تخريجه ص (33) .
2 أحمد (3/492) .
3 سورة ص آية: 5.
4 سورة الصافات آية: 35.
5 البخاري رقم (7) في بدء الوحي: باب رقم (6)، ورقم (51) في الإيمان: باب رقم (38) ، وفي كتب وأبواب أخر ، ومسلم رقم (1773) في الجهاد: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام ، والترمذي رقم (2718) في الاستئذان: باب ما جاء كيف يكتب لأهل الشرك ، وأحمد في " المسند" 1 / 262 - 263 ، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.