المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان - كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ باب " حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌ باب الخوف من الشرك

- ‌ باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌ باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

- ‌ باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌ باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌ باب "في التوحيد وغربة الدين

- ‌ باب "في بيان الحجة علي إبطال الشرك

- ‌ باب الشفاعة

- ‌ باب " في أن الأعمال بالخواتيم، ومضرة تعظيم الأسلاف والأكابر

- ‌ باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌ باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌ باب ما جاء في السحر

- ‌ باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌ باب ما جاء في النشرة

- ‌ باب ما جاء في التطير

- ‌ باب ما جاء في التنجيم

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌ باب "من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر

- ‌ باب "اليقين يضعف ويقوى

- ‌ باب "التوكل من شروط الإيمان

- ‌ باب "في الوعيد من أمن مكر الله

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌ باب ما جاء في الرياء

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله

- ‌ باب " الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم

- ‌ باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌ باب "معرفة النعمة وإنكارها

- ‌ باب "الحلف بغير الله شرك

- ‌ باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول ما شاء الله وشئت

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌ باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلي الله عليه وسلم فهو كافر

- ‌ باب "التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها

- ‌ باب " تحريم كل اسم معبد لغير الله

- ‌ باب "دعاء الله بأسمائه الحسنى وترك من عارض من الجاهلين الملحدين

- ‌ باب لا يقال السلام على الله

- ‌ باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌ باب لا يقول: عبدي وأمتي

- ‌ باب لا يرد من سأل بالله

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح

- ‌ باب "لا يظن بالله ظن السوء إلا المنافقون والمشركون

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر

- ‌ باب ما جاء في المصورين

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌ باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه صلي الله عليه وسلم

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌ باب ما جاء في حماية النبي صلي الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌ باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

الفصل: ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

23-

‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 1 وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 2.

..................................................................................................

قوله: "باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان ". الوثن يطلق على كل من قصد بنوع من أنواع العبادة من دون الله من صنم أو قبر أو غيره لقول الخليل عليه السلام: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} 3 مع قوله: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} 4.

قوله: وقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن محمد، فقالوا: ما أنتم ومحمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام، وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيح، ومحمد صنوبر قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج من غفار فنحن خير أم هو؟ فقالوا: أنتم خير وأهدى سبيلا، فأنزل الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 5.

وقوله: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 6 الآية قال البغوي في تفسيره: " "قل " يا محمد" هَلْ أُنَبِّئُكُمْ " أخبركم " بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ " يعني قولهم: لم نر أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم، فذكر الجواب بلفظ الابتداء كقوله {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ} "7.

وقوله: "مثوبة " ثوابا وجزاء نصب على التفسير {لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} 8 فالقردة: أصحاب السبت، والخنازير: كفار مائدة عيسى، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المسخين كلاهما من أصحاب السبت،

1 سورة النساء آية: 51.

2 سورة المائدة آية: 60.

3 سورة العنكبوت آية: 17.

4 سورة الشعراء آية: 71.

5 سورة النساء آية: 51.

6 سورة المائدة آية: 60.

7 سورة الحج آية: 72.

8 سورة المائدة آية: 60.

ص: 122

وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} 1.

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "أخرجاه2.

.............................................................................................

فشبابهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أي وجعل منهم من عبد الطاغوت أي أطاع الشيطان فيما سول له. وفي تفسير الطبري قرأ حمزة "وَعَبُدِ الطَّاغُوتِ " بضم الباء وجر التاء، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بن تغلب وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ بضم العين والباء وفتح الدال وخفض التاء.

قوله: "أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا " مما تظنون بنا "وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ " وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشارك كقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} 3 قاله ابن كثير.

قوله: "عن أبي سعيد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سننن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "أخرجاه ". وهذا سياق مسلم، فبين صلي الله عليه وسلم في هذا أن كل ما وقع من أهل الكتاب مما ذمهم الله به في هذه الآيات وغيرها لا بد أن يقع جميعه في هذه الأمة وهو الشاهد للترجمة.

قوله: "سنن " بفتح المهملة أي طريق من كان قبلكم.

قوله: "حذو القذة " بنصب حذو على المصدر، والقذة بضم القاف واحدة القذذ وهو ريش السهم، أي لتتبعن طريقهم في كل ما فعلوه وتشبهوهم في ذلك كما تشبه قذة السهم القذة الأخرى كما أخبر صلي الله عليه وسلم. قال سفيان بن عينية:"من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى"، انتهى.

1 سورة الكهف آية: 21.

2 البخاري رقم (3456) في أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر عن بني اسرائيل ، ورقم (7320) في الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي: " لتتبعن سنن من كان قبلكم "، ومسلم رقم (2669) في العلم: باب اتباع سنن اليهود والنصارى ، وأحمد في (المسند) 3/ 84 و 89 و 94 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وليس السياق لمسلم ، ولا اللفظ لأحدهما ، ورواه البخاري رقم (7319) في الاعتصام: باب قول النبي: " لتتبعن سنن من كان قبلكم "، وابن ماجه في "سننه" رقم (3994) في الفتن: باب افتراق الأمم ، وأحمد في " المسند" 2 / 327 115 و 450 وو527 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وجملة " حذو القذة بالقذة" ليست في "الصحيحين" وإنما هي عند أحمد في " المسند" 4 / 125 من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه – بلفظ:" ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلكم أهل الكتاب ، حذو القذة بالقذة " ولفظه عند مسلم: " لتتبعن سنن الذبن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم ، قلنا يا رسول الله! اليهود والنصارى قال: فمن؟ ".

3 سورة الفرقان آية: 24.

ص: 123

ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي

................................................................................................

قوله: عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين "الحديث. هذا الحديث رواه أبو داود في سننه وابن ماجه1 بالزيادة التي ذكرها المنصف رحمه الله.

قوله: "عن ثوبان " وهو مولى النبي صلي الله عليه وسلم ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة أربع وخمسين.

قوله " زوى لي الأرض " قال التوربشتي: "زويت الشيء جمعته وقبضته، يريد تقريب البعيد منها حتى اطلع عليه اطلاعه على القريب صلي الله عليه وسلم وحاصله أنه طوى له الأرض وجعلها مجموعة كهيئة كف في مرآة ينظره. قال الطيبي: جمعها لي حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها".

قوله: " وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " قال القرطبي: هذا الخبر وجد مخبره كما قال، وكان ذلك من دلائل نبوته صلي الله عليه وسلم وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى طنجة بالنون والجيم، الذي هو منتهى عمارة المغرب، إلى أقصى المشرق مما وراء

1 أبو داود رقم (4252) في الفتن والملاحم: باب ذكر الفتن ودلائلها ، وابن ماجه رقم (3952) في الفتن: باب ما يكون من الفتن ، وأحمد في " المسند" 5/ 278 و 284 من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وإسناده صحيح ، ورواه الترمذي مختصرا من حديث ثوبان رضي الله عنه ، رقم (2230) في الفتن: باب ما جاء في الأئمة المضلين ، ورواه أحمد في " المسند" 4 / 123 من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

ص: 124

منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني

...........................................................................................

خراسان والنهر، وكثير من بلاد الهند والسند والصين، ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال ولذلك لم يذكر عليه السلام أنه أريه، ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه. قوله: زوي لي منها يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وأن يكون مبنيا للمفعول.

قوله: "وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض " قال القرطبي: يعني به كنز كسرى وهو ملك الفرس، وقيصر وهو ملك الروم وقصورهما وبلادهما، وقد قال صلي الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" وعبر بالأحمر عن كنز قيصر؛ لأن الغالب عندهم كان الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأن الغالب عندهم كان الجوهر والفضة، ووجد ذلك في خلافة عمر.

قوله: " وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة " 1 هكذا ثبت في أصل المصنف بالباء وهي رواية صحيحة في صحيح مسلم وفي بعضها بحذفها. قال القرطبي: "وكأنها زائدة لأن عامة صفة السنة، والسنة: الجدب الذي يكون به الهلاك العام. قوله: " من سوى أنفسهم " أي من غيرهم من الكفار من إهلاك بعضهم بعضا وسبى بعضهم بعضا كما هو مبسوط في التاريخ. قوله: "فيستبيح بيضتهم " قال الجوهري: "بيضة كل شيء حوزته وبيضة القوم ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث أن الله لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما جازوه من البلاد والأرض، ولو اجتمع عليهم من بأقطار الأرض وهي جوانبها، وقيل: بيضتهم معظمهم وجماعتهم وإن قلوا".

قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا " الظاهر أن حتى هنا لانتهاء الغاية، أي أن أمر أمته ينتهي إلى أن يكون بعضهم يهلك بعضا.

قوله: " وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد "2 هذا كما في الحديث " ولا راد لما قضيت3 ".

1 مسلم: الفتن وأشراط الساعة (2889)، والترمذي: الفتن (2176)، وأبو داود: الفتن والملاحم (4252)، وابن ماجه: الفتن (3952) ، وأحمد (5/284) .

2 مسلم: الفتن وأشراط الساعة (2889)، والترمذي: الفتن (2176)، وأبو داود: الفتن والملاحم (4252)، وابن ماجه: الفتن (3952) .

3 قطعة من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا راد لما قضيت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" رواه البزار وإسناده حسن ، كما قال الهيثمي في "المجمع" 10 / 103. انظر " الفتح " 2/ 333 و 11/ 512.

ص: 125

أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم بأقطارها - أو قال من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا " 1.

ورواه البرقاني في " صحيحه " وزاد: " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة

...........................................................................................

قوله: ورواه البرقاني في صحيحه هو الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي، ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة، قال الخطيب:"كان ثبتا ورعا، ولم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه كثير التصانيف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان، وجمع حديث الثوري وحديث شعبة وطائفة".

قوله: " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين "2 أي الأمراء والعلماء والعباد فيحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم كما قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} 3، وقال:{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} 4 وأمثال هذه الآيات كثير، وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" رواه الدارمي5.

قوله: " وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة "، وقد وقع ذلك ومازالت الأمة كذلك، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وفيه ما هو حق كقتال أهل التوحيد لأهل الشرك بالله وجهادهم على تركهم الشرك، وقد من الله بذلك على من أقامهم في آخر هذا الزمان بالدعوة إلى توحيده، لكن أهل الشرك بدءوهم بالقتال وأظهرهم الله عليهم كما لا يخفى على من تدبر آيات هذا الدين في هذه الأزمنة.

قوله: " ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين " الحي واحد الأحياء وهي القبائل: وفي رواية أبي داود " حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين وكم وكم "6.

قوله: " وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان "والفئام مهموز: الجماعات الكثيرة، قاله

1 مسلم رقم (2889) في الفتن وأشراط الساعة: باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.

2 الترمذي: الفتن (2229) ، وأحمد (5/278 ،5/284)، والدارمي: المقدمة (209) .

3 سورة الأنعام آية: 119.

4 سورة الصافات آية: 71.

5 الدارمي رقم (220) في المقدمة: باب في كراهية أخذ الرأي، وإسناده ضعيف. قال الهيثمي في " المجمع" 7 / 332: رواه أحمد (5 / 396) والطبراني في "الكبير" و " الأوسط " والبزار ، ورجال البزار رجال الصحيح.

6 الترمذي: الفتن (2219)، وابن ماجه: الفتن (3952) ، وأحمد (5/278) .

ص: 126

حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي " 1 " ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم

.............................................................................................

أبو السعادات. وهذا هو شاهد الترجمة، وقد استحكمت الفتنة بعبادة الأوثان حتى إنه لا يعرف أحد في هذه القرون المتأخرة أنكر ما وقع من ذلك، حتى أقام الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - الذي أنكره ونهى عنه ودعا الناس إلى تركه، وإلى أن يعبدوا الله تعالى وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فرماه الملوك وأتباعهم بقوس العداوة، فأظهره الله بالحجة وأعز أنصاره على من ناوأهم، وبلغت دعوته مشارق الأرض ومغاربها ولكن من الناس من عرف ومنهم من أنكر، فانتفع بدعوته الكثير، من أهل نجد والحجاز وعمان وغيرها، فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة جعلنا الله شاكرين.

قوله: " وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي "قال القرطبي: قد جاء عددهم معينا في حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " يكون في أمتي كذابون دجالون سبع وعشرون منهم أربع نسوة "2 أخرجه أبو نعيم وقال: هذا حديث غريب، وحديث ثوبان أصح من هذا. قال القاضي عياض: عد من تنبأ من زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى الآن ممن اشتهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته فوجد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتاريخ عرف صحة هذا، وآخرهم الدجال الأكبر.

قوله: " وأنا خاتم النبيين "قال الحسن: الخاتم الذي ختم به، يعني أنه آخر النبيين كما قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 3 وإنما ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان حاكما بشريعة محمد صلي الله عليه وسلم، مصليا إلى قبلته فهو كآحاد أمته، بل هو أفضل هذه الأمة.

قوله: " ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم "قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر

1 الترمذي: الفتن (2229) ، وأحمد (5/278 ،5/284)، والدارمي: المقدمة (209) .

2 قال الهيثمي في " المجمع" 7 / 332: رواه أحمد (5 / 396) والطبران، ي في "الكبير" و " الأوسط "، والبزار ، ورجال البزار رجال الصحيح.

3 سورة الأحزاب آية: 40.

ص: 127

حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى " 1.

فيه مسائل:

الأولى: تفسير آية النساء.

الثانية: تفسير آية المائدة.

الثالثة: تفسير آية الكهف.

الرابعة: - وهي أهمها -: معنى الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع؟: هل هو اعتقاد قلب، أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟.

...............................................................................................

واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في بلد واحد وأن يكونوا في بعض دون بعض منه، ويجوز إخلاء الأرض منهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله، انتهى ملخصا مع زيادة فيه قاله الحافظ.

قال المصنف: "وفيه الآية العظيمة أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم والبشارة بأن الحق لا يزول بالكلية".

قوله: " حتى يأتي أمر الله " الظاهر أن المراد به ما روي من قبض من بقي من المؤمنين بالريح الطيبة ووقوع الآيات العظام، ثم لا يبقى إلا شرار الناس.

وقوله: تبارك وتعالى قال ابن القيم رحمه الله: البركة هي فعلة والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة وبأداة "على" تارة، وبأداة "في" تارة. والمفعول منها مبارك وهو ما جعل منها كذلك فكان مباركا بجعله تعالى. "والنوع الثاني" بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك ولا يصح إلا له عز وجل فهو سبحانه المتبارك وعبده ورسوله المبارك، وأما صفته تبارك فمختصة به كما أطلقها على نفسه في قوله:{تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {بَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2 أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه مختصة به لا تطلق على غيره، وجاءت على بناء السعة والمبالغة كتعالى وتعاظم ونحوه، فجاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هو دال على كمال العلو ونهايته، فكذلك تبارك دال على كمال بركته وعظمتها وسعتها، وهذا معنى قول من قال من السلف: تبارك تعاظم. وقال ابن عباس: جاء بكل بركة.

1 مسلم: الإمارة (1920)، والترمذي: الفتن (2229)، وابن ماجه: المقدمة (10) والفتن (3952) ، وأحمد (5/278) .

2 سورة الملك آية: 1.

ص: 128

الخامسة: قولهم: إن الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين.

السادسة: - وهي المقصود بالترجمة - أن هذا لا بد أن يوجد في هذه الأمة كما تقرر في حديث أبي سعيد.

السابعة: التصريح بوقوعها، أعني عبادة الأوثان في هذه الأمة في جموع كثيرة.

الثامنة: العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق، وفيه أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح. وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة، وتبعه فئام كثيرة.

التاسعة: البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة.

العاشرة: الآية العظمى أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.

الحادية عشرة: أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة.

الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة. منها: إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب، وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر، بخلاف الجنوب والشمال. وإخباره بأنه أعطي الكنزين، وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وإخباره بأنه منع الثالثة، وإخباره بوقوع السيف، وأنه لا يرفع إذا وقع، وإخباره بإهلاك بعضهم بعضا وسبي بعضهم بعضا، وخوفه على أمته من الأئمة المضلين، وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة، وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة وكل هذا وقع كما أخبر، مع أن كل واحد منها من أبعد ما يكون في العقول.

الثالثة عشرة: حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين.

الرابعة عشرة: التنبيه على معنى عبادة الأوثان.

ص: 129