الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
51-
باب "دعاء الله بأسمائه الحسنى وترك من عارض من الجاهلين الملحدين
"
قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 1.
......................................................................................................
قوله: " باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} " الآية.
أراد - رحمه الله تعالى - بهذه الترجمة الرد على من يتوسل بذوات الأموات، وأن المشروع هو التوسل بالأسماء والصفات والأعمال الصالحة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:" إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر "2 أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان.
وأخرجه الجرجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بسنده مثله وزاد بعد قوله يحب الوتر: " هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواحد، الأحد، الماجد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المعطي، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور "3.
1 سورة الأعراف آية: 180.
2 البخاري رقم (6410) في الدعوات: باب لله عز وجل مائة اسم غير واحد ، ومسلم رقم (2677) في الذكر والدعاء: باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
3 الترمذي رقم (3502) ، وابن ماجه رقم (3861) من رواية الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ، وسنده ضعيف، قال الحافظ ابن كثير في " التقسير":"والذي عول عليه جماعة من الحفاط أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ، أي أنهم جمعوها من القرآن ، كما روى جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبو زيد اللغوي والله أعلم". انظر " جامع الأصول رقم (2145) .
ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} : يشركون. وعنه: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها.
......................................................................................................
ثم قال الترمذي ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء الحسنى إلا في هذا الحديث، والذي عند بعض الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج، هذا ما ذكره العماد ابن كثير في تفسيره ثم قال: ليعلم أن الأسماء ليست منحصرة في تسعة وتسعين بدليل ما رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري، وذهاب حزني وجلاء همي وغمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " 1 2، وقد أخرجه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه. وقال قتادة في قوله تعالى:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} قال: يشركون. وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: " الإلحاد: التكذيب ".
قلت: والشرك تكذيب من المشرك لما أنزله الله في كتابه وبعث به رسوله كما جرى من قريش وغيرهم مع النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، وكما جرى من المشركين من هذه الأمة فلم يأخذوا بالآيات المحكمات في تحريم الشرك والنهي عنه، بل كذبوا بالصدق واعتمدوا على الكذب على الله وعلى كتابه ورسوله.
1 أحمد (1/452) .
2 أحمد في المسند 1/391 و 452، وصححه ابن حبان رقم (2372) " موارد" وقال الحاكم 1/509:"حديث صحيح على شرط مسلم ، إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه من ابيه" اهـ. وقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة. فالحديث صحيح كما قال الألباني في " الأحاديث الصحيحة" رقم (199) .
وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول من القصد والميل. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
وحقيقة الإلحاد فيها الميل بالإش
…
راك والتعطيل والنكران
وأسماء الرب تعالى كلها أسماء وأوصاف دلت على كماله جل وعلا، والذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة متقدمهم ومتأخرهم إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلي الله عليه وسلم على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1، وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذى حذوه، فكما أنه يجب العلم بأن لله ذاتا حقيقة لا تشبه شيئا من ذوات المخلوقين، فله صفات حقيقة لا تشبه شيئا من صفات المخلوقين، فمن جحد شيئا مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله، أو تأوله على غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قد اتبع غير سبيل المؤمنين.. قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فائدة جليلة ما يجري صفة أو خبرا على الرب تعالى أقسام:
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات كقولك: ذات وموجود.
الثاني: ما يرجع إلى صفات منعوتة كالعليم والقدير والسميع والبصير.
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله كالخالق والرازق.
الرابع: التنزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتا إذ لا كمال في العدم المحض، كالقدوس السلام.
الخامس: ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا يختص بصفة معينة، بل دال على معان نحو المجيد العظيم الصمد، فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا، فإنه موضوع للسعة والكثرة والزيادة، فمنه استمجد المرخ والعقار، وأمجد الناقة: علفها. ومنه {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 2 صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه، وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمنا صلي الله عليه وسلم؛ لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك
1 سورة الشورى آية: 11.
2 سورة البروج آية: 15.
فيه مسائل:
الأولى: إثبات الأسماء.
الثانية: كونها حسنى.
الثالثة: الأمر بدعائه بها.
الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين.
الخامس:. تفسير الإلحاد فيها.
السادسة: وعيد من ألحد.
......................................................................................................
أنت الغفور الرحيم فهو راجع إلى التوسل بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه، ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي:" ألظوا بياذا الجلال والإكرام "1 ومنه: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والإكرام "2، فهذا سؤال له وتوسل إليه بأسمائه وصفاته فما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسئول، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد، الغفور القدير، الحميد المجيد. وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن؛ فإن الغنى صفة كمال والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غنائه وثناء من حمده وثناء من اجتماعهما، وكذلك الغفور القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم فتأمله فإنه من أشرف المعارف.
1 روي من حديث ربيعة بن عامر اخرجه أحمد 4/177، ورواه أيضا البخاري في "الكبير" 2/1/226، والحاكم 1/498 – 499، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وروي من حديث أنس – رضي الله عنه: أخرجه الترمذي رقم (3533) في الدعوات: باب رقم (92) وهو حدجيث صحيح كما قال الألباني في " الأحاديث الصحيحة" رقم (1536) .
2 تقدم تخريجه ص (45) رقم (1) .