الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22-
باب ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:صلي الله عليه وسلم " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني
............................................................................................
قوله: "باب ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك " قد تقدم فيما سلف من الأبواب قبل هذا.
قوله: وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 2 ووجه الدلالة بالآية أنه صلي الله عليه وسلم يعز عليه كل ما يؤثم الأمة ويشق عليهم، وأعظم ما يؤثم الأمة ويشق عليهم الشرك بالله قليله وكثيره ووسائله وما يقرب منه من كبائر الذنوب، وقد بالغ صلي الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وأسبابه أعظم مبالغة كما لا يخفى، وقد كانت هذه حال أصحابه رضي الله عنهم في قطعهم الخيوط التي رقي للمريض فيها ونحو ذلك من تعليق التمائم. قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:صلي الله عليه وسلم " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم "رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات. قال الحافظ محمد بن عبد الهادي:"هو حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة". نهاهم صلي الله عليه وسلم أن يهجروا بيوتهم عن الصلاة فيها كما تهجر القبور عن الصلاة إليها مخافة الفتنة بها وما يفضي إلى عبادتها من دون الله؛ لأن النهي عن ذلك قد تقرر عندهم فنهاهم أن يجعلوا بيوتهم كذلك.
قوله: " ولا تجعلوا قبري عيدا "فيه شاهد للترجمة، قال شيخ الإسلام: "العيد اسم
1 سورة التوبة آية: 128.
2 سورة التوبة آية: 128.
حيث كنتم "1 رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات.
وعن علي بن الحسين: أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " 2 رواه في " المختارة ".
..................................................................................................
لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك"، وقال ابن القيم رحمه الله: "العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان، مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإدا كان اسما للمكان فهو الذي يقصد فيه الاجتماع وانتيابه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله عيدا للحنفاء ومثابة. كما جعل أيام العيد فيها عيدا، وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر".
قوله: وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما – "أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه.. ". الحديث. هذا الحديث رواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء في المختارة.
قال شيخ الإسلام: "فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلي الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط". انتهى.
قوله: "عن علي بن الحسين " أي ابن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين رضي الله عنهم أفضل التابعين من أهل بيته وأعلمهم، قال الزهري:"ما رأيت قرشيا أفضل منه"، مات سنة ثلاث وتسعين على الصحيح.
قوله: أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة بضم الفاء وسكون الراء، وهي الكوة في
1 رواه أبو داود رقم (2042) في المناسك: باب في زيارة القبور ، ورواه أيضا أحمد في " المسند " 2/ 367 ، والحسن بن أحمد بن ابراهيم بن فيل البالسي أبو طاهر في جزئه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده حسن ، ورواه أيضا إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " رقم (20) و (30) وغيره، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
2 أبو داود: المناسك (2042) ، وأحمد (2/367) .
الجدار والخوخة ونحوهما، قوله: فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وهذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها. قال شيخ الإسلام: ما علمت أحدا رخص فيه؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدا، ويدل أيضا على أن قصد القبر للسلام إذا دخل ليصلي منهي عنه؛ لأن ذلك لم يشرع، وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك. قال:"ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يأتون إلى مسجد النبي صلي الله عليه وسلم فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا وخرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد هو السنة، وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم بل نهاهم عنه في قوله:" لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني "، فبين أن الصلاة تصل إليه من بعد وكذلك السلام، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب لما كانت عائشة رضي الله عنها – فيها، وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه لا لسلام ولا لصلاة ولا لدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلاما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم وبين لهم الأحاديث، وأنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويحدثهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر، ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم، وأن أرواح الموتى تجسدت لهم فرأوها، والمقصود أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعل من بعدهم من الخلوف.
قال سعيد بن منصور في "سننه" حدثنا عبد العزيز بن محمد: أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء قلت: لا أريده. قال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال لي: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم. لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
"قلت " وهو أيضا له قرب النسب وقرب الدار فنهى عن المجيء إلى القبر للدعاء
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية براءة.
الثانية: إبعاده أمته عن هذا الحمى غاية البعد.
الثالثة: ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته.
الرابعة: نهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال.
الخامسة: نهيه عن الإكثار من الزيارة.
السادسة: حثه على النافلة في البيت.
السابعة: أنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة.
الثامنة: تعليله ذلك بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب.
التاسعة: كونه صلي الله عليه وسلم في البرزخ تعرض أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه.
* * *
عنده، فالمجيء إلى القبر للسلام عليه وتحري إجابة الدعاء ليس مما شرعه الله ورسوله لهذه الأمة ولو كان مشروعا لما تركه الخلفاء والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من سادات أهل البيت وأئمة التابعين، ولما أنكروا على من فعله، وقولهم هو الحجة وهو الذي دلت عليه الأحاديث كحديث عائشة وحديث الباب وغيرهما، لعلم السلف بما أراده النبي صلي الله عليه وسلم بنهيه عن الغلو وخوفه مما وقع ممن غلا في الدين واتبع غير سبيل المؤمنين كما قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1 ولما حدث الشرك بأرباب القبور في هذه الأمة وتعظيمها وعبادتها صارت تشد الرحال إليها لقصد دعائها والاستغاثة بها وبذل نفيس المال تقريبا إليها وتعظيم سدنتها. فيا لها مصيبة ما أعظمها! نسأل الله السلامة من هذا الشرك وما يقرب منه أو يوصل إليه.
1 سورة النساء آية: 115.