الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية البقرة.
الثانية: تفسير آية براءة.
الثالثة: وجوب محبته صلي الله عليه وسلم وتقديمها على النفس والأهل والمال.
الرابعة: أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام.
الخامسة: أن للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها.
السادسة: أعمال القلب الأربع التي لا تنال ولاية الله إلا بها، ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها.
السابعة: فهم الصحابي للواقع: أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا.
الثامنة: تفسير: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} 1.
التاسعة: أن من المشركين من يحب الله حبا شديدا.
العاشرة: الوعيد على من كانت الثمانية أحب إليه من دينه.
الحادية عشرة: أن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر.
1 سورة البقرة آية: 166.
32-
باب "اليقين يضعف ويقوى
"
قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1
{بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} 2 الآية.
..................................................................................................
قوله: "باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3 قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "ومن كيد عدو الله أنه يخوف المؤمنين جنده وأولياءه لئلا يجاهدوهم، ولا يأمروهم بمعروف، ولا ينهوهم عن منكر، وأخبر تعالى أن هذا من كيد الشيطان وتخويفه، ونهانا أن نخافهم، قال: والمعنى عند جميع المفسرين: يخوفهم بأوليائه. قال قتادة: يعظمهم في صدوركم فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه
1 سورة آل عمران آية: 175.
2 سورة العنكبوت آية: 25.
3 سورة آل عمران آية: 175.
وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} 1 الآية. وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} 2 الآية.
.......................................................................................................
خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه معهم، فدلت هذه الآية على أن الخلاص من الخوف من كمال شروط الإيمان. وسبب نزول الآية مذكور في التفاسير والسير".
قوله: "وقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} 3 " أخبر تعالى أن مساجد الله لا يعمرها إلا أهل الإيمان بالله واليوم الآخر، الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا بجوارحهم، وأخلصوا له الخشية دون من سواه، فلا تكون المساجد عامرة إلا بالإيمان الذي معظمه التوحيد مع العمل الصالح الخالص من شوائب الشرك والبدع، وذلك كله داخل في مسمى الإيمان المطلق عند أهل السنة والجماعة.
قوله: "وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ" قال ابن عطية: يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، ولا محالة أن الإنسان يخشى المحاذير الدنيوية، وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه. "قلت ": لأن النفع والضر إنما يكون بمشيئته وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:"والخوف عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله: كالذل والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب".
قوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} 4 قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: إن أولئك هم المهتدون، وكل عسى في القرآن فهي واجبة.
قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} 5 الآية. قال ابن القيم: "الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إما أن يقول أحدهم آمنا، وإما أن لا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال آمنا امتحنه ربه وابتلاه. والفتنة: الابتلاء والاختبار، ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت، أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن
1 سورة التوبة آية: 18.
2 سورة العنكبوت آية: 10.
3 سورة التوبة آية: 18.
4 سورة التوبة آية: 18.
5 سورة العنكبوت آية: 10.
عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا: " إن من ضعف اليقين أن ترضي
.......................................................................................................
الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير له الألم الدائم، والإنسان لا بد أن يعيش مع الناس، والناس لهم تصورات وإرادات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له العذاب تارة منهم وتارة من غيرهم - إلى أن قال: فالحزم كل الحزم في الأخذ بما قالت أم المؤمنين لمعاوية: " من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا "1.
فمن هداه الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقة على فعل المحرم وصبر على عداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما كانت للرسل وأتباعهم. ثم أخبر تعالى عن حال الداخل في الإيمان، وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له هي أذاهم، ونيلهم إياه بالمكروه - وهو الألم الذي لا بد أن ينال الرسل وأتباعهم ممن خالفهم - جعل ذلك في فراره منه، وتركه السبب الذي يناله به كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان، فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب، وهذا من ضعف بصيرته فر من ألم أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم، ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله، فجعل ألم فتنة عذاب الناس في الفرار منه بمنزلة عذاب الله، وغبن كل الغبن إذا استجار من الرمضاء بالنار، وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد، وإذا نصر الله جنده وأولياءه، قال: إني كنت معكم والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق" اهـ.
قوله: وعن أبي سعيد مرفوعا: " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره "2.
هذا الحديث رواه أبو نعيم في "الحلية" والبيهقي وأعله بمحمد بن مروان السدي، وقال ضعيف، وتمام هذا الحديث:" وأنه بحكمته جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ".
قوله: "إن من ضعف اليقين " الضعف بفتح وسكون وتضم ضاده مع سكون العين
1 سيأتي تخريجه ص (172) .
2 أبو نعيم في الحلية 5/106 و 10/41 ، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (207) ، وفي إسناده محمد بن مروان السدي متهم بالكذب انظر فيض القدير 2/539 للمناوي و " ضعيف الجامع "(2007) .
الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره ".
.......................................................................................................
وتحرك عينه مع فتح الضاد: ضد القوة. قال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، والصبر نصف الإيمان.
قوله: "أن ترضي الناس بسخط الله " أي أن تؤثر رضاهم على ما يرضي الله، وذلك إذا لم يقم بقلبه من إعظام الله وإجلاله وهيبته ما يمنعه من إيثار رضى المخلوق بما يجلب له سخط خالقه وربه ومليكه الذي يتصرف في القلب. وبهذا الاعتبار يدخل في نوع من الشرك؛ لأنه آثر رضى المخلوق على رضى الله، وتقرب إليه بما يسخط الله، ولا يسلم من هذا إلا من سلمه الله تعالى.
قوله: "وأن تحمدهم على رزق الله " أي على ما وصل إليك من أيديهم بأن تضيفه إليهم وتحمدهم عليه، والله تعالى هو الذي كتبه لك وسيره لك، فإذا أراد أمرا قيض له أسبابا، ولا ينافي هذا حديث:" من لا يشكر الناس لا يشكر الله " 1 لكون الله ساقه على أيديهم فتدعو لهم أو تكافئهم لحديث " من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافئتموه "2. قوله: "وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله " لأنه لم يقدر لك ما طلبته على أيديهم فلو قدر ساقه إليك. فمن علم أن الله وحده هو المتفرد بالعطاء والمنع بمشيئته وإرادته، وأنه الذي يرزق العبد بسبب وبلا سبب، ومن حيث لا يحتسب لم يسأل حاجته إلا من الله وحده، ولعل ما منع من ذلك يكون خيرا له، ويحسن الظن بالله سبحانه ولا يرغب إلا إليه ولا يخاف إلا من
1 البخاري في " الأدب المفرد رقم (218) ، وأبو داود رقم (385) ، وابن حبان رقم (2070) "موارد"، وأحمد في " المسند" 2/295 و 2 30 و 388 و 492 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث صحيح. انظر الأحاديث الصحيحةرقم (417) .
2 البخاري في " الأدب المفرد رقم (216) ، وأبو داود رقم (1672) ، والنسائي 1/358 ، وأحمد في (المسند 68/2 و 96 و 99، والبيهقي (199/4) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصححه ابن حبان رقم (2071) ، والحاكم 1/412، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. انظر "الأحاديث الصحيحة" رقم (254) .
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس "رواه ابن حبان في " صحيحه "1.
.....................................................................................................................
ذنبه، وقد قرر هذا المعنى في الحديث بقوله:" إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره ".
وقال شيخ الإسلام: اليقين يتضمن القيام بأمر الله تعالى وما وعد الله به أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره. فإذا أرضيتهم بسخط الله ولم تكن موقنا لا بوعده ولا برزقه فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم. وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم. وإرضاؤهم بما يسخطه، إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم وذلك من ضعف اليقين. وأما إذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما لم يقدر لك كان ذلك من ضعف يقينك، فلا تخفهم ولا ترجهم ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله منهم فهو المذموم، ودل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من مسمى الإيمان.
قوله: "من التمس " أي طلب، قال شيخ الإسلام:"وكتبت عائشة إلى معاوية ويروى أنها رفعته: " من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا "هذا لفظ المرفوع، ولفظ الموقوف: " من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاما "وهذا من أعظم الفقه في الدين، فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه، وكان عبده الصالح، والله يتولى الصالحين، والله كاف عبده. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 2 والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، ومن أرضى الناس
1 رواه الترمذي رقم (2416) في الزهد: باب رقم 64، وأبو نعيم في الحلية8/188، وابن حبان رقم (1541) و (1542)"موارد" من حديث عائشة رضي الله عنها، وهوحديث صحيح كما قال الألباني في " صحيح الجامع" رقم (5886) و (5973) .
2 سورة آية: 2-3.