الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
62-
باب ما جاء في كثرة الحلف
وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} 1.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب " 2 أخرجاه.
وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله
......................................................................................................
قوله: "باب ما جاء في كثرة الحلف "، أي من النهي عنه والوعيد.
قوله: "وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}
قال ابن جرير: أي لا تتركوها بغير تكفير، وذكر غيره عن ابن عباس: يريد لا تحلفوا. وقال آخرون: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} عن الحنث، فلا تحنثوا. والمعنى يعم القولين.
قوله: "عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه " 3 رواه الطبراني بسند صحيح.
"أخرجاه ". أي البخاري ومسلم وخرجه أبو داود والنسائي. والمعنى أنه قد يحلف على ثمن السلعة بزيادة على ما اشتريت به أو سميت به، فيأخذها المشتري لظنه أنه صدق. وهذا وإن كان فيه زيادة فهو يمحق البركة، كما جاء في الحديث، والواقع يشهد بصحته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي فعاقبتها اضمحلال وذهاب.
قوله: "وعن سلمان " وسلمان لعله سلمان الفارسي أبو عبد الله، أسلم مقدم
1 سورة المائدة آية: 89.
2 البخاري رقم (2087) في البيوع: باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، ومسلم رقم (1606) في المساقاة: باب النهي عن الحلف في البيع ، وأبو داود رقم (3335) في البيوع والإجارات: باب كراهية اليمين في البيع، والنسائي 7/ 246 في البيوع: باب المنقق سلعته بالحلف الكاذب. قوله: "للكسب" في البخاري: "للبركة"، وفي مسلم:"للربح". قوله: " منفقة للسلعة": أي سبب لنفاق المتاع ورواجها في ظن الحالف. قوله: " ممحقة للربح" أي سبب لمحق البركة وذهابها ، إما بتلف يلحقه في ماله ، أو بإنفاقه في غير ما يعود نفعه إليه في العاجل ، أو ثوابه في الآجل.
3 رواه الطبراني في "الكبير" والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث سلمان رضي الله عنه، وهو حديث صحيح ، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/78، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح. انظر" صحيح الجامع" رقم (3067) .
بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه "3 رواه الطبراني بسند صحيح.
............................................................................................................
النبي صلي الله عليه وسلم المدينة وشهد الخندق، روى عنه أبو عثمان النهدي وشرحبيل بن السمط وغيرهما، قال النبي صلي الله عليه وسلم " سلمان منا أهل البيت "1. "إن الله يحب من أصحابي أربعة: عليا وأبا ذر وسلمان والمقداد "2 أخرجه الترمذي. توفي سلمان في خلافة عثمان، ويحتمل أنه سلمان بن عامر بن أوس الضبي.
قوله: " لا يكلمهم الله " هذا وعيد شديد في حقهم؛ لأنه قد تواتر أنه يكلم أهل الإيمان ويكلمونه في عرصات القيامة، والأدلة على ذلك في الكتاب والسنة أظهر شيء وأبينه، وفيه الرد على الجهمية والأشاعرة نفاة الكلام.
قوله: {وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 3 وهذا من تمام العقوبة عليهم وفي هذا الوعيد الشديد ما يزجر من له عقل عن هذه الأعمال السيئة ونحوها.
قوله: " أشيمط زان " صغره تحقيرا له وذلك لأن داعي المعصية ضعف حقه، فدل على أن الحامل له على الزنا محبته المعصية والفجور وعدم خشيته لله، وكذلك العائل المستكبر ليس له ما يحمله على الكبر، فدل على أنه خلق له فعظمت العقوبة في حقه لعدم الداعي إلى هذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي.
قوله: " ورجل جعل الله بضاعته "بنصب الاسم الشريف يعني اليمين بالله عز وجل جعله بضاعة له لكثرة استعماله.
1 رواه الطبراني في " الكبير"، والحاكم 3/598 من طريق ابن أبي فديك عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ، وقال الذهبي: سنده ضعيف. وقال الألباني في " ضعيف الجامع": رقم (3272) : ضعيف جدا.
2 الترمذي رقم (3720) في المناقب: باب مناقب علي وقال: هذا حديث حسن غريب ، وأحمد 5/351، وابن ماجه (149) في المقدمة: باب فضل سلمان وأبي ذر ، وصححه الحاكم 3/130 وقال: صحيح على شرط مسلم ، وتعقبه الذهبي فقال: ما خرج مسلم لأبي ربيعة. فالحديث ضعيف.
3 سورة البقرة آية: 174.
وفي " الصحيح " عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا؟ - ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن "1.
.........................................................................................................
قوله: "وفي الصحيح " أي صحيح مسلم وخرجه أبو داود والترمذي ورواه البخاري بلفظ "خيركم".
قوله: " خير أمتي قرني "لكثرة الخير فيهم وقلة الشر، وشدة الإنكار على من خالف الحق وابتدع كالخوارج والقدرية والجهمية ونحوهم " ثم الذين يلونهم " فُضِّلوا على من بعدهم لظهور الإسلام فيهم وكثرة العلم والعلماء، وأما القرن الثالث فظهرت فيهم البدع لكن أنكرها العلماء، وتصدى كثير منهم لإنكارها والرد على من قالها وهم كثيرون.
قوله: "فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا " هذا شك من راوي الحديث عمران بن حصين، ثم ذكر ما وقع بعد الثلاثة من الجفاء في الدين وكثرة الأهواء فقال:" ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون "لاستخفافهم بأمر الشهادة، وعدم تحريهم الصدق وكذلك لقلة دينهم وضعف إسلامهم.
قوله: "ويخونون ولا يؤتمنون " يدل على أن الخيانة قد غلبت على كثير منهم أو
1 البخاري رقم (2651) في الشهادات: باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ، ورقم (3650) في فضائل أصحاب النبي: باب فضائل أصحاب النبي ، ورقم (6428) في الرقاق: باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ورقم (6695) في الأيمان والنذور: باب إثم من لا يفي بالنذر، ومسلم رقم (2535) في فضائل الصحابة: باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، والترمذي رقم (2222) في الفتن: باب ما جاء في القرن الثالث ، ورقم (2303) في الشهادات: باب خير القرون ، وأبو داود رقم (4657) في السنة: باب فضل أصحاب رسول الله ، والنسائي 7/17 و 18 في الأيمان والنذور: باب الوفاء بالنذر ، وأحمد في " المسند" 4/426 و 427 و 436 و 440 من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. وفي الباب عن ابن مسعود وعمر بن الخطاب والنعمان بن بشير وبريدة الأسلمي رضي الله عنهم.
"وفيه" عن ابن مسعود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته "1.
.......................................................................................................
أكثرهم. " وينذرون ولا يوفون " أي لا يؤدون ما وجب عليهم، فظهور هذه الأعمال الذميمة يدل على ضعف إسلامهم وعدم إيمانهم.
قوله: " ويظهر فيهم السمن " لرغبتهم في الدنيا وشهواتها، وقلة الإيمان باليوم الآخر، وفي حديث أنس:" لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم "2 قال أنس: سمعته من نبيكم صلي الله عليه وسلم، فما زال الشر يزيد في الأمة حتى ظهر فيهم الشرك والبدع في كثير منهم، حتى فيمن انتسب إلى العلم ويتصدر للتعليم والتصنيف، فحدث التفرق والاختلاف في الدين، وحدث الغلو في أهل البيت من بني بويه في المشرق لما كان لهم دولة، وبنوا المساجد على القبور وغلوا في أربابها، وظهرت دولة القرامطة، وظهر فيهم الكفر والإلحاد في شرائع الدين، ومذهبهم معروف، وظهر فيهم من البدع ما يطول عَدُّه، وكثر الاختلاف والخوض في أصول الدين، وما زال أهل السنة على الحق، ولكن كثرت البدع والأهواء حتى عاد المعروف منكرا والمنكر معروفا، نشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير.
قوله: "وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم " الحديث. في هذا الحديث أن خير القرون ثلاثة من غير شك.
قوله: "ثم يجيء قوم " إلخ. وذلك لضعف الإيمان والرغبة في الدنيا، وأخذها بالقلوب وكثرة المعاصي والذنوب.
1 البخاري رقم (2652) في الشهادات: باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ، ورقم (3651) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رقم (6429) في الرقاق: باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ورقم (6658) في الأيمان والنذور: باب إذا قال: أشهد بالله أو شهدت بالله ، ومسلم رقم (2533) في فضائل الصحابة: باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ، والترمذي رقم (3858) في المناقب: باب ماجاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
2 البخاري رقم (7068) في الفتن: باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه ، والترمذي رقم (2207) في الفتن: باب رقم (35) ، وأحمد في المسند3/132 و 177.